بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد و هفت
استمراراً للکلام السیدنا الاستاذ:
هذا مع ما يرد على الوجه الأول:
من ان التكليف المختص بالذاكر بالجزء الذي يذكره إما أن يكون تكليفا نفسيا استقلاليا غير التكليف بما عدا المنسي من الاجزاء، واما أن يكون تكليفا ضمنيا متحدا مع التكليف بما عدا المنسي، بحيث يكون للذاكر تكليف واحد لا تكليفان.
فالأول:
أجنبي عن محل الكلام، فإنه ليس من تخصيص التكليف بالناقص بالناسي، بل من تخصيص الذاكر بتكليفه بشئ وعدم تكليف الناسي به.
وعلى الثاني:
كما هو المفروض، إما أن يكون التكليف بما عدا المنسي ثبوتا عاما للناسي والملتفت. أو يكون مهملا. أو يكون خاصا بالناسي.
فالأول: خلف الفرض، لان الذاكر مكلف بالعمل التام دون الفاقد.
والثاني: محال لاستحالة الاهمال في مقام الثبوت.
فيتعين الثالث، فيعود المحذور.
ويرد على الطريق الثاني:
انه مجرد فرض ووهم لا واقع له، إذ ليس لدينا من العناوين ما هو ملازم لنسيان الجزء بلحاظ جميع المكلفين مع فرض عدم التفات الناسي إلى الملازمة وإلا لالتفت إلى نسيانه فيزول، خصوصا بملاحظة اختلاف المنسي، فتارة يكون هذا الجزء.
وأخرى يكون ذاك وهكذا، ولأجل ذلك لا نطيل البحث فيه. »[1]
وقد تصدي المحقق النائيني لتصحيح ما افاده صاحب الكفاية في الوجه الاول:
قال المحقق الكاظميني في تقرير بحثه الشريف:
«... الوجه الثالث:
هو ما أفاده المحقق الخراساني - قدس سره - أيضا، وارتضاه شيخنا الأستاذ - مد ظله –
وحاصله:
أنه يمكن أن يكون المكلف به في الواقع أولا في حق الذاكر والناسي هو خصوص بقية الاجزاء ما عدا الجزء المنسي ثم يختص الذاكر بتكليف يخصه بالنسبة إلى الجزء الذاكر له، ويكون المكلف به في حقه هو العمل المشتمل على الجزء الزائد المتذكر له.
ولا محذور في تخصيص الذاكر بخطاب يخصه، وإنما المحذور كان في تخصيص الناسي بخطاب يخصه - كما في الوجهين الأولين - فلا يرد على هذا الوجه ما كان يرد على الوجهين المتقدمين.
نعم، يختص هذا الوجه باشكال:
وهو أن التكليف بالجزء الزائد لو كان بخطاب يخصه، فأقصى ما يقتضيه الخطاب المختص بالذاكر هو وجوب ذلك الجزء في حقه، وأما كونه مرتبطا ببقية الاجزاء بحيث يوجب الاخلال به عمدا بطلان سائر الأجزاء فهو مما لا يقتضيه ذلك الخطاب، فليكن التكليف بالجزء الزائد من قبيل الواجب في ضمن واجب آخر، بمعنى أن يكون ظرف امتثاله ظرف امتثال سائر الأجزاء من دون أن يكون بينه وبينها ما يقتضي الارتباطية.
هذا، ولكن الانصاف:
أنه لا وقع لهذا الاشكال، فان وحدة الخطاب وتعدده لا دخل له بالارتباطية وعدمها، بل الارتباطية بين الاجزاء إنما تنشأ من وحدة الملاك القائم بمجموع الاجزاء، فرب ملاك لا يمكن أن يستوفى بخطاب واحد، بل يحتاج إلى خطابين.
بل الذي يظهر من جملة من الروايات: أن التكليف بالصلاة إنما كان بخطابين: خطاب من الله ( تعالى ) وخطاب من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ويعبر عن الأول بفرض الله ( تعالى ) وعن الثاني بفرض النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أو سنته، والمراد من فرض الله ( تعالى ) هو الأركان التي لا تدخلها النسيان، ومن فرض النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هو سائر الأجزاء التي تدخلها النسيان.
فتعدد الخطاب لا يوجب تعدد التكليف والاستقلالية، بل لابد من ملاحظة منشأ الخطابين، فان كان هو ملاكا واحدا قائما بمجموع المتعلقين فلا محالة تقع الارتباطية بين المتعلقين ويكون المكلف به هو المجموع من حيث المجموع.
