بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه چهل و چهار
ثم استمراراً الشيخ (قدس سره) بكلامه:
«مع أن ما ذكر - من تغاير منشأ حصول الشرط مع وجود المشروط في الوضوء واتحادهما في الرقبة المؤمنة - كلام ظاهري، فإن الصلاة حال الطهارة بمنزلة الرقبة المؤمنة في كون كل منهما أمرا واحدا في مقابل الفرد الفاقد للشرط.
وأما وجوب إيجاد الوضوء مقدمة لتحصيل ذلك المقيد في الخارج، فهو أمر يتفق بالنسبة إلى الفاقد للطهارة، ونظيره قد يتفق في الرقبة المؤمنة، حيث إنه قد يجب بعض المقدمات لتحصيلها في الخارج، بل قد يجب السعي في هداية الرقبة الكافرة إلى الإيمان مع التمكن إذا لم يوجد غيرها وانحصر الواجب في العتق.
وبالجملة: فالأمر بالمشروط بشئ لا يقتضي بنفسه إيجاد أمر زائد مغاير له في الوجود الخارجي، بل قد يتفق وقد لا يتفق.
وأما الواجد للشرط فهو لا يزيد في الوجود الخارجي على الفاقد له، فالفرق بين الشروط فاسد جدا.
فالتحقيق:
أن حكم الشرط بجميع أقسامه واحد، سواء ألحقناه بالجزء أم بالمتبائنين.
وأما ما ذكره المحقق القمي ( رحمه الله )، فلا ينطبق على ما ذكره في باب البراءة والاحتياط: من إجراء البراءة حتى في المتبائنين، فضلا عن غيره، فراجع.
ومما ذكرنا: يظهر الكلام في ما لو دار الأمر بين التخيير والتعيين، كما لو دار الواجب في كفارة رمضان بين خصوص العتق للقادر عليه وبين إحدى الخصال الثلاث، فإن في إلحاق ذلك بالأقل والأكثر فيكون نظير دوران الأمر بين المطلق والمقيد، أو المتبائنين، وجهين بل قولين:
من عدم جريان أدلة البراءة في المعين، لأنه معارض بجريانها في الواحد المخير، وليس بينهما قدر مشترك خارجي أو ذهني يعلم تفصيلا وجوبه فيشك في جزء زائد خارجي أو ذهني.
ومن أن الإلزام بخصوص أحدهما كلفة زائدة على الإلزام بأحدهما في الجملة، وهو ضيق على المكلف، وحيث لم يعلم المكلف بتلك الكلفة فهي موضوعة عن المكلف بحكم: " ما حجب الله علمه عن العباد "، وحيث لم يعلم بذلك الضيق فهو في سعة منه بحكم: " الناس في سعة ما لم يعلموا ".
وأما وجوب الواحد المردد بين المعين والمخير فيه فهو معلوم، فليس موضوعا عنه ولا هو في سعة من جهته.
والمسألة في غاية الإشكال، لعدم الجزم باستقلال العقل بالبراءة عن التعيين بعد العلم الإجمالي، وعدم كون المعين المشكوك فيه أمرا خارجا عن المكلف به مأخوذا فيه على وجه الشطرية أو الشرطية، بل هو على تقديره عين المكلف به، والأخبار غير منصرفة إلى نفي التعيين، لأنه في معنى نفي الواحد المعين، فيعارض بنفي الواحد المخير، فلعل الحكم بوجوب الاحتياط وإلحاقه بالمتبائنين لا يخلو عن قوة، بل الحكم في الشرط وإلحاقه بالجزء لا يخلو عن إشكال.
لكن الأقوى فيه: الإلحاق.
فالمسائل الأربع في الشرط حكمها حكم مسائل الجزء، فراجع.
ثم إن مرجع الشك في المانعية إلى الشك في شرطية عدمه.
وأما الشك في القاطعية، بأن يعلم أن عدم الشئ لا مدخل له في العبادة إلا من جهة قطعه للهيئة الاتصالية المعتبرة في نظر الشارع، فالحكم فيه استصحاب الهيئة الاتصالية وعدم خروج الأجزاء السابقة عن قابلية صيرورتها أجزاء فعلية، وسيتضح ذلك بعد ذلك إن شاء الله.
ثم إن الشك في الشرطية:
قد ينشأ عن الشك في حكم تكليفي نفسي، فيصير أصالة البراءة في ذلك الحكم التكليفي حاكما على الأصل في الشرطية، فيخرج عن موضوع مسألة الاحتياط والبراءة، فيحكم بما يقتضيه الأصل الحاكم: من وجوب ذلك المشكوك في شرطيته أو عدم وجوبه.»[1]
واساس ما افاده (قدس سره)
ان الشك في كون الشيء قيداً للمأمور به ينقسم الي قسمين:
1 ـ ما كان منشأه فعلاً خارجياً مغايراً للمقيد في الوجود الخارجي كالشك في الطهارة الناشئة من الوضوء.
وهذا ما التزم فيه بجريان البرائة عن التقييد.
2 ـ ما كان منشأه قيداً متحداً معه في الوجود الخارجي وهذا ما يعبر عنه بالجزء التحليلي.
وأفاد فيه: بجريان البرائة عن التقييد بعين ما التزم به في القسم الاول.
ووجّه ما التزم به: بأنه لا محذور في جريان البرائة عقلاً ونقلاً لنفي القيود المشكوكة للمأمور به، لأن المرفوع في ادلة البرائة الالزام بما لا يعلم، وكونه كلفة علي المكلف، ولا ريب ان التكليف بالمقيد مشتمل علي كلفة زائدة والزام زائد علي ما في اصل التكليف ـ اي التكليف بالمطلق ـ بلا فرق فيه بين ما كان القيد متحداً مع المقيد في الوجود الخارجي او مغايراً له فلا فرق بين اتيان الرقبة الكافرة، واتيان الصلاة بدون الوضوء.
