بسم الله الرّحمن الرّحيم
جلسه دوازده
ثم اورد علي نفسه بقوله:
لا يقال:
ان حديث الرفع ومثله انما يتكفل رفع ما شك فيه اذا كان مجعولاً شرعياً او موضوعاً لأثر شرعي، والجزئية في المقام ليست مجعولة، وفي مثل المقام ان جزئية السورة مما لا ينالها يد الجعل ليست موضوعة لأثر شرعي، ومعه فكيف يتكفل مثل حديث الرفع لرفعها.
ودعوي ان الجزئية لها اثر شرعي وهو وجوب الاعادة، بمعني انه لو كان الواجب هو الاكثر لكان اثره هو وجوب الاعادة اذا اتي المكلف بالاقل الغير المشتمل عليها، وإن حديث الرفع انما يرفع هذا الأثر ويجري في الجزئية بلحاظ هذا الأثر المترتب عليها.
مما لا تسمع:
لأن وجوب الاعادة انما هو اثر لبقاء الأمر بالاكثر اذا كان الواجب هو الاكثر، دون جزئية السورة، فإن الأمر ما دام لا يمتثل انما يقتضي الاعادة عقلاً، ولزوم تفريغ الذمة عما اشتغلت به من ناحية الأمر، وليس اثراً لجزئية السورة حتي امكن رفعها من حيث كونها موضوعة للأثر المزبور.
فإنه يقال:
انه لا مانع من جريان حديث الرفع في المقام وتكفله لرفع جزئية السورة.
وذلك: لأن الجزئية وان كانت غير مجعولة بنفسها الا انها مجعولة بجعل المنشأ لانتزاعها، وهذا المقدار يكفي في تكفل حديث الرفع لرفعها.
ونظره (قدس سره) الي البحث في الاحكام الوضعية من جهة انها مجعولة بنفسها من ناحية الشارع، او انها غير مجعولة شرعاً، بل انها منتزعة عن الاحكام التكليفية الواردة في موردها.
وأنه (قدس سره) وإن كان مبناه هناك التفصيل بين الوضعيات وإن بعضها مجعول بالاستقلال وبعضها غير مجعول مستقلاً، وانما ينتزع عن الاحكام التكليفية، الا انه افاد هناك بان مثل الجزئية كالشرطية والمانعية انما تنزع عن الحكم التكليفي الوارد بلزوم اتيانه في الصلاة و لزوم الاتيان بالصلاة مشتملاً عليه.
ومعه فالتزم في المقام بأن الجزئية وإن لم تكن مجعولة بنفسها اي لا ينالها يد الجعل مستقلاً، الا انها تنتزع عما هو مجعول، ولها منشأ انتزاع مجعول، فبهذه الحيثية تكون مجعولة بتبع جعل المنشأ لانتزاعها وهذا المقدار ـ اي كونها مجعولة باعتبار جعل المنشأ لانتزاعها ـ يكفي في تكفل حديث الرفع وامثاله، لرفعه.
وأورد علي نفسه ثانياً:
بأنه لو فرض رفع الجزئية برفع منشأ انتزاعه، فإن منشأ انتزاع جزئية السورة هو الامر بالصلاة المشتملة علي الاجزاء، ومنها السورة المشكوكة جزئيتها، والاجمال في جزئية السورة انما يسري الى الاجمالي في الامر بالصلاة المشتملة علي الاجزاء، ومعه يلزم رفع الامر بالصلاة لاجمالها.
وبعد رفع الامر بها فلا دليل علي وجوب الاقل اي الصلاة الفاقدة للسورة، فإن اصالة البرائة انما تقتضي الرفع ولا تتكفل لاثبات وجوب الاقل الا بناءً علي القول بحجية الاصل المثبت، لأن ثبوت الامر بالاقل انما هو لازم رفع الامر بالاكثر، وهذا مما لا يثبته التعبد في البرائة.
وأجاب عنه (قدس سره).
بأن ثبوت الامر بالاقل ليس بمقتضي البرائة الشرعية حتي يقال ان البرائة كغيرها من الاصول العملية لا تتكفل لاثبات لوازمها.