وإن تعدد الملاك واختص كل خطاب بملاك يخصه فيتعدد المكلف به ويستقل كل من المتعلقين بالتكليف، واستفادة أحد الوجهين إنما يكون من الخارج: من إجماع ونحوه.
نعم: لا يبعد أن يكون الأصل في تعدد الخطاب هو تعدد المكلف به على وجه الاستقلالية.
ولكن هذا في غير الخطابات الواردة في باب المركبات، فان الظاهر منها أن تكون الخطابات المتعددة مسوقة لبيان أجزاء المركب وشرائطه.
فدعوى:
أن التكليف بالجزء الزائد لو كان بخطاب يختص بالذاكر يلزم أن يكون الجزء الزائد واجبا مستقلا غير مرتبط بسائر الاجزاء، ضعيفة لا تقبل الالتفات إليها.
فظهر: أن الوجه الثالث هو أسلم ما قيل في وجه إمكان تكليف الناسي بما عدا الجزء المنسي، فهو الذي ينبغي المصير إليه. هذا كله في الجهة الأولى.»[2]
وأساس ما افاده (قدس سره)
انه لا محذور في الالتزام بما افاده صاحب الكفاية ـ في الوجه الاول ـ بالالتزام بتعدد التكليف حقيقة ـ الا ان التكليفين، وهو تكليف الذاكر والناسي بغير المنسي وتكليف الذاكر بخصوصه بالجزء المنسي، مرتبطين، ويتم الارتباط بينهما بحصول الغرض في كل منهما بحصول الاخر، لأنهما وان كانا تكليفين الا انه يجمعهما الغرض الواحد، فكان نظير الالتزام بتعدد الأمر في اخذ قصد القربة في متعلق التكليف في مثل الصلاة، فإن هنا فيها تكليفان احدهما يتعلق بالصلاة والاخر باتيانها بقصد القربة، وحيث ان التكليف في مثله وان كان متعدداً الا انه ناشئ من غرض واحد ينحصر تحصيله بتعدد الامر ـ للزوم المحذور عقلاً في وحدة الامر في مورده ـ ولذلك كان لهما امتثال واحد وعصيان واحد.
وأفاد سيدنا الاستاذ في مقام الجواب عنه (قدس سره):
«... وبهذا البيان يتلخص عن الايراد الذي ذكرناه على صاحب الكفاية ثانيا، إذ هو يلتزم بان التكليف بما عدا المنسي عام للذاكر والناسي، وهناك تكليف آخر يختص بالذاكر بخصوص الجزء الذاكر له.
لكن يرد عليه:
ان داعوية الامر الضمني بالجزء لا تتحقق إلا في ظرف الاتيان بالجزء الاخر وداعوية الامر به إليه، فالامر بالناقص لا يصلح للداعوية إلا في ظرف داعوية الامر بالجزء الاخر، أو في ظرف عدم تعلق الامر بجزء آخر.
فعدم تعلق الامر بجزء آخر مأخوذ في موضوع داعوية الامر بالناقص، وهذا مما لا يمكن الالتفات إليه إلا بالالتفات إلى الجزء والجزم بعدم الامر به، وهو ملازم لزوال النسيان عنه، فداعوية الامر بالناقص المتوجه إلى الناسي لا تتحقق إلا في ظرف زوال نسيانه، وهو المحذور المزبور. فالتفت.»[3]
هذا وأورد المحقق الاصفهاني (قدس سره) علي الوجه الاول من الوجهين الذين افادهما صاحب الكفاية لتصوير تعلق الخطاب بالناسي:
«وفيه:
أنه خلاف ما وصل إلينا من أدلة الاجزاء ودليل المركب حيث إنه أمر فيها بالتمام بعنوان ذاته لا أنه أمر المكلف بما عدا المنسى مطلقا.
مضافا:
إلى أنه لا تعين للمنسي حتى يؤمر بما عداه مطلقا وبه مقيدا بالالتفات فلابد من الالتزام بتعدد البعث بعدد ما يتصور من أنحاء نسيان الجزء إطلاقا وتقييدا.»[4]
[1] . الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج5، ص260-261.
[2] . الشيخ محمد علي الكاظمي، فوائد الاصول تقرير البحث السيد النائيني، ج4، ص213-216.
[3] . الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج5، ص262.
[4] . الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني، نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج 2، ص661.