بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هشتاد و چهار
هذا ولكن المشكل فيه:
انه افاد (قدس سره) هنا: «خصوصاً إذا لم يعتبر القبول في ملكية الموصي له.»
وهو ظاهر في وجوب الحج وتحقق الاستطاعة مع اعتبار القبول الا ان الوجوب مع عدم اعتبار القبول اظهر.
ومع فرض اعتبار القبول لكانت الوصية من العقود، وهنا يرد اشكال السيد الخوئي(قدس سره) من انه يشكل وجوب الحج حينئذ، لأنه لا استطاعة قبل تحقق القبول ولا يجب عليه القبول، لأنه من ايجاب تحصيل الاستطاعة.
وقدمر في الحواشي السابقة من الاعلام الاستشكال في وجوب الحج وتحقق الاستطاعة، بناءً على القول باعتبار القبول.
ومن البعيد احتمال كون مراده الوصية بالبذل، لأنه افاد:
«لو اوصى له بما يكفيه للحج...» وهذا غير الوصية بمصارف حجه اي الوصية بإعطاء الزاد والراحلة له، فانه لا يساعد العبارة في المقام مع بعد احتماله على ما في كلام صاحب العروة (قدس سره) لكونه بصدد بيان فروع الاستطاعة الحاصلة بالملك دون البذل.
هذا لكنه قد عرفت في ذيل كلام صاحب العروة في كتاب الوصية ميله الى استلزام الوصية الملك القهري كما هو الحال في الارث، فانه وان مرفي حاشية المحقق النائيني(قدس سره) رميه بالشذوذ الا ان صاحب العروة نفى هذا الشذوذ بجريانه في مثل الوقف، حتى انه صرح بانه مقتضى عمومات الوصية.
فبناء عليه لاشبهة في تحقق الاستطاعة بالوصية بما يكفي للحج بعد موت الموصي، وهو لا يخلو عن وجه كما سياتي انشاء الله في باب الوصية.
قال صاحب العروة:
مسالة 32: إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يزور الحسين ( عليه السلام ) في كل عرفة ثم حصلت لم يجب عليه الحج، بل وكذا لو نذر إن جاء مسافره أن يعطي الفقير كذا مقدارا، فحصل له ما يكفيه لأحدهما بعد حصول المعلق عليه.
بل وكذا إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يصرف مقدار مائة ليرة مثلا في الزيارة أو التعزية أو نحو ذلك، فإن هذا كله مانع عن تعلق وجوب الحج به.
وكذا إذا كان عليه واجب مطلق فوري قبل حصول الاستطاعة، ولم يمكن الجمع بينه وبين الحج، ثم حصلت الاستطاعة وإن لم يكن ذلك الواجب أهم من الحج لأن العذر الشرعي كالعقلي في المنع من الوجوب.
وأما لو حصلت الاستطاعة أولاً، ثم حصل واجب فوري آخر لا يمكن الجمع بينه وبين الحج يكون من باب المزاحمة، فيقدم الأهم منهما، فلو كان مثل إنقاذ الغريق قدم على الحج، وحينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب الحج فيه، وإلا فلا إلا أن يكون الحج قد استقر عليه سابقا، فإنه يجب عليه ولو متسكعا.[1]
واساس هذه المسألة ان النذر الواجب المنافي للحج قبل حصول الاستطاعة بحيث لا يمكن الجمع بينه وبين الحج مانع عن تعلق وجوب الحج به، وكذا كل واجب فوري غير قابل للحج مع الحج إذا وجب عليه قبل حصول الاستطاعة.
وافاد في وجهه:
بان النذر والواجب الفوري إذا تعلق بذمته قبل حصول الاستطاعة، عذر شرعي، وهو كالعذر العقلي يمنع عن تعلق وجوب الحج به.
وليس مانعية هؤلاء من باب المزاحمة، بحيث وقع التزاحم بينها وبين وجوب الحج، فيقدم الأهم منهما؛ بل انها تمنع عن تعلق وجوب الحج وان لا تكون اهم بالنسبة الى الحج.
نعم، لو حصلت الاستطاعة اولاً ثم حصل واجب فوري آخر غير قابل للجمع مع الحج فإنما تقع المزاحمة بينهما، ويقدم الاهم منهما. ومع فرض اهمية الواجب المذكور يقدم على الحج في عامه، فاذا بقيت الاستطاعة الى العام القابل وجب عليه الحج فيها.
وان فرض استقرار الحج عليه سابقاً، فإنما يجب عليه الحج في العام القابل ولو متسكعاً اي فرض عدم بقاء الاستطاعة. وانما خص مورد حصول الاستطاعة اولاً بحصول الواجب الفوري بعد ذلك دون النذر، لان في فرض حصول الاستطاعة لا يتحقق النذر في فرض مزاحمته بالحج.
