بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بيست و شش
هذا وقد بني المحقق العراقي (قدس سره) ما افاده من جريان البرائة من جهة انبساط الواجب علي الجزء المشكوك علي مقدمات ثلاثة:
المقدمۀ الاولي:
انه يظهر من تقسيمهم المقدمة الي الداخلية والخارجية ـ في مبحث مقدمة الواجب ـ مقدمية الاجزاء للمركبات، ودخلها في حقيقة الشئ وماهيته، وإن غاية ما قيل او يمكن ان يقال في وجهه هو ان الاجزاء عبارة عن ذوات الاجزاء لا بشرط من حيث الانضمام الي الاكثر ـ في مثل محل النزاع ـ والمركب عبارة عن ذوات الاجزاء بشرط الاجتماع.
وذلك يكون بنحو لو كان لوصف الاجتماع الطاريء علي الاجزاء دخل في المركب، نظير الهيئة الخاصة في السرير في المركب الخارجي الحاصلة من انضمام ذوات الاخشاب بعضها ببعض علي هيئة مخصوصة، فإن ذوات الاجزاء بملاحظة كونها وجودات مستقلة معروضة للهيئة الاجتماعية المقدمة للكل والمركب، يكون مقدمة طبعاً علي الكل والمركب وبذلك يتصور فيها ملاك المقدمية للمركب.
ونفس هذه الاجزاء باعتبار كونها وجودات ضمنية للمركب تكون عين الكل والمركب.
فهنا اعتباران للاجزاء تتصف بأحدهما ـ الاول ـ بالمقدمية والوجوب الغيري وبالآخر ـ اي الثاني بالوجوب النفسي ولو مع اتحادها مع المركب في الخارج.
وأفاد (قدس سره):
بأن هذين الاعتبارين للاجزاء مع ضم ان معروض الارادة والكراهة وغيرهما من الصفات القائمة بالنفس ـ عنده ـ هي الصور الحاكية عن الخارج بنحو لا يلتفت الي ذهنيتها في ظرف وجودها، مع عدم تعديها من الصور الي الموجود الخارجي، اذا الخارج ظرف اتصافها بها، لا ظرف عروضها، لأن ظرف عروضها لا يكون الا الذهن.
انما يقتضيان:
اتصاف الاجزاء بأحدهما ـ بأحد الاعتبارين ـ وهو الاعتبار الاول بالوجوب الغيري. وبالاعتبار الاخر للوجوب النفسي الضمني، لأن المتصور في الذهن بهذين الاعتبارين صورتان متغايرتان غير الصادق احدهما علي الاخري.
هذا وأما بناء علي تعلق الاحكام بالخارج اما بدواً، او بالسراية بتوسيط الصور ـ اي المبني المقابل من تعلقها بالصور الحاكية عن الخارج ـ يستحيل اتصاف الاجزاء بالوجوبين لكونه من اجتماع المثلين الذي هو في الاستحالة كاجتماع الضدين، وفي مثله لا مجال لتوهم التأكد ايضاً.
وإن التأكد انما يمكن تصويره ويصح اذا كان الحكمان في عرض واحد، لا في مثل المقام الذي كان احد الحكمين معلولاً للاخر وفي مرتبة متأخرة عنه، حيث ان تأخر احد الحكمين رتبة يمنع عن التاكد.
ولكن هذا المبني فاسد، وإن معروض الاحكام انما هي العناوين والصور دون الخارج، وعليه يتجه اتصافها بالوجوب الغيري والنفسي.
ولكن اختار (قدس سره) بعد ذلك فساد القول بقدمية الاجزاء.
وذلك:
لأن مناط مقدمية شئ لشئٍ ليس الا كونه مما يتوقف عليه وجود الشئ، وفي رتبة سابقة عليه بنحو يتخلل بينهما الفاء في قولك: وجد فوجد علي ما هو الشأن في كل علة باجزائها بالنسبة الي المعلول.
ومن الواضح: استتباع ذلك للمغايرة والاثنينية بين المقدمة وذيها في الوجود علاوة عن اختلافها مرتبة.
