بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و دوازده
قال السيد الخوئي(قدس سره):
«ويمكن الإستدلال بالآية المباركة ايضاً: {ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلاً}. فانها في حد نفسها ظاهرة في ان الشرط هو مطلق القدرة العقلية، باي وجه كانت ولو بنحو الاستقراض، الا ان الروايات المعتبرة دلت على ان المراد ليس هي تلك القدرة على سعتها، بل خصوص من كان له زاد وراحلة الصادق في مورد البذل ايضاً.»
وتعرض (قدس سره) لما يمكن ان يرد عليه بقوله:
«نعم، قد يقال بل قيل بان الظاهر من التفسير ملكية الزاد والراحلة رعایۀ لظهور اللام في المكلية في وقوله: «من كان له زاد و راحلة» المنتفية في موارد البذل بل حتى في مورد الإباحة المطلقة، فلا يجب الحج في موردهما.»
واجاب عن ذلك:
«ويندفع:
اولاً: بما أشرنا سابقاً من ان ذلك على تقدير تسليمه لا يستدعي تخصيص الوجوب بالملك، غايته ان المراد بالاستطاعة في الآية المباركة هو ذلك ولا يكاد يدل على الحصر بوجه.
وقلنا: انه لا موجب لحمل المطلق على المقيد في مثل المقام مما لا تنافي في البين، فانه انما يتجه فيما لو تعلق الحكم بمورد على سبيل صرف الوجوب وتعلق بمورد آخر مقيداً، فلأجل دفع التنافي يحمل المطلق على المقيد، واما اذا لم يكن تناف، غايته ان موضوع احد الحكمين أعم من الاخر كما في مثل قوله: «الخمر حرام» وقوله: «كل مسكر حرام»، فلا مجال للحمل المزبور في مثله بوجه.
فغاية ما نسلمه في المقام ان المراد بالاستطاعة في الآية المباركة ملك الزاد و الراحلة، واما ان الوجوب مختص به فكلا، بل مقتضى قوله (علیه السلام) في صحيحة الحلبي: «فان عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك، أهو ممن يستطيع اليه سبيلاً؟ قال: نعم» ثبوت الوجوب في مورد البذل ايضاً وان لم يكن معه ملك.
وثانياً:
ان الروايات الواردة في تفسير الآية المباركة في نفسها مختلفة، فيظهر من بعضها اشتراط الملك، وهي المشتملة على (لام) التمليك كما ذكر، ومنها ما يظهر منه كفاية مطلق الوجدان كصحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبدالله (علیه السلام) «قال: قال الله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلاً}، قال: هذا لمن كان عنده مال»، فان كون المال عنده ظاهر في كونه تحت حيطته وتصرفه سواء أكان ملكاً ام لا، فهذا يدخل في باب التعارض في التفسير، لا في باب حمل المطلق على المقيد، اذاً يسقط التفسيران بالمعارضة.
ومعه لم يثبت اشتراط الحج بالملك، غايته انه يقتصر في المخصص المنفصل المجمل الدائر بين الأقل والأكثر على المقدار المتيقن وهو من لم يكن المال ملكاً ولا اباحة، فان هذا خارج قطعاً فلا يجب عليه الحج متسكعاً.
وأما من كان واجداً ولم يكن مالكاً، فخروجه عن إطلاق الآية المباركة غير معلوم، فيجب عليه الحج بمقتضى اطلاقها السليم عما يصلح للتقييد حسبما عرفت، اذاً لم يثبت تفسير الآية بالملك.
وثالثاً:
إنّ كلمة (اللام) غير ظاهرة في الملكية بتاتاً لا لغة ولا عرفاً، بل هي ظاهرة في مطلق السيطرة والإستيلاء كما استعملت في ذلك في جملة من الآيات التي منها قوله تعالى: {لله الأمر من قبل ومن بعد} فلو أُبيح لشخص مال لكي يزور الحسين (علیه السلام)، فإذا قيل له: ما لك من الزاد والراحلة؟
يصح ان يقول: لي كذا و كذا.
فالأنصاف: إن إعتبار الملكية في تحقق الإستطاعة لم يقم عليه اي دليل، اذاً فلا مانع من الإستدلال بالآية المباركة على وجوب الحج بالبذل لتحقق الإستطاعة بذلك والروايات لا تدفعه.»[1]
وما أفاده (قدس سره) في المقام كان ناظراً الى ما حققه السيد الحكيم (قدس سره) في المستمسك في نفي الإستدلال بالاية الشريفة، قال:
«ومثله في الاشكال ـ اي مثل ما يرد علی الاستدلال بالاخبار ـ : الاستدلال بالآية الشريفة ، لصدق الاستطاعة مع البذل.
إذ فيه : ما عرفت ، من أن الاستطاعة المذكورة في الآية الشريفة وإن كانت صادقة ، لكن بعد ورود الأدلة على تقييدها بملك الزاد والراحلة - كما في مصحح الحلبي، ومصحح هشام بن الحكم، وغيرهما - لا مجال للتمسك باطلاقها.
