بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و دو
وحاصل ما افاده (قدس سره)
غير بيان الفرق بين تعليق الانشاء و تعليق المنشأ، الاشكال على صاحب العروة (قدس سره) بانه لا تفريق بين الموردين:
وذلك: لان التعليق في مثل قوله «لله علي ان أزور الحسين في عرفة عند مجيء مسافري» يرجع الى متعلق المعنى الايقاعي وهو الزيارة، لا الى نفس المعنى الايقاعي، وهو النذر، وحيثية لله عليّ.
فالانشاء والمعنى الايقاعي وهو النذر مطلق في المقام، فلا تعليق في وجوب الزيارة، ويكون حكمه حكم النذر المنجّز، ووجوبه يمنع عن تحقق الاستطاعة، واما فيما عبّر عنه صاحب العروة من الاشتراط على نحو الواجب المشروط مثل قوله: «اذا جاء مسافري فلله ان أزور الحسين (ع)»، وعبر عنه السيد الحكيم بالمعلق ايضاً الا ان التعليق كان في الانشاء والمعنى الايقاعي، فلا وجوب للزيارة الا بعد مجيء المسافر، وليس كالنذر المنجز، وهذا لا يمنع عند صاحب العروة عن تحقق الاستطاعة. فافاد السيد الحكيم (قدس سره) بان في هذا القسم ايضاً لا وجه لتحقق الاستطاعة ووجوب الحج.
وذلك:
لانه اذا كان الوجوب مشروطاً، فان المعنى الايقاعي والانشائي في النذر المشروط بمجيء المسافر انما يقتضي وجوب تحصيل المقدمات قبل حصول الشرط عقلاً، بمعنى انه يجب عليه التهيأ لاتيان المنذور عند تحقق شرط.
فلا فرق بين الوجوب المشروط والمعلق في ذلك، وكما انه يجب تحصيل المقدمات قبل حصول المعلق في الواجب المعلق، فكذلك يجب تحصيلها في الواجب المشروط، الا ان في الواجب المعلق يكون تحصيلها واجباً شرعاً بناءً على وجوب المقدمات، وفي الواجب المشروط يكون واجباً عقلاً. واذا وجب عقلاً فعل المقدمات قبل حصول الشرط مع العلم بحصوله كان ذلك رافعاً للاستطاعة، ومانعاً من وجوب حج الاسلام، وان قولهم المانع الشرعي كالمانع العقلي انما يعمّ المورد.
وافاد في آخر مقالته، بان هذا مع العلم بحصول الشرط، واما مع الجهل فيرجع الى اصالة عدم حصول الشرط او غيرها من الاصول، ويجب عليه الحج ظاهراً. لكن اذا انكشف بعد ذلك حصول الشرط، وانه كان مكلفاً بالزيارة لا بالحج، يكون ما أتى به من الحج غير مجز عن حجة الاسلام لانكشافه عن عدم حصول الاستطاعة له في عامه.
فحاصل الأشكال، عدم تمامية تفريق صاحب العروة (قدس سره) بين المقامين وانه لا يجب الحج في المقامين ويجب عليه النذر.
وافاد السيد الخوئي (قدس سره).
انه « فتارة يكون على نحو الواجب المعلق اي يكون الوجوب فعلياً والواجب استقبالياً، واخرى يكون الوجوب والواجب كلاهما استقبالياً على نحو الواجب المشروط.
فعلى الاول:
لا يجب الحج وان حصلت الاستطاعة قبل حصول المعلق عليه، لان سبق وجوب الوفاء بالنذر يمنع عن فعلية الاستطاعة.
وعلى الثاني:
يجب اذا حصلت الاستطاعة قبل حصول المعلق عليه لاسبقية هذا الوجوب على وجوب الوفاء فيمنع عن انعقاده.
أقول:
قد ذكرنا في الأصول ان الواجب المعلق لم يكن قسماً ثالثاً قبال الواجب المطلق والواجب المشروط، بل هو قسم من الواجب المشروط.
غايته: انه مشروط بالشرط المتأخر بعد الاذعان بامكانه وتعقله على ما او ضحناه في محله.
وعليه، فما ذكره في المتن في بيان حكم القسمين صحيح بناءً على مسلكه من صحة النذر والترجيح في المتزاحمين بالاسبق زماناً.
واما بناءً على ما عرفت: من عدم انعقاد النذر في مثل المقام بتاتاً، فالمتعين وجوب الحج في كلتا الصورتين، بل في جميع الفروض المذكورة في المتن فلاحظ.»[1]
وقد افاد في حاشيته في المقام:
«بل الاظهر الوجوب فيه وفيما بعده»
ومراده وجوب الحج في الصورتين ولا فرق بين صورة الواجب المشروط والواجب المعلق في ذلك.