وهذا المناط غير متحقق بالنسبة الي اجزاء المركب، فإنها باعتبار كونها عين المركب بحسب الهوية والوجود، لا يكاد يتصور فيها ملاك المقدمية، ولو مع القول بأن المركب عبارة عن الاجزاء مع وصف الاجتماع، لأن لازم ذلك هو دخول الاجزاء في المركب وعينيّة وجوده، غاية الامر علي نحو الضمنية ـ لا الاستقلاليۀ ـ ولازمه انتفاء ملاك المقدمية فيها اعني استقلال كل من المقدمة وذيها في الوجود وتقدمها علي ذيها رتبة.
نعم،
لازم هذا التصوير: تقدم بعض اجزاء المركب علي البعض الاخر، وهو الجزء الصوري اعني وصف الاجتماع، نظير تقدم ذوات اخشاب السرير علي الهيئة السريرية العارضة عليها، وهذا غير مقدمية الاجزاء للمركب، لأن المركب هنا وبناءً علي تصويرنا هو الاجزاء الخارجية مع الجزء الصوري، لا انه عبارة عن خصوص الجزء الصوري والهيئة الاجتماعية.
فإنا لو قلنا: بأن المركب هو الجزء الصوري والهيئة الاجتماعية، وإن الاجزاء محققة له، لخرج البحث عن مفروض الكلام لخروج الاجزاء حينئذ عن كونها مقدمات داخلية، ويندرج في المقدمات الخارجية كالطهارة والستر والقبلة بالنسبة الي الصلاة.
بل المناط عندنا في تركب الواجب وارتباط بعض اجزائه بالآخر واستقلاله، هو وحدة الغرض والتكليف المتعلق بأمور متكثرة، وتعددهما.
فإنه بقيام تكليف واحد بأمور متكثرة تبعاً لوحدة الفرض القائم بها، ينتزع منها في مرتبة متأخرة عن تعلق الوجوب بها، عنوان التركب والارتباط للواجب وعنوان الكلية للمجموع والجزئية لكل واحد منها، ولو لم تكن تحت هيئة واحدة خارجية او غيرها من زمان او مكان ونحو ذلك، كما في اطعام ستين مسكيناً في الكفارة.
فإنه كما يتعلق تكاليف متعددة مستقلة واغراض كذلك بكل واحد منها، ينتزع منها استقلال كل واحد منها في عالم الواجبية، فيكون كل واحد من الاطعام واجباً مستقلاً ناشئاً عن غرض مستقل له امتثال وعصيان مستقل في قبال الاخر، ولو مع فرض كونها في الخارج تحت هيئة مخصوصة خارجية.
والمهم فيه ان اعتبار كونها تحت هيئة مخصوصية خارجية انما تلازم امتثالها خارجاً.
ولكن هذا بمجرده لا يوجب خروجها عن كونها واجبات مستقلة غير مرتبط احدهما بالاخر في عالم واجبيته حتي في فرض دخل الهيئة المخصوصة علي نحو الشرطية في تعلق الوجوب بكل واحد منها، فضلاً عن فرض عدم دخلها.
وأفاد (قدس سره):
انه بنفس هذا البيان انما نفرق بين العام المجموعي والافرادي ببيان:
ان العمدة في الفرق بينهما انما هو من جهة وحدة الحكم المتعلق بالافراد لباً وتعدده علي نحو ينحل الحكم الواحد انشاءً الي احكام عديدة مستقلة حسب تعدد الافراد، ويكون لكل اطاعة مستقلة وعصيان مستقل، لا ان الفرق بينهما من جهة خصوصية في المدخول توجب اختلافاً في نحوي العموم كما توهم، هذا ثم افاد في مقام النتيجة:
بعد ما قرر المدار في تركب الواجب بما هو واجب واستقلاله، بوحدة التكليف المتعلق بالتكثرات الخارجية وتعدده تبعاً لوحدة الفرض القائم بها وتعدده:
انه لابد من تجريد متعلق الوجوب في عالم عروضه عن الارتباط الناشيء من قبل وحدة الوجوب.
وذلك: لاستحالة اعتبار مثل هذا الارتباط والتركب الناشيء من قبل وحدة الوجوب في معروضه.
كيف وان اعتبار التركب والكلية والجزئية للواجب بما هو واجب انما هو في رتبة متأخرة عن تعلق الوجوب، وهذه الرتبة لا تكون صقع عروض الوجوب عليها، وإنما صقع عروضه في الرتبة السابقة، وفي هذه المرتبة لا يكون اعتبار الكلية والتركب للواجب كي يتعلق الوجوب بالمركب.