ولا ينافي ذلك ما ورد في تفسيرها : بأن يكون عنده مال ، أو أن يجد ما يحج به، أو أن يقدر على ما يحج به، وذلك كله صادق مع عدم الملك .
لأن الجمع العرفي في أمثال المقام - مما ورد في مقام الشرح والتحديد - يقتضي التقييد ، فلا تتحقق بمجرد حصول واحد منها ، بل لا بد من حصول جميعها . وليس هو من قبيل القضايا الشرطية التي يتعدد فيها الشرط ويتحد فيها الجزاء ، التي يكون الجمع بينها بالحمل على سببية كل واحد من الشروط .
فإذا كان الجمع العرفي بين نصوص التفسير والتحديد هو التقييد ، تكون الاستطاعة مختصة بصورة ما إذا كان الزاد والراحلة مملوكين ، فلا ينطبق على المقام ، كما أشرنا إلى ذلك في المسألة الثلاثين . فالعمدة - إذا - في الحكم المذكور : الاجماع ، والخبران الأولان .»[2]
ويمكن ان يقال:
انه قد مر ان مدلول الآية وجوب الحج عند الاستطاعة والمراد بها الاستطاعة العرفية والمعنى التمكن من الاتيان بالحج عرفاً، والتمكن المذكور وان يتحقق بتملك الزاد والراحلة وغيرهما مما يعتبر في التمكن العرفي، بل ان ملك الزاد والراحلة من أظهر مصاديقه، الا انه ربما يتمكن التمكن المذكور بغير الملك اذا كان فيه له فعلية التصرف من غير ان يكون لغيره السلطة على المنع عنه، بعين ما مرّ في البحث عن الملكية المتزلزلة وقلنا بعدم تحقق الاستطاعة بها فكذلك الحال في الاباحة وامثالها، فانه لو امكنه التصرف الفعلي فيه من غير تزلزل في ذلك ومن غير امكان سلب هذا التصرف لغيره، فإنما يتحقق التمكن من الحج والاستطاعة العرفية.
ومعه فلا حاجة لتقييد مدلول الآية بما دل بظاهره على تحقق الاستطاعة بالملك.
كما انه لا حاجة لتقييد ما كان ظاهره التمكن الاعم من الملك بما دل على حصوله بالملك.
وذلك لما مر من ورود هذه الاخبار باختلاف ظاهرها على بيان المصداق للتمكن المذكور والاستطاعة العرفية.
ومعه فلا تنافي بين قوله (عليه السلام): «من كان له زاد وراحلة» الظاهر في الملك عندهم بمقتضى اللام في قوله (عليه السلام): «له زاد والراحلة» وبين قوله (عليه السلام): في بيان قوله تعالى: «{ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا} قال: هذا لمن كان عنده مال» في صحيحة معاوية بن عمار حيث ان ظاهرها تحقق الاستطاعة إذا كان المال تحت حيطته وتصرفه سواء كان ملكاً أو لا.
وعليه فلا تعارض بين الاخبار المذكورة ولا حاجة الى الجمع بينهما بالإطلاق والتقييد، بل الكلام فيه هو الكلام في مثل قوله: «الخمر حرام» وقوله: «كل مسكر حرام» حيث لا تنافي بينهما حتى لرفع دفعه بحمل المطلق على المقيد، بل تمام الكلام فيه ان الموضوع فی احد الحکمين أعم من الاخر. فما افاده السيد الخوئي (قدس سره) في المقام وقد مرّ منه ايضاً في هذه الجهة تام، لا نقاش فيه. هذا مع ما مرّ من عدم تمامية ظهور اللام في الملكية بعنوانها، بل هي ظاهرة في مطلق الاستيلاء والسيطرة.
ومعه لا تفاوت بين ما ورد بلسان ان يكون له زاد وراحلة في مثل صحيحة هشام بن الحكم وصحيحة الحلبي وما ورد بلسان هذا لمن كان عنده مال في صحيحة معاوية بن عمار.
وعليه فلا اختلاف بينهما في الظهور والدلالة بوجه، وان المورد ليس حتى من قبيل القضايا الشرطية التي يتعدد فيه الشرط ويتحد فيه الجزاء، الذي يحمل على سببية كل واحد من الشروط لعدم تعدد الموجب للاستطاعة في هذه الاخبار، بل كل هذه الاخبار في مقام بيان تحقق الاستطاعة بالتمكن العرفي وهو التصرف الفعلي في المال مع عدم استيلاء الغير لمنعه، كما ان الاخبار المذكور لا تنافي دلالتها مع ظاهر الآية الشريفة، بل هي في مقام بيان المراد منها، ولذا ترى ان كثيرا منها وردت في بيان تفسير الآية وبيان المراد من الاستطاعة عند سؤال الراوي.
[1] . الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص165-167.
[2] . السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقي، ج10، ص126.