بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صــد و دو
ولا يخفي ان الاخلال بالصحة في كلام الشيخ (قدس سره) انما يحصل بقصد كون الزيادة جزئاً مستقلاً، من دون فرق بين كون القصد المذكور تشريعياً او شرعياً، ومن غير فرق بين اخلاله بقصد الامتثال وعدم اخلاله.
نعم، الشيخ (قدس سره) افاد في مقام الاستدلال للبطلان بأن ما ما اتي به وقصد الامتثال به وهو المجموع المشتمل علي الزيادة لم يكن مأمورا به، وما هو المأمور به واقعاً لم يقصد الامتثال به.
هذا. ثم ان اساس كلام صاحب الكفاية (قدس سره) من عدم سراية حرمة التشريع الي الفعل وعدم الموضوعية للتشريع في مقام الاخلال بصحة الفعل:
ان التشريع هو ادخال ما ليس من الدين في الدين، وهو بهذا المفهوم يكون فعلاً من افعال النفس ولا يرتبط بالفعل الخارجي المجعول له الحكم ولا ينطبق عليه، بل هو يساوق مفهوم جعل القانون فيمحض في انشاء الاحكام ولا ينطبق علي متعلقاتها حسب تعبير السيد الاستاذ (قدس سره)، كما انه (قدس سره) افاد بأن التشريع بمعني ادخال ما ليس من الدين في الدين لم يرد في لسان دليل شرعي، بل الوارد في الأدلة حرمة البدعة والافتراء والقضاء بغير العلم.
وهذه المفاهيم ايضاً ليست منطبقة علي الخارجيات، اذ الابتداع في الدين يساوق التشريع، والبناء علي ثبوت حكم شرعاً لا ثبوت له واقعاً وهكذا القضاء بغير العلم، فإنه الحكم بشئ بغير علم، وأما الافتراء فهو راجع الي الكذب وهو اجنبي عن الفعل المشرع فيه.
ثم افاد (قدس سره)
«إلا أن التشريع - كما قيل - من المحرمات العقلائية بلحاظ انه تصرف في سلطان المولى، فلا بد من ملاحظة ما عليه بناء العقلاء والارتكاز العرفي من ان المحرم هو فعل النفس وما يساوق مفهوم التشريع خاصة، أو ان الحرمة تسري إلى الفعل الخارجي المأتي به بعنوان موافقة أمر المولى؟
ولا يمكننا الجزم بالثاني، والقدر المتيقن هو الأول. وعليه فلا دليل على قبح الفعل الذي يشرع فيه، فلا تسري حرمة التشريع إلى العمل الخارجي، فلا يلزم من حرمته بطلان العمل.»[1]
ويمكن ان يقال:
ان التشريع بهذه المفاهيم التي افاده خصوصاً اذا كان من المحرمات العقلائية، ففي مقام ملاحظة ما عليه بناء العقلاء والارتكاز العرفي، فإنه بمفهومه فعل النفس وما يساوق مفهوم التشريع و الجعل. وفي مثله يمكن الالتزام بعدم سراية الحرمة الي الفعل الخارجي المأتي به بعنوان موافقة امر المولي.
ولكن هنا خصوصية وهي ان المركب الذي اتي به باعتقاد تقومه بالزيادة تشريعاً هو العبادة، والعبادة تتقوم بالتقرب وفي مقام التقرب يلزم محبوبية العمل للمولي ولا يمكن تصوير التقرب اليه بما لا يكون محبوباً. والتشريع ولو كان فعل النفس تصرف في سلطان المولي ويكون مبغوضاً له. وهذا المبغوضية كما تكون لفعل الجعل وشأن التشريع كذلك تثبت للمجعول والمشروع به، فإن ترتيب الأثر علي هذا المفهوم اي البدعة والافتراء والقضاء بغير العلم والتصرف في سلطان المولي مبغوض حتي بالنسبة الي الموالي العرفية.
وعليه فمن الصعب جداً الالتزام بعدم سراية هذه المبغوضية الي الفعل الخارجي والأثر المترتب علي المفهوم المبغوض خصوصاً اذا كان ترتيب الأثر المذكور في العبادة التي يلزم فيها التقرب الي المولي.
بل لقائل ان يقول:
بسراية هذه المبغوضية حتي في غير العبادة، لأن المعيار بناء العقلاء، ولا يبعد قبح ترتيب الأثر علي ما هو بدعة وافتراء وتصرف في سلطان مولي من مواليهم عندهم سواء كان ترتيب الأثر المذكور في الفعل الذي اتي به بقصد التقرب اليه او غيره.
وعليه فما سلكه المحقق صاحب الكفاية من عدم الموضوعية في التشريع بالنسبة الي بطلان العمل ليس مما يمكن المساعدة عليه.
بل نفس الاتيان بالزيادة باعتقاد التشريع توجب مبغوضية الفعل، وهي تنافي كونه مقرباً، وهذا المحذور يتقدم علي اخلاله في المأمور به من جهة الامتثال وأن ما اعتقده مأمورا به تشريعاً لا يكون مأمور به، وليس الأمر الواقعي المأمور به داعياً له في فعله.
هذا ومنه يعلم انه لو لم يكن في اعتقاده التشريع، بل اتي بالزيادة باعتقاد ان الشارع امر به ولم يكن اعتقاده مطابقاً للواقع، فإنه لا تضر الزيادة بصحة العمل لما مر من عدم تقوم الزيادة بالقصد، فيكون تمام الموضوع هنا الاتيان بالزيادة وفي هذه الصورة ينحصر الاخلال بالصحة بما لو كان اتي بالمجموع المتشمل علي الزيادة علي نحو التقييد.
فيكون منافياً لقصد الامتثال.
ثم انه افاد صاحب الكفاية: بأنه اذا اتي بالفعل المشتمل علي الزيادة بداعي الأمر الواقعي الموجود، فهو يقصد اتيان الواجب الواقعي علي واقعه، لكنه بما انه يعتقد ان الواجب عليه واقعاً المجموع المشتمل علي الزيادة جهلاً او تشريعاً.
ففي هذه الصورة حكم بصحة عمله، لأنه اتي بالواجب الواقعي وقصد الزيادة لا يضر بعد ان كان قصد امتثال الأمر الخاص ينحل الي قصدين، ومن جهة الخطأ او التشريع في التطبيق فهو يقصد الأمر الواقعي علي واقعه، ولكنه معتقد انه هو الأمر الخاص خطأ او تشريعاً. وهذا لا يضر في الامتثال والتقرب فبيقي احتمال مانعية الزيادة وهو منفي بالأصل.
[1] . الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج5، ص277-278.