بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سي
هذا والتحقيق:
ان هنا جهات يلزم التنبيه عليها:
الاولي:
انه قد مر ان العلم الاجمالي انما يفيد التنجيز اذا تعلق بالمتعلق علي كل تقدير، وأما اذا تعلق بمتعلق علي تقدير واحد فلا يؤثر في التنجيز.
وفي المقام ان العلم الاجمالي انما تعلق بالتكليف الدائر بين الاقل والاكثر وبالنسبة الي الاقل، فإنه حيث كان وجوبه متيقناً علي اي حال فإنه يحصل العلم التفصيلي بوجوبه وينحل العلم الاجمالي اليه.
وأما بالنسبة الي الاكثر فإنه ليس لنا علم اجمالي بوجوبه علي كل تقدير اي علي تقدير كون الواجب هو الاقل، وعلي تقدير كون الواجب هو الاكثر بل ان العلم الاجمالي انما يتعلق به علي تقدير واحد وهو كون الواجب هو الاكثر. وهذا العلم الاجمالي لا يؤثر في تنجيز متعلقه فالاجمال بين الاقل والاكثر في المتعلق وإن كان باقياً علي اي حال الا انه لا يؤثر العلم في ظرفه للتنجيز.
وبعد ضم هذا الي حصول العلم التفصيلي بوجوب الاقل علي كل تقدير فلا محالة لا يبقي العلم الاجمالي علي حاله، بل ينحل بالعلم التفصيلي المذكور وبعد الانحلال لا يبقي بالنسبة الي الاكثر غير الشك، وإن شئت قلت: العلم الاجمالي علي تقدير واحد، وإن كان فيه مسامحة لعدم بقاء العلم بالنسبة اليه بعد ثبوت الانحلال.
الثانية:
ان الواجب اذا كان مركباً، فإن التركب عنوان انتزاعي ينتزع من الاجزاء التي تعلق بها طلب واحد ووجوب واحد، وكانت حاملة بمجموعها لغرض واحد ومصلحة واحدة، فالوجوب انما يتعلق بنفس الاجزاء دون عنوان المركب والمجموع، وإذا فرض كون الوجوب المتعلق بالاجزاء وجوباً نفيساً فإنما تتصف الاجزاء بالوجوب النفسي، الا ان اتصاف كل جزء بالوجوب النفسي كان في ضمن الاجزاء الأخر، فلا يكون كل واحد من الاجزاء واجباً بوجوب نفسي مستقل. فما يظهر من الشيخ (قدس سره) من اتصافها بالوجوب الغيري لا وجه له، ولعل مراده الوجوب الضمني دون الغيري المصطلح، وقد عرفت تقريبه في كلام المحقق النائيني (قدس سره) والمحقق العراقي (قدس سره).
وعليه، فإن بالنسبة الي الاقل انما يحصل العلم التفصيلي بوجوبه نفسياً دون الوجوب النفسي علي تقدير والوجوب الغيري علي تقدير آخر وهو كون الواجب هو الاكثر.
وإن كان ما افاده الشيخ من انه علي تقدير وجوب الاكثر كان الاقل متعلقاً للوجوب الغيري، وعلي تقدير وجوب الاقل كان متعلقاً للوجوب النفسي وأن العبرة في الانحلال بأصل الوجوب دون الغيرية والنفسية تام في نفسه.
وذلك:
لأن النفسية معناها ما وجب لأجل نفسه، والغيرية ما وجب لأجل غيره، وكون الواجب لنفسه او لغيره ليس دخيلاً في اصل الالزام والوجوب بل هو دخيل في جهة الوجوب والغاية منه.
ولكنا لا نحتاج الي هذا التقريب بعد عدم تمامية اتصاف الاجزاء بالوجوب الغيري بل الثابت في المقام وجوب الاقل نفسياً علي كل تقدير.
وعليه فلا محذور في انحلال العلم الاجمالي في المقام من هذه الناحية.
الثالثة:
قد عرفت ان المحقق النائيني بعد التزامه بحصول العلم التفصيلي بوجوب الاقل نفسياً ولازمه انحلال العلم الاجمالي به. افاد بأن ما يوجب المنع في الانحلال قضية الارتباطية والتقييدية في اجزاء المركب، وهو يمنع من حصول العلم بالامتثال وفراغ الذمة لبقاء احتمال تقيد الاقل بالجزء الزائد. كما عرفت غاية التحقيق في نفي الارتباطية بهذا المعني في كلام المحقق العراقي (قدس سره).
وما يلزم الدقة فيه: ان ما ادعاه المحقق النائيني (قدس سره) من الارتباطية انما يتم فيما كان عنوان المركب بنفسه معروضاً للوجوب والارادة والكراهة بحيث ان الشارع لا يريد الا نفس المحصل من الاجزاء كما هو الحال في مثل الطهارة المحصلة من الغسلات والمسحات، فإن في مثلها ان الشرطية للصلاة والواجب الذي تعلق به الوجوب تبعاً انما كانت في نفس الطهارة، وأن الاجزاء محصلة لها ومقدمة لحصولها فيتصف بالوجوب الغيري من ناحيتها ويترشح الارادة والالزام اليها من ناحية وجوب الطهارة والمحصل. وإن كانت هنا مسامحة في المثال من حيث ان ذي المقدمة بنفسه انما يتصف بالوجوب الغيري الا انه لا يمنع ذلك عن تعلق الوجوب الغيري الترشحي بالمقدمات وأن الاجزاء مقدمة لمقدمة الصلاة.
وقد مر في كلام الشيخ (قدس سره) التأكيد علي هذا المعني بأن المقام ليس من موارد الشك في المحصل، وأنه لا يكون المقام من قبيل اوامر الطبيب في صناعة الدواء المركب من اجزاء. وتأكيده علي ان المقام مقام الاطاعة والعصيان لا من قبيل اوامر الاطباء.
وغرض الشيخ في مقالته التنبيه علي ان في جميع المركبات لا يكون العنوان المتعلق للوجوب عنوان المركب بنفسه وعنوان المحصل.
وإن في مثل الصلاة وإن كان متعلق الوجوب الصلاة، وهي عنوان مركب من الاجزاء والشرائط، الا ان المتعلق للوجوب واقعاً ليس الا نفس الاجزاء المذكورة والشرائط، ولا يراد من الصلاة غيرها، لا ان الصلاة عنوان محصل منهما، وأن الوجوب تعلق بالعنوان وأن الاجزاء محصلة لها ومقدمة لوجودها.