وحينئذ: فلا يتصور لمتعلق الوجوب تركب وارتباط في مرحلة عروضه كي يبقي مجال توهم مقدمية اجزاء الواجب، وينتهي الامر الي البحث عن وجوبها الغيري كما هو ظاهر.
ثم انه (قدس سره) أورد علي نفسه:
لا يقال:
ان الممتنع انما هو اخذ الارتباط الناشيء من قبل وحدة التكليف في متعلق نفسه.
وكذا: الارتباط الناشيء من قبل اللحاظ والمصلحة في متعلقهما.
وأما اعتبار الوحدة الناشئة من قبل وحدة اللحاظ والمصلحة في متعلق الامر والتكليف فلا مانع عنه، لإمكان تعلق اللحاظ اولاً بما هو المؤثر والمتصف بالمصلحة. وتعلق الوجوب بما هو المتصف بالملحوظية بهذا العنوان الطاريء، فيكون تركب الواجب وكليته حينئذٍ بهذا الاعتبار.
وأجاب عنه بقوله: فإنه يقال:
ان ذلك وإن كان ممكناً في نفسه.
ولكنه بهذا العنوان لا يكون معروضاً للوجوب وإنما معروضه هو نفس ما تقوم به اللحاظ والغرض، وهو لا يكون الا نفس المتكثرات الخارجية، لكونها هي المؤثرة في الغرض والمصلحة، لا العنوان الطاريء عليها من قبل قيام وحدة اللحاظ والمصلحة بها كما هو ظاهر.
وحينئذ: فإذا كان انتزاع تركب الواجب بما هو واجب او كليته ممحضاً بكونه من جهة تعلق وجوب واحد بأمور متكثرة، فلا يتصور في معروض هذا الوجوب تركب وكلية للواجب كي يصير مركز البحث في مقدمية اجزائه ووجوبها غيرياً.
وحاصل ما افاده في هذه المقدمة:
استحالة اعتبار الارتباطية الناشئة من ناحية وحدة الوجوب في معروض الوجوب لتأخر اعتبار التركب والكلية والجزئية للواجب عن مرتبة تعلق الوجوب.
ومعه لا يمكن تصوير تركب وارتباط لمتعلق الوجوب في مرحلة عروض الوجوب، فلا وجه لتوهم مقدمية اجزاء الواجب في مثل المقام.
وبعبارة اخري:
ان معروض الوجوب ما تقوم به اللحاظ والغرض وهو نفس الاجزاء الخارجية، والمتكثرات الخارجية حسب تعبيره، لأنها هي المؤثرة في الغرض والمصلحة، دون العنوان الطاريء عليها الناشئة من قبل قيام وحدة اللحاظ والمصلحة.
نعم، انه افاد امكان تصوير المقدمية فيما اذا كانت الوجودات المتكثرة في نفسها ـ اي الاجزاء ـ تحت هيئة واحدة خارجية كالسرير، وتعلق وجوب واحد بكل واحد من الاجزاء والهيئة العارضة عليها، ولكن مع تأكيده علي ان مثله لا يرتبط بالمقام، صرح بأن هذا التصوير مع وحدة الوجوب المتعلق بالجميع، لا يصلح لترشح الوجوب الغيري.
وذلك:
لأن مع وجوب كل واحد من ذوات الاجزاء في الرتبة السابقة بعين وجوب الجزء الآخر يستحيل ترشح الوجوب الغيري اليها ثانياً عما هو متحد مع وجوبها؛ لأنه لو امكن تصوير مقدمية الواجبات الضمنية ـ مثل الاجزاء ـ لواجب ضمني آخر وهي الهيئة المخصوصة، فإن الهيئة المذكورة تتصف بوجوب مثلها، ومعه لكان من المستحيل ترشح الوجوب الغيري من الهيئة المذكورة الي نفس الاجزاء.
وأفاد بأنه لو وجه هنا للالتزام بالتأكيد في مقام دفع هذا الاشكال، لأن التأكيد انما يمكن فيما اذا كان الوجوبان في عرض واحد، كما لو فرض كون كل واحد من الاجزاء واجباً بوجوب مستقل وكذا الهيئة المخصوصة، فإنه لا مانع من مقدمية بعض الواجبات المستقلة لواجب آخر مستقل، وترشح الوجوب الغيري من ذي المقدمة الي مقدمته، وأن نتيجته هو تأكد الوجوب فيها.
ولكن هذا التصوير اجنبي عن المقام.