بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و دو
وأما الشيخ (قدس سره) فحيث انه فصل في المقام بين المحصور وغير المحصور في الحكم، فالشك عنده يرجع الي الشك في كون الشبهة محصورة حتي يجب الاجتناب عن اطرافها، او غير محصورة حتي لا يجب الاجتناب.
وافاد (قدس سره):
«فالأولى: الرجوع في موارد الشك إلى حكم العقلاء بوجوب مراعاة العلم الإجمالي الموجود في ذلك المورد، فإن قوله: " اجتنب عن الخمر " لا فرق في دلالته على تنجز التكليف بالاجتناب عن الخمر، بين الخمر المعلوم المردد بين أمور محصورة وبين الموجود المردد بين أمور غير محصورة، غاية الأمر قيام الدليل في غير المحصورة على اكتفاء الشارع عن الحرام الواقعي ببعض محتملاته، كما تقدم سابقا.
فإذا شك في كون الشبهة محصورة أو غير محصورة، شك في قيام الدليل على قيام بعض المحتملات مقام الحرام الواقعي في الاكتفاء عن امتثاله بترك ذلك البعض، فيجب ترك جميع المحتملات، لعدم الأمن من الوقوع في العقاب بارتكاب البعض.»[1]
وأساس نظره انه حيث كان لزوم الاجتناب في اطراف العلم الاجمالي بحكم العقل من جهة المقدمة العلمية للاجتناب عن الحرام ووجهه استقلاله بلزوم دفع الضرر المحتمل، فإنه في موارد احراز كون الشبهة غير المحصورة ينتفي هذا الحكم، فالشك في كونه محصورة او غير محصورة يرجع الي الشك في سقوط حكمه بلزوم الاجتناب والمرجع فيه الاشتغال عقلاً، وحكمه بتنجيز العلم.
وما افاده (قدس سره) تام في اساسه لأن الشك في المحصور وغير المحصور يرجع الي الشك في سقوط العلم عن التنجيز، والعقل حاكم في مثل المقام بالتنجيز حتي يحرز سقوط العلم عنه بصيرورة العلم غير قابل للاعتناء حسب ما يراه الشيخ من جهة كثرة اطرافه، وهو الوجه في المقام عند الشك.
وأما ما افاده صاحب الكفاية (قدس سره) فليس ذلك بحث في حكمه الشك في المسئلة، وإنما هو بيان لحكم الشك في عروض ما يرفع به التنجيز في العلم بمقتضي الضرر والحرج وامثاله، بلا فرق في ذلك بين المحصور غير المحصور، ومعه يشكل الحكم بالبرائة بعد حكم العقل بتنجيز العلم ما دام لم يحرز رفعه، لعدم رجوعه الي الشك في التكليف المنجز، بل انما هو شك في رفع التنجز الثابت بالعلم بحكم العقل، بلا فرق بين ان يكون في المقام اطلاق في ادلة التكليف او لا.
التنبيه الرابع:
قال في الكفاية:
« الرابع : إنه إنما يجب عقلا رعاية الاحتياط في خصوص الأطراف ، مما يتوقف على اجتنابه أو ارتكابه حصول العلم بإتيان الواجب أو ترك الحرام المعلومين في البين دون غيرها ، وإن كان حاله حال بعضها في كونه محكوما بحكمه واقعا .
ومنه ينقدح الحال في المسألة ملاقاة شئ مع أحد أطراف النجس المعلوم بالاجمال ، وأنه تارة يجب الاجتناب عن الملاقي دون ملاقيه ، فيما كانت الملاقاة بعد العلم إجمالا بالنجس بينها ، فإنه إذا اجتنب عنه وطرفه اجتنب عن النجس في البين قطعا ، ولو لم يجتنب عما يلاقيه ، فإنه على تقدير نجاسته لنجاسته كان فردا آخر من النجس ، قد شك في وجوده ، كشئ آخر شك في نجاسته بسبب آخر .
ومنه ظهر: أنه لا مجال لتوهم أن قضية الاجتناب عن المعلوم هو الاجتناب عنه أيضا ، ضرورة أن العلم به إنما يوجب تنجز الاجتناب عنه ، لا تنجز الاجتناب عن فرد آخر لم يعلم حدوثه وإن احتمل .
وأخرى يجب الاجتناب عما لاقاه دونه ، فيما لو علم إجمالا نجاسته أو نجاسة شئ آخر ثم حدث الملاقاة ( وفی بعض النسخ "العلم بالملاقاة" ) والعلم بنجاسة الملاقي أو ذاك الشئ أيضا ، فإن حال الملاقي (وإن لم يكن احتمال نجاسة ما لاقاه إلا من ملاقاته ، "منه قدس سره") في هذه الصورة بعينها حال ما لاقاه في الصورة السابقة في عدم كونه طرفا للعلم الاجمالي ، وأنه فرد آخر على تقدير نجاسته واقعا غير معلوم النجاسة أصلا ، لا إجمالا ولا تفصيلا ، وكذا لو علم بالملاقاة ثم حدث العلم الاجمالي ، ولكن كان الملاقي خارجا عن محل الابتلاء في حال حدوثه وصار مبتلى به بعده .
وثالثة: يجب الاجتناب عنهما ، فيما لو حصل العلم الاجمالي بعد العلم بالملاقاة ، ضرورة أنه حينئذ نعلم إجمالا : إما بنجاسة الملاقي والملاقى أو بنجاسة الآخر كما لا يخفى ، فيتنجز التكليف بالاجتناب عن النجس في البين ، وهو الواحد أو الاثنان.»[2]
[1]. الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص272-273.
[2] . الآخوند الخراساني، كفاية الاصول، ص362-363.