بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نود و سـه
وافاد السید الاستاذ (قدس سره):
««الجهة الثانية:
في بطلان العمل بزيادته مطلقا عمدا أو سهوا. ولا يختص الكلام بالزيادة السهوية، كما هو الحال في النقص، إذ بطلان العمل بالنقص العمدي هو المتيقن من مقتضى الجزئية، فلا مجال للبحث عن بطلان العمل بترك الجزء عمدا وعدم بطلانه.
وهذا بخلاف الزيادة العمدية، فان عدم بطلان العمل بها لا يتنافى مع مقتضى الجزئية، كما لا يخفى. ووضوح الكلام في هذه الجهة يستدعي أولا تحديد موضوع البحث.
فنقول:
ان الجزء.. تارة: يؤخذ بشرط عدم الزيادة عليه، فالزيادة تكون مبطلة، لكن لا من جهة زيادة الجزء بل من جهة نقصه، ولفقدان شرطه وقيده بالزيادة فلا يكون الجزء وهو الذات المقيدة بالعدم محققا فلنا ان نقول إن زيادة الجزء غير مقصودة في هذا الفرض.
وأخرى:
يؤخذ لا بشرط من حيث الوحدة والتعدد، بمعنى أن يكون الجزء هو الطبيعة الصادقة على الواحد وعلى المتعدد.
وفي هذا الفرض لا تتصور الزيادة أيضا، إذ كل ما يؤتى به من الافراد يكون مقوما للجزء لا زائدا عليه لصدق الجزء على المجموع.
وثالثة:
يؤخذ لا بشرط من حيث الزيادة وعدمها بالمعنى الاصطلاحي للا بشرطية الراجع إلى رفض القيود.
وهو أن يكون الجزء هو ذات العمل - كالسورة مثلا - وصرف وجودها بلا دخل لتكراره وعدمه في جزئيته، فسواء كرر أو لم يكرر يكون هو جزء ولا يكون التكرار مضرا بجزئيته كما لا يكون دخيلا فيها.
فتكون زيادة الجزء وتكراره بالنسبة إلى الجزئية كسائر الاعمال الأجنبية عن الجزء غير الدخيل عدمها ولا وجودها في جزئية الجزء، كالنظر إلى الجدار أو حركة اليد أو غير ذلك.
وفي هذا الفرض تتصور زيادة الجزء لتحققه بصرف الوجود، فالاتيان به ثانيا يكون زيادة له، ولو كانت الزيادة مانعة فهي ليست من جهة اخلالها بنفس الجزء ومنافاتها لجزئية الجزء، بل من جهة اخلالها بالصلاة نظير التكلم المانع، فإنه مانع من الصلاة، ولا يكون مضرا بجزئية ما تحقق من الاجزاء، لأنها مأخوذة بلحاظه لا بشرط بالمعنى الاصطلاحي.
ومن هنا يتضح: ان محل الكلام في بطلان الصلاة بزيادة الجزء هو هذا الفرض خاصة دون الفرضين الأولين، لما عرفت من عدم تصور الزيادة فيهما.
مضافا:
إلى بطلان العمل في الفرض الأول بالزيادة قطعا وعدم بطلانه في الثاني قطعا فلا شك فيهما. بخلاف الفرض الأخير، لتصور الزيادة فيه ويأتي احتمال مبطليتها وكونها مانعة من الصلاة أو غيرها كسائر الموانع.
والى هذا التقسيم لاعتبارات الجزء وتحديد موضوع البحث فيما نحن فيه أشار الشيخ ( رحمه الله ) في الرسائل بقوله:
" وانما يتحقق - يعني الزيادة - في الجزء الذي لم يعتبر فيه عدم الزيادة، فلو أخذ بشرطه فالزيادة عليه موجب لاختلاله من حيث النقيصة، لان فاقد الشرط كالمتروك. كما أنه لو اخذ في الشرع لا بشرط الوحدة والتعدد لا اشكال في عدم الفساد ".
فإنه وإن لم يصرح بالفرض الثالث، لكنه يشير إليه باخراج الفرضين الأولين.
ومع هذا البيان لا يبقى مجال لتوهم عدم صدق الزيادة.
والاشكال في ذلك:
بان الجزء إما ان يؤخذ بشرط لا واما ان يؤخذ لا بشرط ولا ثالث لهما.