بل الوجه لاثبات الامر بالاقل، الامر الوارد بالصلاة المشتملة علي الاجزاء والمنفي بالبرائة هو وجوب الاكثر، فيكون حديث الرفع بمنزلة الاستثناء وذلك:
لأن الامر بالصلاة انما يدل علي الاتيان بها مشتملة علي الاجزاء مطلقا، سواء حصل له العلم بجزئيتها او لا، وحديث الرفع انما يرفع جزئيتها في حال الجهل بها، وعليه فإن دليل الامر بالصلاة المشتملة علي الاجزاء مع ضم دليل البرائة انما يفيد ويقتضي ثبوت الامر بالاقل بهذه الجهة.
وقد افاد (قدس سره) في حاشية الرسائل:
«... فيكون ـ حديث الرفع ـ ايضاً حكماً علي دليل الجزئية والشرطية، ويكون مع دليلهما بمنزلة دليل واحد مقيد لاطلاق دليل وجوب المركب او المشروط لو كان له اطلاق، والا فمبين لاجماله...»
هذا ما افاده في تقريب جريان البرائة الشرعية في الاقل والاكثر الارتباطيين، فمحصل اختياره هنا ـ في الكفاية ـ عدم جريان البرائة العقلية، وجريان البرائة الشرعية، اي التفصيل في الاقل والاكثر المذكور بين البرائة العقلية والبرائة الشرعية.
ثم انه (قدس سره) اختار في حاشية له علي الكفاية عدم جريان البرائة العقلية والبرائة الشرعية معاً، والالتزم بوجوب الاحتياط بإتيان الاكثر عقلاً وشرعاً.
قال (قدس سره) في الحاشية:
«لكنه لا يخفى أنه لا مجال للنقل فيما هو مورد حكم العقل بالاحتياط ، وهو ما إذا علم إجمالا بالتكليف الفعلي ، ضرورة أنه ينافيه دفع الجزئية المجهولة ، وإنما يكون مورده ما إذا لم يعلم به كذلك ، بل علم مجرد ثبوته واقعا ، وبالجملة الشك في الجزئية والشرطية وإن كان جامعا بين الموردين ، إلا أن مورد حكم العقل مع القطع بالفعلية ، ومورد النقل هو مجرد الخطاب بالايجاب ، فافهم ( منه قدس سره )» .[1]
وما افاده في هذه الحاشية موافق لما افاده في حاشيته علي الرسائل، قال (قدس سره):
« يمكن أن يقال :
ان وجوب واحد من الأقل والأكثر نفسيا مما لم يحجب علمه عنا ولسنا في سعة منه كما هو قضية العلم به بحكم العقل أيضا حسب الفرض ، وهذا ينافي الحكم على الأكثر على التعيين بأنه موضوع عنا ونحن في سعته ، فان نفي الوضع و السعة عما علم إجمالا وجوبه مع العلم تفصيلا بوجوب أحد طرفيه يستدعي نفيهما عنه ولو كان هو الطرف الآخر ، فلا بد اما من الحكم بعدم شمول هذه الأخبار لمثل المقام مما علم إجمالا وجوب شئ إجمالا ، واما من الحكم بأن الأكثر ليس مما حجب علمه ، فإنه يعلم وجوب الاتيان به بحكم العقل مقدمة للعلم بإتيان ما لسنا في سعته ...»[2]
وأساس ما افاده (قدس سره) فيهما ان العلم الاجمالي انما يوجب تنجيز التكليف الذي لا رافع له الا الاتيان بالاكثر، وإن حديث الرفع انما يجري فيما اذا لم يعلم تنجيزه بالعلم الاجمالي، فالوجه معه هو حكم العقل بالتنجيز في الاكثر، وعدم تحقق الفراغ من التكليف المعلوم الا باتيان الاكثر.
وبالجملة، ان مع حكم العقل المذكور لا يتحقق الموضوع لجريان البرائة الشرعية.
هذا، وهذا القول اي عدم جريان البرائة العقلية والبرائة الشرعية ووجوب الاحتياط بالاتيان بالاكثر منسوب الي المحقق السبزواري علي ما حكاه الشيخ (قدس سره) في الرسائل.
وقال (قدس سره) هناك: «بل الانصاف انه لم اعثر في كلمات من تقدم علي المحقق السبزواري علي من يلتزم بوجوب الاحتياط في الاجزاء والشرائط.»[3]
[1] . الآخوند الخراساني، كفاية الاصول، ص366.
[2] . الآخوند الخراسانی، درر الفوائد في الحاشیة علی الفرائد، ص255.
[3] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص317.