بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پنجاه و دو
وافاد السيد الاستاذ (قدس سره):
«لا بدّ أن يكون المقصود بالفرض صورة ما إذا كان يجوز له الرجوع و يترتب عليه أثره، و إلا فلا معنى للكلام في هذا الفرض؛ كما لا يخفى.
و تحقيق الكلام فيه: أنه إن كان وجوب الحج بالبذل من باب صدق الاستطاعة و على مقتضى القاعدة صحّ حجه و أجزأ عن حجة الاسلام، لكونه حجّ عن استطاعة لبذل بعض النفقة له و تمكنه من البعض الآخر.
أما إذا كان وجوب الحج بالبذل ليس من باب صدق الاستطاعة حقيقة، بل تعبّدا و تنزيلا. فبالرجوع عن البذل ترتفع الاستطاعة التعبدية، و يكون من مصاديق من استطاع بعد الإحرام. و حينئذ:
فإن قلنا بأن الإحرام شرط للحج صح حجه لما تقدم فى المسألة الخامسة.
و إن قلنا بأنه جزء للحج لم يصح حجّه لأن إحرامه كان في ظرف عدم وجوبه واقعا لعدم استطاعته و عدم استمرار العرض و هو معتبر.
و قد تقدم توضيح ذلك في التعليق على المسألة الخامسة، فراجع.
و قد توجّه صحة الحج: بأنه قد تقدم من المصنف أن بذل بعض النفقة مع تمكنه من البعض الآخر موجب للحج مع أن مبناه على كون الوجوب بالبذل على خلاف القاعدة، و هذا المورد من هذا القبيل.
و يندفع: بوجود الفرق بين الموردين فإن الشخص إذا كان واجدا فعلا لبعض النفقة، فبذل البعض الآخر يكون تهيئة للجزء الأخير للحج، فيصدق عرض الحج عليه، بخلاف ما إذا لم يكن واجدا فعلا، فإن بذل البعض لا يعدّ عرضا للحج و إن تجدد ملكية البعض الآخر. نعم، يمكن أن يدّعى ذلك في صورة العلم بتجدد ملكية البعض في اثناء العمل. فالتفت.»[1]
ويمكن ان يقال:
انه لو كان رجوع الباذل عن بذله بعد احرام المبذول له، فبما ان الاحرام يجب الخروج عنه للمحرم، فاذا تمكن من اتمام الحج يلزمه ذلك، ويكفي عن حجة الاسلام كما افاده صاحب العروة (قدس سره).
والمهم هنا ان بعد رجوع الباذل، فانما سقط عنه وجوب الحج لسقوط الاستطاعة البذلية، ويجوز له ترك الحج بالخروج عن الاحرام اذا لم يتمكن من اتمام الحج، او تمكن بما يلزم معه الحرج والمشقة عليه ويجري فيه حكم المحصور والمسدود.
واما اذا تمكن من الاتمام، ولو بالاستقراض، ونحوه وجب عليه اتمام الحج ويكفي عنه من حجة الاسلام، كما مر تفصيله في مسألة 41 ويرجع بضمانه الى الباذل.
وسقوط وجوب الحج بسقوط الاستطاعة برجوع الباذل لا يلازم عدم اجزاء حجه اذا اتى به عن حجة الاسلام، لان هنا فرقاً بين الاستطاعة الباعثة لوجوب الحج بلا فرق فيه بين الاستطاعة البذلية والاستطاعة المالية، من الاول وقبل الخروج الى الحج وقبل الدخول في الاحرام.
والاستطاعة الباعثة لوجوب اتمام الحج بعد الدخول فيه، فان في الاول يلزم جميع ما اعتبرناه في الاستطاعة حتى الرجوع الى الكفاية بخلاف الثاني، فان مع سرقة امواله في الاستطاعة المالية او رجوع الباذل في البذلية بعد دخوله في الاحرام، فانه لا يعتبر هنا الاستطاعة الباعثة لوجوب الحج قبل خروجه الى الحج، فلا يعتبر فيه الرجوع الى الكفاية بل ولا مؤونة ايابه. بل المعتبر فيها التمكن من اتمام الحج بوجه، كما مرّ في كلام صاحب العروة (قدس سره) في مسألة 29.
والسر في ذلك:
انه لا وجه للحج الا بتحقق الاستطاعة باختلاف مفهومها عند الاعلام ـ اما العرفية، او الشرعية ـ ويعتبر فيهما جميع ما مر سابقاً.