وعلى الأول ترجع زيادته إلى النقيصة، وعلى الثاني لا يكاد تتحقق الزيادة، لان الضمائم لا تنافي الماهية لا بشرط ولا تكون زيادة فيه بل المجموع يتصف بالجزئية.
لما عرفت من أن اللا بشرطية من حيث الوحدة والتعدد غير اللا بشرطية الاصطلاحية، فهناك فرض ثالث غفل عنه المستشكل. بل مثل هذا الاشكال لا ينبغي أن يسطر، فان منشأه عبارة الشيخ المتقدمة.
والغفلة عن مراد الشيخ وتعبيره باللا بشرطية من حيث الوحدة والتعدد لا اللا بشرطية الاصطلاحية. فلا وجه لذكره في تقريرات المرحوم الكاظمي.
كما أن الجواب عنه: بان مقام الامكان الثبوتي غير مقام الصدق العرفي، ولا اشكال في صدق الزيادة عرفا على الوجود الثاني فيما إذا كان الواجب صرف الوجود - كما جاء في تقريرات الكاظمي -.
غير سديد:
إذ ليس البحث فيما نحن فيه في مدلول دليل لفظي وارد على عنوان الزيادة كي يبحث في مفهوم الزيادة عرفا، بل البحث فيما هو مقتضى الأصل العملي عند تكرار الجزء من حيث الابطال وعدمه، فصدق الزيادة عرفا لا اثر له بعد الجزم بعدم الاضرار بالتكرار على تقدير والجزم باضراره على تقدير آخر كما هو مقتضى الاشكال.
فالمتعين في الجواب عنه ما ذكرناه. فانتبه. ثم إن الشيخ ( رحمه الله ) أشار إلى اعتبار قصد الجزئية في صدق الزيادة، وان الاتيان بصورة الجزء بلا قصد الجزئية لا يحقق الزيادة، وإن ورد في بعض الاخبار اطلاق الزيادة على سجود العزيمة في الصلاة، مع أنه لا يؤتى به بعنوان الزيادة.
وقد فصل القول في ذلك ههنا بعض الاعلام.
والذي نراه:
انه لا مجال لهذا الحديث ههنا بالمرة، إذ ليس البحث عن مفاد الأدلة الدالة على مانعية الزيادة - بمفهومها -، كي يبحث عن حدود مفهوم الزيادة، وانه هل تتحقق الزيادة بكل عمل خارج عن الصلاة ولو لم يقصد به الجزئية، أو انها تتقوم بما إذا قصد الجزئية فيه، أو غير ذلك؟.
بل البحث عن مقتضى الأصل العملي عند الشك في مانعية الزيادة. ومن الواضح انه لا خصوصية لعنوان الزيادة بملاحظة الأصل العملي، بل المدار على كونها مشكوكة المانعية، فلو شك في مانعية تكرار الجزء بذاته ولو بدون قصد الجزئية، نظير التكلم الذي يكون مانعا مع عدم قصد الجزئية كان موردا للبحث أيضا.
فالذي ينبغي ان يجعل مورد البحث ههنا، هو انه مع العلم بالجزئية والشك في مانعية تكرار الجزء - بقصد الجزئية أو لا بقصدها - للمركب، فما هو مقتضى الأصل؟. فموضوع الكلام هو تكرار الجزء لا زيادته.
وإذا عرفت موضوع الكلام، فيقع الحديث في حكم الشك فيما نحن فيه، ومن مطاوي ما تقدم تعرف ان مرجع الشك ههنا إلى الشك في اعتبار عدم تكرار الجزء في المركب، بحيث يكون وجوده مانعا من صحة المركب.
وحكم هذا الشك واضح، فإنه مجرى البراءة شرعا وعقلا على ما تقدم بيانه في الشك في الشرطية. فلا حاجة إلى الإطالة.
ومقتضى نفي مانعية الزيادة صحة العمل معها وعدم بطلانه بها بأي نحو تحققت.
نعم، قد يكون وجودها - ببعض صورها - مخلا بالعمل العبادي، لكن لا من جهة كونها من موانع العمل، بل من جهة منافاتها لقصد التقرب على ما سيتضح بيانه. وهذه جهة أخرى لا ترتبط بما نحن فيه.»[1]
[1] . الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج5، ص269-273.