بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هشتاد و هشت
قال صاحب العروة (قدس سره):
«مسألة 58:
الأقوى وفاقا لأكثر القدماء اعتبار الرجوع إلى كفاية من تجارة أو زراعة أو صناعة أو منفعة ملك له من بستان أو دكان أو نحو ذلك، بحيث لا يحتاج إلى التكفف، ولا يقع في الشدة والحرج.
ويكفي كونه قادرا على التكسب اللائق به أو التجارة باعتباره ووجاهته وإن لم يكن له رأس مال يتجر به.
نعم قد مر عدم اعتبار ذلك في الاستطاعة البذلية، ولا يبعد عدم اعتباره أيضا فيمن يمضي أمره بالوجوه اللائقة به كطلبة العلم من السادة وغيرهم، فإذا حصل لهم مقدار مؤنة الذهاب والإياب ومؤنة عيالهم إلى حال الرجوع وجب عليهم.
بل وكذا الفقير الذي عادته وشغله أخذ الوجوه ولا يقدر على التكسب إذا حصل له مقدار مؤنة الذهاب والإياب له ولعياله، وكذا كل من لا يتفاوت حاله قبل الحج وبعده إذا صرف ما حصل له من مقدار مؤنة الذهاب والإياب من دون حرج عليه.»[1]
قال السید الحکیم (قدس سره):
« حكي ذلك عن الشيخين والحلبيين وابني حمزة وسعيد وجماعة آخرين وعن الخلاف والغنية: الاجماع عليه.
لخبر أبي الربيع الشامي، المتقدم في المسألة السابقة.
وزاد المفيد في المقنعة في روايته عنه - بعد قوله ( عليه السلام ) ويستغني به عن الناس" -: "يجب عليه أن يحج بذلك ثم يرجع فيسأل الناس بكفه ! لقد هلك الناس إذا. فقيل فما السبيل؟ قال: فقال: السعة في المال، وهو أن يكون معه ما يحج ببعضه، ويبقى بعض يقوت به نفسه وعياله ".[2]
وخبر الأعمش عن الصادق ( عليه السلام ) أيضا في تفسير السبيل: " هو الزاد والراحلة، مع صحة البدن، وأن يكون للانسان ما يخلفه على عياله، وما يرجع إليه من بعد حجه ".[3]
وفي مجمع البيان في تفسير الآية الشريفة: " المروي عن أئمتنا ( عليهم السلام ): أنه الزاد والراحلة، ونفقة من تلزمه نفقته، والرجوع إلى كفاية، إما من مال أو ضياع أو حرفة.. ".[4]
لكن الجميع غير صالح لذلك:
أما الخبر ـ خبر ابی االربیع الشامی ـ فظاهر في نفقة العيال حال السفر.
وأما المرسل في المقنعة: فالموثوق به أنه عين الخبر المذكور. وحينئذ يشكل الاستدلال به، للتعارض في النقل.
مع أن منصرف الحديث صورة العجز على نحو يؤدي إلى الهلاك. فلا يدل على القول المذكور.
وأما خبر الأعمش: فلا جمال ما يرجع إليه بعد حجه من حيث المدة - وأنها سنة أو أقل أو أكثر - ومن حيث الكم، وأنه قليل أو كثير.
وحمله على ما لا بد له منه عند الرجوع - بقرينة دليل نفي الحرج - رجوع إلى الدليل المذكور. وحينئذ يتعين العمل بمقتضاه لا غير.
وأما مرسل مجمع البيان: فعده من قسم الخبر لا يخلو من إشكال، لظهوره في كونه من باب بيان المضمون بحسب فهم الناقل، فهو أشبه بالفتوى من الخبر. ولا سيما مع تفرده في نقل ذلك دون غيره من أئمة الحديث.
مضافا إلى اشكال السند فيه وفي خبر الأعمش، لعدم صحتهما. وعدم ثبوت اعتماد الأصحاب عليهما، فإن الظاهر أن اعتمادهم كان على خبر أبي الربيع الذي عرفت قصور دلالته.
وعلى هذا فالاعتماد على النصوص المذكورة غير ظاهر.
نعم، لا بأس بالرجوع إلى أدلة نفي الحرج والعمل بمقتضاها، فكما أنها تعمل عملها في كيفية مؤنته ومؤنة عياله في السفر، واستثناء مثل الخادم والدار وغيرهما من المستثنيات، تعمل عملها في ذلك أيضا. فإذا كان صرف ما عنده، مما يكفيه في سفره لنفسه ولعياله حرجا عليه - لأنه يرجع إلى مهانة ومذلة - فهو غير مستطيع، وإلا فهو مستطيع.
ولعل مراد القائلين باعتبار الرجوع إلى كفاية ذلك - كما يظهر من المتن - لا اعتبار الكفاية تعبدا، كما في ملك الزاد والراحله، حسبما ينسبق إلى الذهن من كلماتهم ولأجل ذلك لم يوافقهم جماعة عليه كابن إدريس والمحقق والعلامة.
وعن ظاهر اليد - بل عن المعتبر والتذكرة -: نسبته إلى الأكثر. وكيف كان فإن كان مراد القائلين باعتبار الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة، المعنى الذي يقتضيه دليل نفي الحرج فهو في محله. وإن كان مرادهم المعنى الذي يظهر من نفس الكلام فلا دليل عليه، بل إطلاق أدلة الوجوب ينفيه.»[5]
والنکتة فيما افاده (قدس سره):
بعد تسلم التزام أکثر القدماء باعتبار الرجوع الى الکفاية.
عدم صلاحية النصوص لاعتباره.
اما خبر ابي الربيع فلظهوره في اعتبار نفقة العيال حال السفر، ولا ينفع نقل المفيد، لأنه عين خبر ابي الربيع، وکل اضافة فيه انما يعارض الخبر فيکون من التعارض في النقل.
وافاد (قدس سره) بان المنصرف من النقل المذکور صورة العجز على نحو يؤدي الى الهلاک.
واما خبر الاعمش: فمع ضعف السند وعدم ثبوت اعتماد الاصحاب عليه، فان المشکل فيه الاجمال فيما يرجع اليه بعد حجه من حيث المدة ومن حيث الکم.
وحمله على ما لابد له منه بقرينة دليل الحرج يرجع الى الاستدلال بنفس دليل الحرج.
واما حديث مجمع البيان: فأورد عليه بعدم کونه من قسم الخبر، بل هو اشبه بالفتوى، مع تفرده في نقله وزاد بان الظاهر ان اعتماد الاصحاب في اعتبار الرجوع الى کفاية على خبر ابي الربيع الشامي.
ثم افاد بان مدار اعتباره على مدار لزوم الحرج وعدم لزومه، وعليه فان کان مراد القائلين باعتباره المعنى الذي يقتضيه دليل الحرج فهو في محله والا فلا دليل على اعتباره.
وافاد في نهاية الامر ان إطلاق ادلة الوجوب ـ الظاهر منه إطلاق ادلة وجوب الحج ـ ينفي اعتبار الرجوع الى کفاية.
[1] . العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 413-414.
[2] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 9 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص37، الحديث14180/1 و 14181/2.
[3] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 9 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص37، الحديث14183/4.
[4] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 9 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص37، الحديث14184/5.
[5] . السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقي، ج10، ص161-163.