بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بيست و نه
وحاصل مقالته (قدس سره) ان الارتباطية في المقام ليس معناها اكثر من الضمنية، وضم كل جزء بالآخر في المؤثرية في الغرض والمصلحة علي نحو القضية الحينية دون التقييد. وعليه فلا مانع من انحلال العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي بوجوب الاقل والشك في الجزء الزائد. وهو مجري البرائة عقلاً.
ثم انه (قدس سره) تعرض لما افاده المحقق النائيني (قدس سره) في منع كلام صاحب الحاشية. وهو ما افاده بعد تقريب عدم جريان البرائة العقلية بقوله:
«وقد اورد عليه ـ جريان البرائة عقلاً ـ بوجوه:
منها: ما حكي عن المحقق صاحب الحاشية - قدس سره -:
من أن العلم بوجوب الأقل لا ينحل به العلم الاجمالي، لتردد وجوبه بين المتباينين، فإنه لا إشكال في مباينة الماهية بشرط شئ للماهية لا بشرط لان أحدهما قسيم الآخر، فلو كان متعلق التكليف هو الأقل فالتكليف به إنما يكون لا بشرط عن الزيادة، ولو كان متعلق التكليف هو الأكثر فالتكليف بالأقل إنما يكون بشرط انضمامه مع الزيادة، فوجوب الأقل يكون مرددا بين المتباينين باعتبار اختلاف سنخي الوجوب الملحوظ لا بشرط أو بشرط شئ، كما أن امتثال التكليف المتعلق بالأقل يختلف حسب اختلاف الوجوب المتعلق به، فان امتثاله إنما يكون بانضمام الزائد إليه إذا كان التكليف به ملحوظا بشرط شئ، بخلاف ما إذا كان ملحوظا لا بشرط، فإنه لا يتوقف امتثاله على انضمام الزائد إليه، فيرجع الشك في الأقل والأكثر الارتباطي إلى الشك بين المتباينين تكليفا وامتثالا.
هذا حاصل ما أفاده المحقق - قدس سره - بتحرير منا.
ولا يخفى فساده، فان اختلاف سنخي الطلب لا دخل له في انحلال العلم الاجمالي وعدمه، بل الانحلال يدور مدار العلم التفصيلي بوجوب أحد الأطراف بحيث يكون هو المتيقنفي تعلق الطلب به ولو فرض الشك في كيفية التعلق وأنه طورا يكون لا بشرط وطورا يكون بشرط شئ.
وإن شئت قلت:
إن الماهية لا بشرط والماهية بشرط شئ ليسا من المتباينين الذين لا جامع بينهما، فان التقابل بينهما ليس من تقابل التضاد، بل من تقابل العدم والملكة، فان الماهية لا بشرط ليس معناها لحاظ عدم انضمام شئ معها بحيث يؤخذ العدم قيدا في الماهية، وإلا رجعت إلى الماهية بشرط لا، ويلزم تداخل أقسام الماهية، بل الماهية لا بشرط معناها عدم لحاظ شئ معها لا لحاظ العدم، ومن هنا قلنا: إن الاطلاق ليس أمرا وجوديا بل هو عبارة عن عدم ذكر القيد، خلافا لما ينسب إلى المشهور - كما ذكرنا تفصيله في مبحث المطلق والمقيد - فالماهية لا بشرط ليست مباينة بالهوية والحقيقة للماهية بشرط شئ بحيث لا يوجد بينهما جامع بل يجمعهما نفسا الماهية، والتقابل بينهما إنما يكون بمجرد الاعتبار واللحاظ.
ففي ما نحن فيه، الأقل يكون متيقن الاعتبار على كل حال، سواء لوحظ الواجب لا بشرط أو بشرط شئ، فان التغاير الاعتباري لا يوجب خروج الأقل عن كونه متيقن الاعتبار، هذا كله بحسب البرهان.
وأما بحسب الوجدان فلا يكاد يمكن إنكار ثبوت العلم الوجداني بوجوب الأقل على كل حال، كانت الماهيتان. متباينتين أو لم تكن، فتأمل جيدا.»[1]
هذا ما افاده المحقق النائيني حسب ما قرره المحقق الكاظميني في الفوائد.
وقد تعرض المحقق العراقي (قدس سره) لهذا الكلام منه وأفاد بأن من التزم بهذه المقالة وصرح بعدم التنافي بين الماهية لا بشرط والماهية بشرط شيء، وأن التقابل بينهما انما يكون بمجرد الاعتبار واللحاظ، وأن التغاير الاعتباري لا يوجب خروج الاقل عن كونه متيقن الاعتبار. بل صرح في آخر كلامه بعدم امكان انكار ثبوت العلم الوجداني بوجوب الاقل علي كل حال كانت الماهيتان متباينين او لم تكن. كيف افاد في تقريب عدم جريان البرائة العقلية بأن حصول العلم التفصيلي بوجوب الاقل عين اجماله لأنه مع العلم بوجوبه انما بقي التردد في كونه ملحوظا لا بشرط عن الزيادة او بشرط شيء. وبني علي جريان الاحتياط لكون الاقل علي تقدير لحاظه بشرط شيء انما يرتبط ويقيد بالجزء المشكوك فلا يتحقق الامتثال باتيانه. وأفاد بأن ما قرره في مقام الجواب عن المحقق صاحب الحاشية ينافي ما اختاره في المقام من الالتزام بالاحتياط لرجوع التقييد والارتباطية في كلامه الي لحاظ الاقل بشرط شيء بالنسبة الي الزائد.
هذا والتحقيق:
ان هنا جهات يلزم التنبيه عليها:
الاولي:
انه قد مر ان العلم الاجمالي انما يفيد التنجيز اذا تعلق بالمتعلق علي كل تقدير، وأما اذا تعلق بمتعلق علي تقدير واحد فلا يؤثر في التنجيز.
وفي المقام ان العلم الاجمالي انما تعلق بالتكليف الدائر بين الاقل والاكثر وبالنسبة الي الاقل، فإنه حيث كان وجوبه متيقناً علي اي حال فإنه يحصل العلم التفصيلي بوجوبه وينحل العلم الاجمالي اليه.
وأما بالنسبة الي الاكثر فإنه ليس لنا علم اجمالي بوجوبه علي كل تقدير اي علي تقدير كون الواجب هو الاقل، وعلي تقدير كون الواجب هو الاكثر بل ان العلم الاجمالي انما يتعلق به علي تقدير واحد وهو كون الواجب هو الاكثر. وهذا العلم الاجمالي لا يؤثر في تنجيز متعلقه فالاجمال بين الاقل والاكثر في المتعلق وإن كان باقياً علي اي حال الا انه لا يؤثر العلم في ظرفه للتنجيز.
وبعد ضم هذا الي حصول العلم التفصيلي بوجوب الاقل علي كل تقدير فلا محالة لا يبقي العلم الاجمالي علي حاله، بل ينحل بالعلم التفصيلي المذكور وبعد الانحلال لا يبقي بالنسبة الي الاكثر غير الشك، وإن شئت قلت: العلم الاجمالي علي تقدير واحد، وإن كان فيه مسامحة لعدم بقاء العلم بالنسبة اليه بعد ثبوت الانحلال.
[1] . الشيخ محمد علي الكاظمي، فوائد الاصول تقرير البحث السيد النائيني، ج4، ص153-155.