وحاصل ما افاده (قدس سره) بيان جهات ثلاثة:
الاولی:
ان بناءً على ما هو المعروف في الواجب المعلق ـ حسب ما قرره صاحب الفصول ـ ان في المقام يكون الوجوب في النذر فعلياً والواجب استقبالياً ففي هذه الصورة ان وجوب النذر فعلياً يمنع عن تحقق الاستطاعة وفي صورة كون النذر على نحو الواجب المشروط الذي يكون فعلية الوجوب فيه مشروطاً بصورة تحقق الشرط، فلا يمنع وجوب النذر المفروض كونه غير فعلي فيه عن تحقق الاستطاعة ويجب الحج.
فبناءً على هذا التقرير الذي افاده صاحب العروة يتم التفصيل على مبناه.
الثانية:
ان بناءً على ما ذهب اليه في الواجب المعلق من انه من الواجب المشروط الا ان الوجوب فيه مشروطاً بشرط متأخر، فيكون الوجوب فيه فعلياً والواجب استقبالياً، فانه يتم التفصيل الذي قربه صاحب العروة لان الوجوب المفروض فعليته ولو قبل تحقق شرطه المتأخر، انما يمنع عن تحقق الاستطاعة.
بخلاف صورة الواجب المشروط حيث ان الوجوب فيه غير فعلي قبل تحقق الشرط فلا يمنع عن تحقق الاستطاعة ومعه لكان الحج واجباً في هذه الصورة.
الثالثة:
ان بناءً على ما اختاره من انحلال النذر بتحقق الاستطاعة في جميع الاقسام المفروضة لاستلزامه تفويت الواجب، فانه يجب الحج وينحل النذر في الصورتين فلا وجه للتفصيل المذكور.
والتحقيق:
ان البحث في المقام انما يكون في ان الوجوب الفعلي في النذر قبل تحقق المعلق عليه هل يمكنه المنع عن تحقق الاستطاعة ام لا؟
فذهب المحقق النائيني الى عدم مانعية هذا الوجوب ولو كان فعلياً عن تحقق الاستطاعة اذا كان تحققها قبل حصول المعلق عليه، فانه التزم بانحلال النذر في هذه الصورة.
وفي كلام المحقق العراقي:
ان المانع من وجوب الحج في المقام بعد اشتراطه بالقدرة الشرعية عدم القدرة على اتيان النذر الواجب عليه في ظرف العمل به اي النذر لا قبله، فان وجوب الحج بما انه يمنع عن القدرة على الاتيان بالنذر الواجب في ظرفه، فانه يقدم النذر عليه لان الاتيان بالنذر الموجب لصرف القدرة فيه عذر شرعي وهو كالعذر العقلي يمنع عن وجوب الحج.
واما نفس وجوب الحج ولو كان فعلياً، فانه لا يمكنها المنع عن تحقق الاستطاعة ووجوب الحج قبل تحقق المعلق عليه، لان قبل تحققه لا يتحقق ظرف الاتيان بالنذر فلا حاجة الى رفع الاستطاعة.
وبعبارة اخرى واضحة:
ان الوجوب حتى في فرض فعلية لا يتكفل للمنع عن تحقق الاستطاعة، بل المانع هو التمكن والقدرة على الاتيان بمتعلقه اي زيارة الحسين (علیه السلام) في المقام ولذا لو نذر على نحو الواجب المعلق زيارة الحسين عند قدوم مسافره بعد سنتين فان الوجوب في مورده فعلي ولكن لا يمنع عن تحقق الاستطاعة ووجوب الحج في سنته او في السنة الاولى مع ان الوجوب فعلي بمقتضى الواجب المعلق.
نعم، لو فرض ان الاتيان بالحج في عامه او في السنة الاولى انما يوجب صرف تمكنه من الاتيان بالنذر في الحج، فان الوجوب هنا يمنع عن تحقق الاستطاعة ولكن لا بمقتضى كونه وجوباً فعلياً، بل لان فعلية الوجوب تقتضي تحصيل التمكن او التحفظ على تمكنه لإتيان النذر في ظرفه والاتيان بالحج يمنع عنه، فهنا لا تتحقق الاستطاعة ولا وجوب للحج في عامه بالنسبة عليه.
وعليه فالنكتة هنا في المانعية، الحيثية التي تقتضي المانعية وهي لا تكون صرف الوجوب الفعلي.