واما في مثل مورد سرقة الاموال او الرجوع عن البذل من ناحية الباذل، فانه وان زالت عنه هذه الاستطاعة الا ان المفروض انه دخل في الاحرام في ظرف وجوب الحج عليه. وقد مرّ مراراً انا لا نلتزم بكاشفية مثله عن عدم وجوب الحج عليه من الابتداء، بل الوجوب في الحج قد تحقق شرطه وصار فعلياً بالنسبة اليه وقد دخل في الاحرام في هذا الظرف، فهنا يلزمه الخروج عن الاحرام، وهو ان تمكن بوجه من الخروج عنه باتمام الاعمال وجب عليه، اي وجب عليه الاتمام، وان سقط عنه وجوب الحج بسقوط شرطه، واذا تمكن من اتمام الاعمال لأجزأ عنه بعنوان حجة الاسلام. نعم، لا يجب عليه الاتمام في فرض عدم تمكنه كما مر.
وعليه فان القول بان الاستطاعة شرط لوجوب الحج حدوثاً وبقاءً ومعه لم يجب عليه اتمام اعمال الحج في مثل المقام لسقوط الاستطاعة مما لا وجه له.
لان الاستطاعة شرط لوجوب الحج حدوثاً وبقاءً، ولكنه ليس لازمه عدم اجزاء ما اتى به من سرق ماله او رجع باذله اذا تمكن من اتمام الاعمال، بل وجب عليه الاتمام عند تمكنه من ذلك.
وقد مرّ انه في صورة البذل انما يتمكن بالاستقراض وامثاله ورجوعه الى الباذل فيه.
وما مرّ من صاحب العروة (قدس سره) من قوله:
«بل يمكن ان يقال بذلك ـ الاجزاء عن حجة الاسلام ـ اذا تلف ـ المال ـ في اثناء الحج.»[2]
ناظر الى هذه الجهة. وانه من موارد التفكيك بين وجوب الحج واجزاء ما اتى به عن حجة الاسلام.
واما ما افاده صاحب العروة بقوله:
«ويقربّه: ما ورد من ان من مات بعد الاحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجة الاسلام»[3]
وان اورد عليه كثير من اعلام محشيه، بانه لا وجه لهذا التقريب او لم يظهر وجه التقريب، الا انه يمكن ان يقال فيه:
انه لو كان لسان هذه الاخبار لسان التفضل، انه ليس للتفضل ملاك خاص يمكن التعدي بتنقيحه عن مورده، والاجزاء في مورد الموت بعد الاحرام عناية منه تعالى. لتم ما اوردوه على صاحب العروة.
واما لو كان نظر صاحب العروة.
ان الاجزاء هو فرع الاستقرار، وبعد استقرار وجوب الحج على المكلف يمكن البحث عن اجزاء ما اتى به عن حجة الاسلام وكفاية المأتي به عن المأمور به، ولو لا كونه المأمور به فلا وجه لكفاية اتيان الماتي به عنه الا انه (قدس سره) كان في صدد بيان ان المستفاد من هذه الاخبار ان ادراك جزء من ظرف الاستقرار يكفي لجريان بحث الاجزاء وان التكليف الواقع جزؤه في هذا الظرف هو موضوع للاجزاء، وفي مثل من مات بعد الاحرام ودخول الحرم فبما انه ادرك ظرف الاستقرار في عمله كفى عنه، فيمكن استفادة ان من ادرك هذا الظرف في بعض اعماله، واتى بما فيها في ظرف عدم الاستقرار كما في المقام لكفي عنه ذلك. لكان لما افاده وجه
مع انه لم يذكر هذا الوجه بعنوان الدليل على ما افاده بل عبر عنه بالتقريب.
ومن الممكن تنظيره بمن كان مكلفاً بالصوم في رمضان فاتى به يوم فعرض عليه ما يلزم منه الحرج او الضرر في اليوم قبل مغرب الشمس ولكنه تحمل المشقة او الضرر فاتم صومه في يومه، فانه افتى كثير من الاعلام لو لا اكثر بصحة الصوم واجزائه مع انه لا شبهة في سقوط الوجوب بعروض الحرج او الضرر وانما ادرك في بعض اليوم استقرار الوجوب، ولعله من موارد التفكيك بين عدم الوجوب و الاجزاء.
[1] . السيد محمد الروحاني، المرتقى إلى الفقه الأرقى، كتاب الحج؛ ج1، ص 127.
[2] . العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 391.
[3] . العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 407.