بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه دو
ويمكن ان يقال:
ان وجوب الحج بالبذل تعبد خاص من ناحية الشارع ويتميز بوجوب القبول فان مقتضى الاخبار الواردة في المقام وجوب القبول بعرض الحج وقدمر منا اختصاص هذا التعبد بالإباحة أي البذل بالإباحة، فان المبذول له لورده لاستقرار وجوب الحج في ذمته بصدق استطاعته البذلية. وان في غيره كالتمليك في مثل الهبة لا يجب عليه القبول، لأنه تحصيل للاستطاعة، ومقتضى النصوص عدم وجوب تحصيل الاستطاعة وقبول عرض الحج وان كان تحصيلاً للاستطاعة حسب القاعدة الا انه ورد في النصوص التعبد بوجوب قبوله.
وعليه فما افاده السيد الاستاذ (قدس سره) في غاية المتانة كما يلوح به بعض ما مر من السيد الحكيم (قدس سره).
هذا مع ان مقتضى الروايات تحقق الاستطاعة بعرض الحج ومعنى عرض الحج بذل جميع ما يحتاج اليه الشخص في سفره الى الحج حسب ما مرّ تفصيله وعرض بعض ما يحتاج اليه في ذلك ليس عرضا للحج. مع قطع النظر عما كان عنده من بعض مؤونة الحج.
ومنه ظهر عدم تمامية ما استدل به في المقام من التعبير بالارتكاز العرفي كما في كلام السيد الخوئي في الحكم المتعلق بعنوانين مستقلين المدعى جريانه على الملفق منهما. حيث ان كلا من العنوانين وهي الاستطاعة المالية والاستطاعة البذلية عنوان مستقل لتحقق الاستطاعة وليس الجامع بينهما غير سببيتهما لتحقق الاستطاعة ووجوب الحج دون صدق الاستطاعة على الملفق منهما، كما انه لا وجه للأولوية على ما في كلام صاحب الجواهر، لان العنوان في الادلة عرض الحج وليس عرض البعض أولى بحسب عنوان الحكم.
كما لا وجه لصدق العنوان على بذل البعض في ادعاء إطلاق العنوان فان عرض البعض ليس عرضاً للحج فلا يصدق العنوان عليه. ومع التسلم فان عرض الحج له انصراف تام بحسب الظهور على عرض تمام ما يحتاج اليه في الحج.
كما ظهر ان عرض الحج باستثناء مؤونة ايابه او مؤونة اهله ليس عرضاً للحج، بل المراد من عرضه عرض جميع ما يعتبر في الاستطاعة وقد مر الكلام فيه تفصيلاً.
نعم هنا كلام في استثناء مؤونة اهله. وهو ان المعيار في الاستطاعة. تمكن عائلته من مؤنتهم. ومعناه عدم تأثير السفر الى الحج في عروض الاختلال في مؤونتهم، بل انهم كانوا فيما كانوا عليه لولا السفر، فاذا كان تاجراً او كاسباً لم يكن السفر مخلاً بذلك بالنسبة اليهم. وهذا جار بالنسبة اليهم في حال السفر و بعده. واما إذا فرض عدم تمكن الشخص من تأمين مؤنتهم سواء كان له السفر الى الحج او لم يكن، وانه لو سافر فان حين سفره وكذا بعده كانت العائلة باقية على ما كان عليهم فان تأمين الاهل ليس من جهات الاستطاعة البذلية بخلاف مورد الاستطاعة المالية، الا إذا كان في حضوره في بلده تأثير في تامين اهله. وهذا خاص بالاستطاعة البذلية، ولعل كان نظر من افتى بعدم اعتباره في الاستطاعة البذلية الى ذلك وقد التزم صاحب العروة بعدم اشتراط الرجوع الى الكفاية في مسألة 36.
هذا وقد عرفت عدم تماميه القول بوجوب الحج عند بذل بعض المؤونة وان كان خلافاً لما اشتهر بين المتأخرين (قدس الله اسرارهم) من الالتزام بالوجوب وعليه فلو كان هناك اجماع معتبر او شهرة بين قدماء الاصحاب على الوجوب، فنرفع اليد عما اخترناه من عدم الوجوب والا فان مقتضى التحقيق عدم تمامية الالتزام بالوجوب عند بذل بعض نفقة الحج.
هذا. قد افاد السيد البروجردي (قدس سره) في ذيل قول صاحب العروة:
«وكذا لو لم يبذل نفقة عياله الا إذا كان عنده ما يكفيهم الى ان يعود ام كان لا يتمكن من نفقتهم مع ترك الحج ايضاً »
«الوجوب في هذه الصورة ـ صورة عدم تمكنه من نفقتهم مع ترك الحج ايضاً ـ محل تأمل.»
وافاد المحقق النائيني (قدس سره):
«الاقوى عدم الوجوب في هذه الصورة.»
كما افاده السيد الفيروزآبادي:
«فيه الاشكال، وإن كان لا يبعد الوجوب بتقريب أن مع عدم تمكنه لا يلزم الحرج على العيال من قبل حجه والمفروض أنه مستطيع أي قادر على الزاد والراحلة وفي نظر العرف فرق بين الاستطاعة هنا وفي المالية حيث يعتبر نفقة العيال فيها.
بل يمكن أن يقال: لا فرق بل عدم الوجوب في المالية مع فقدها للزوم الضرر والحرج على عياله من قبل وجوب الحج.»