وعليه فلو علم عدم تحقق ما علق عليه نذره في عامه ولم يوجب الاتيان بالحج انتفاء تمكنه لاداء النذر في القابل عند حصول التعليق، فلا وجه لعدم تحقق الاستطاعة وعدم وجوب الحج.
وعليه فيلزم ان يقال:
انه لو علم حصول ما علق عليه نذره في عامه او يترقب حصوله بحسب العرف والعادة بمعنى كونه مما يرجى حصوله عقلائياً، فان وجوب النذر على نحو الواجب المعلق ـ بمعنى فعلية الوجوب ـ يمنع عن تحقق الاستطاعة في عامه لو فرض حصولها بعد نذره.
واما لو لم يكن له علم بحصوله ولم يترقب حصوله عرفاً فلا وجه لمانعية نفس الوجوب عن تحقق الاستطاعة.
ولا وجه لتقييد حصول ما علق عليه نذره بان لا يكون بعد خروج الرفقة او التمكن من السير ـ الذي يعد من المقدمات القريبة للحج ـ لان حصول الشرط انما يكون مانعاً حتى بعد ذلك اي خروج الرفقة.
نعم لو حصل الشرط بعد سيره الى الحج بحيث لا يتمكن معه من الوصول الى عرفة، فانه لا وجه لعدم وجوب الحج لعدم قابلية تمكنه في الصرف في النذر، فلا يمكن في المقام تصوير مانعية النذر لوجوب الحج.
ومما ذكرنا قد ظهر:
عدم تمامية ما افاده السيد الحكيم (قدس سره) من عدم وجوب الحج مع جهله بحصول الشرط وعدم كفاية ما أتي به عن حجة الاسلام.
وذلك:
لان في ظرف الجهل لا يتمكن من صرف القدرة في النذر وكان في نظره ولو من باب الخطاء في التطبيق تمکنه من الاتيان بالحج فقط وصرف القدرة فيه وفي مثله يشكل الالتزام بعدم كفاية ما أتى به عن حجة الاسلام هذا بالنظر الى نذر زيارة الحسين عند قدوم مسافره على نحو الواجب المعلق. وقد عرفت انه یلزم تقیید ما افاده صاحب العروۀ من منع الوجوب عن حصول الاستطاعة بترقب وقوع الشرط قبل عدم امكان صرف القدرة في النذر.
واما فيما لو نذر زيارة الحسين عند قومه على نحو الواجب المشروط، فان الوجوب في النذر وان لم يكن فعلياً فليس مانعاً عن تحقق الاستطاعة عند صاحب العروة، الا انه التزم على نفسه بواجب في ظرف حصول الشرط ويمكن حصول هذا الشرط في عامه او في القابل.
و وجوبه يقتضي وجوب مقدماته عقلاً كما افاده السيد الحكيم فلو علم او ترقب حصول الشرط في عامه عرفاً، فانه يجب عليه تحصيل مقدماته او التحفظ على ما عنده من التمكن لأداء منذوره في ظرفه وعدم كون الوجوب فعلياً لا يمنع عن ذلك.
ففي هذا الصورة ايضاً انما يجري عين ما جرى في النذر على الواجب المعلق، بان مع ترقب حصول الشرط عرفاً في عامه والتمكن من الاتيان بمنذوره في ظرفه فانما يمنع وجوبه عقلاً عن تحقق الاستطاعة.
فالوجه في المسألة عدم تمامية التفريق بين الصورتين كما افاده صاحب العروة وعدم تمامية إطلاق القول بتقدم النذر فيهما.
بل الوجه تقدم النذر ومنعه عن تحقق الاستطاعة فيما يترقب حصول الشرط عرفاً في عامه وتمكنه من الاتيان بالنذر حين العلم بحصوله.
هذا، واما ما دفع في الكلمات ومن جملتها ما افاده السيد الخوئي (قدس سره) من تصوير الواجب المعلق، فانه قد حقق في الاصول تمامية تصوير الواجب المعلق على ما صوره صاحب الفصول، من فعلية الواجب واستقبالية الواجب في قبال الواجب المشروط الذي كان نفس الوجوب فيه مشروطاً بتحقق الشرط.
وتصوير الواجب المعلق على نحو اشتراط الوجوب على نحو الشرط المتأخر لو تم، فانه لا اثر له فيما هو المهم في بحث الواجب المعلق؛ والواجب المعلق نحو من الواجب المشروط الا ان الأشتراط فيه انما يكون في متعلق الإنشاء ومتعلق المعنى الايقاعي، وفي المشروط المصطلح يكون في نفس الانشاء والمعنى الايقاعي، كما صوره السيد الحكيم (قدس سره).
[1]. الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص162.