وعليه:
فإن تغاير منشأ حصول الشرط مع وجود المشروط في مثل الوضوء، واتحادهما في مثل الرقبة المؤمنة، كلام ظاهري لا يوجب تفاوتاً في جريان البرائة عن القيد المشكوك.
فإن الصلاة حال الطهارة بمنزلة الرقبة المؤمنة في كون كل منهما امراً واحداً في مقابل الفرد الفاقد للشرط.
ووجوب ايجاد الوضوء مقدمة لتحصيل القيد في الخارج امر يتفق لفاقد الطهارة، ونظيره قد يتفق في الرقبة المؤمنة اذ قد يجب تحصيل بعض المقدمات في الخارج، بل قد يجب السعي في هداية الرقبة الكافرة الي الايمان مع التمكن اذا لم يوجد غيرها، وانحصر الواجب في العتق.
وأفاد في النهاية ان الفرق بين الشروط فاسد جداً.
وإنما تعرض لوجه الخلاف في المسئلة:
وعمدته: ان ما كان متحداً مع المقيد في الوجود الخارجي ـ اي الاجزاء التحليلية ـ كالايمان في الرقبة المؤمنة، ليس مما يتعلق به وجوب والزام مغاير لوجوب اصل الفعل ولو مقدمة، ومعه لا يندرج فيما حجب الله علمه عن العباد.
وبعبارة اخري:
ان ادلة البرائة ـ عقلاً ونقلاً ـ انما تنفي الكلفة الزائدة الحاصلة من فعل المشكوك، والعقاب المترتب علي تركه مع اتيان ما هو معلوم الوجوب تفصيلاً.
فإن من اتي بالصلاة بدون التسليم المشكوك وجوبه ـ مثلاً ـ معذور في ترك التسليم لجهله.
وأما من اتي بالرقبة الكافرة، فلم يأت في الخارج بما هو معلوم له تفصيلاً حتي يكون معذوراً في الزائد المجهول، بل هو تارك للمأمور به رأساً.
وعليه فالشك في الاجزاء التحليلية من قبيل الشك في المتباينين، دون الاقل و الاكثر.
وقد جعل (قدس سره) هذا الوجه هو السر فيما افاده المحقق صاحب القوانين ـ في باب المطلق والمقيد ـ من تأييد استدلال العلامة في النهاية علي وجوب حمل المطلق علي المقيد بقاعدة الاشتغال، وقد رد الاعتراض عليه بأنه ليس لنا العلم بشغل الذمة في مورده حتي يلزم العلم بالبرائة مما حاصله:
ان المكلف به انما هو المردد بين كونه نفس المقيد او المطلق وحيث انا مكلفون بأحدهما، لحصول العلم باشتغال الذمة بالمجمل ـ اي المردد المذكور ـ فإنه لا يحصل الفراغ عن الاشتغال المذكور الا بالاتيان بالمقيد.
وليس بين المقيد و المطلق هنا قدر مشترك يقيني حتي يحكم بنفي الزائد بالبرائة، لأن الجنس الموجود في ضمن المقيد لا ينفك عن الفصل، ولا تفارق لهما.
وقد اجاب عنه الشيخ بما مر من ان حديث التغاير كلام ظاهري والتكليف بالمقيد له كلفة زائدة علي ما كان في التكليف بالمطلق، فيرفع بحديث الرفع.
هذا
ثم انه (قدس سره) افاد في مورد دوران الأمر بين التعيين و التخيير.
ان وجه جريان البرائة فيه والحاقه بالشك في الجزء والشرط:
ان الالزام بخصوص احدهما ـ كالعتق في مثال الكفارات ودوران الأمر فيه بين خصوص العتق او احدي الخصال الثلاث ـ كلفة زائدة علي الالزام بأحدهما، وهو ضيق علي المكلف.
وبما ان المكلف ليس له علم بتلك الكلفة ـ لفرض الشك فيه ـ فهي موضوعة عنه، ويجري في مورده ادلة البرائة؛ لأن وجوب الواحد المردد بين المعين والمخير معلوم لديه. وأما وجوب خصوص العتق فهو غير معلوم، فيرفع بحديث الرفع وأمثاله من ادلة البرائة. وهذا هو عمدة نظر الشيخ في المسئلة.
ثم ان الشيخ (قدس سره) التزم بأن مرجع الشك في المانعية الي الشك في شرطية عدمه ويجري فيه عين الوجه المتقدم.
وأما في الشك في القاطعية:
فأفاد أن الشك فيها يرجع الي الشك في قطع الهيئة الاتصالية المعتبرة في الصلاة بها وهو مجري استصحاب الهيئة الاتصالية، وعدم خروج الاجزاء السابقة عن قابلية لحوقها بغيرها.
كما افاد فيما اذا كان الشك في الشرطية، ناشئاً عن الشك في حكم تكليفي نفسي مما ينتزع عنه شرطية الشرط، انه يجري في الحكم التكليفي المذكور اصالة البرائة ومعه لا موضوع لجريان الاصل في الشرطية لحكومة الاصل الحاكم وهو جريان البرائة في المنشأ والسبب علي الاصل الجاري في ناحية الشرط.
وانما تنبه عليه الشيخ (قدس سره) دفعاً لايراد عدم تعلق الجعل بالشرط وان الوضعيات منتزعات عن الاحكام التكليفية.
هذا اساس ما افاده الشيخ (قدس سره) في المسئلة.
ومما مر في تبيين كلام الشيخ (قدس سره) قد ظهر:
[1] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص357-359