هذا، وافاد المحقق النائيني في حاشيته على قوله «إذا نذر قبل حصول الاستطاعة ان يزور الحسين (عليه السلام) في كل عرفة ثم حصلت لم يجب عليه الحج.»
« بل ينحل نذره بحصول الاستطاعة بعده ويجب عليه الحج على الأقوى ولو نذر ذلك بعد حصول الاستطاعة وقبل وقت المسير لم ينعقد وإن كان قبل أشهر الحج على الأقوى..»
وأفاد السيد البروجري(قدس سره): « الأقوى هو وجوب الحج وانحلال النذر لأن عدم وجوب الحج عند وجوب ما ينافيه إنما هو لأجل التزاحم لا لاعتبار عدمه في الاستطاعة ووجوب الوفاء بالنذر غير صالح للتزاحم.»
وافاد السيد الخوانساري(قدس سره):«محل اشكال لمكان المزاحمة، ولا يبعد ترجيح جانب الحج لأهميته»
وأفاد السيد الخوئي(قدس سره):«النذر بأقسامه لا يزاحم الحج فيجب عليه الحج في جميع الفروع المذكورة.»
ومثله عن غيرهم.
واساس نظر هؤلاء الاعلام ان المورد من مصاديق التزاحم وتقع المزاحمة بين وجوب الحج بمقتضى تحقق الاستطاعة، ووجوب الوفاء بالنذر، وفي مثلها يلزم تقديم الاهم ملاكاً، وهو الحج عندهم.
وفي القبال يظهر من بعضهم تبعية صاحب العروة (قدس سره) في مانعية النذر عن وجوب الحج. نظير السيد الاصفهاني (قدس سره)، والشيخ الحائري والسيد عبد الهادي الشيرازي والسيد الحكيم، وكاشف الغطاء والشيخ علي الجواهري وغيرهم ممن لم يتعرض للإيراد على صاحب العروة، ولم يكن له حاشية في ذلك.
وافاد السيد الحكيم (قدس سره) ذيل قول صاحب العروة «إذا نذر قبل حصول الاستطاعة ان يزور الحسين في كل عرفة ثم حصلت لم يجب عليه الحج....» في المستمسك:
« يظهر من الأصحاب: الاتفاق عليه، فإن هذه المسألة وإن لم تكن محررة بخصوصها في كلامهم، لكن ما ذكروه في مسألة: ما لو نذر حجا غير حج الاسلام، يقتضي بناءهم على عدم وجوب الحج هنا.
قال في المدارك - فيما لو نذر المكلف الحج -: " فإما أن ينوي حج الاسلام أو غيره، أو يطلق، بأن لا ينوي شيئا منهما، فالصور ثلاث.. ( إلى أن قال ): الثاني: أن ينوي حجا غير حج الاسلام. ولا ريب في عدم التداخل على هذا التقدير. ثم إن كان مستطيعا حال النذر، وكانت حجة النذر مطلقة أو مقيدة بزمان متأخر عن ذلك العام.. ( إلى أن قال ): وإن تقدم النذر على الاستطاعة وجب الاتيان بالمنذور مع القدرة، وإن لم تحصل الاستطاعة الشرعية، كما في غيره من الواجبات. ولو اتفق حصول الاستطاعة قبل الاتيان بالحج المنذور قدمت حجة الاسلام إن كان النذر مطلقا، أو مقيدا بما يزيد عن تلك السنة أو بمغايرها، لأن وجوبها على الفور، بخلاف المنذورة على هذا الوجه. وإلا قدم النذر، لعدم تحقق الاستطاعة في تلك السنة، لأن المانع الشرعي كالمانع العقلي".
ونحوه كلام غيره ممن سبقه - كالدروس، والمسالك - وممن لحقه - كالذخيرة والمستند، والجواهر - على نحو يظهر منهم التسالم على تقديم النذر على حج الاسلام، وأنه يكون رافعا للاستطاعة. نظير ما لو استؤجر على الحج، فإن الإجارة رافعة للاستطاعة عندهم، فلا يجب على الأجير حج الاسلام إذا كان الحج المستأجر عليه مزاحما لحج الاسلام.
هذا ولكن بعض الأعاظم فرق بين الإجارة والنذر، حيث قال (عليه السلام): " الفرق بين النذر والإجارة: هو كفاية سلطنة المؤجر على منفعة نفسه عند عقد الإجارة في صحة تمليكها وتملك المستأجر لها، فلا يبقى مورد لتأثير الاستطاعة. بخلاف النذر، فإن اشتراطه - حدوثا وبقاء - يرجحان المنذور من حيث نفسه، ومع غض النظر عن تعلق النذر به يوجب انحلاله بالاستطاعة.. ".
[1]. العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 393-396.