بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هشتاد و دو
ويمكن ان يقال:
انه قدمر في كلام صاحب الكفاية جريان هذا البحث في الاوامر كالنواهي وخالفه والشيخ والمحقق النائيني (قدس سره):
قال (قدس سره) في الفوائد ان الامر بالفعل الخارج عن محل الابتلاء لامحذور فيه اذ قد تكون فيه مصلحة ملزمة تستدعي الامر به وتحصيل مقدماته البعيدة الثالثة. وان المعتبر فيها القدرة العقلية بخلاف النواهي، فان الخروج عن محل الابتلاء يمنع عن النهي عنه.
وخالفه المحقق العراقي (قدس سره) وذهب الي استهجان الامر بما هو خارج عن محل ابتلاء المكلف كالامر المتوجة الي سوقي فقير بترويج بنات الملوك، او بالاكل من طعام الملك الموضوع قدامه.
والظاهر تمامية ما افاده صاحب الكفاية وتبعه المحقق العراقي (قدس سرهما).
وذلك: لان موضوع البحث في النهي هو خروج العقل عن كل الابتلاء بحيث يكون المكلف تاركاً بحسب العادة وهذا يجري في الامر بلا تفاوت، فان موضوع البحث فيه خروج تركه عن محل الابتلاء بحيث يكون الفعل قهري الحصول عادة كخروج الكاسب الي دكانه يومياً او اعطاء الوالد الشفيق الدواء لولده المريض الذي يحبه، وقد تنبه عليه المحقق الكاظمي ايراداً علي استاذه النائيني واشار اليه في حاشية الفوائد.
اما اعتبار الدخول في محل الابتلاء وما يعبر عنه بالقدرة العادية:
فافاد سيدنا الاستاذ في المنتقي:
«... إن الامتناع:
تارة: يكون عقليا، ويقابله القدرة العقلية، وهي مما لا شبهة في اعتبارها في التكليف.
وأخرى: يكون عاديا ويراد به هو امتناع الفعل عقلا بحسب الوضع العادي للانسان، وان كان الفعل ممكنا عقلا بطريقة غير عادية، وذلك كالطيران إلى السماء. وهذا ما أرجعه صاحب الكفاية إلى الامتناع العقلي والقدرة العقلية. وهي بحكم النحو الأول.
وثالثة: يكون عاديا بمعنى ما لا يلتزم به خارجا بحسب العادة، كالخروج إلى السوق بلا نعل، وهذا لا يمنع من التكليف قطعا.
وجميع ذلك ليس محل كلامنا، بل محل الكلام فيما نحن فيه هو: ما كان الفعل لا يتحقق من المكلف عادة لعدم ابتلائه به، مع امكان ان يصدر منه عقلا، كشرب الماء في الاناء الموجود في أقاصي الهند.
ويصطلح على اعتبار الدخول في محل الابتلاء باعتبار القدرة العادية. وقد وقع الكلام في اعتبارها في التكليف.
فذهب الشيخ وتبعه غيره إلى اعتبارها فيه.
وقد اختلف التعبير عن بيان وجه الاعتبار، فامتناع التكليف بغير ما هو محل الابتلاء. والعمدة فيه هو اللغوية الواضحة المعبر عنها في بعض الكلمات بالاستهجان العرفي، إذ الغرض من التكليف هو ايجاد الداعي إلى الفعل أو الترك، وهذا المعنى لا يتحقق فيما إذا كان الفعل خارجا عن محل الابتلاء كما لا يخفى.
وقد وقع الخلط بين ما نحن فيه وبين بعض الموارد، فتخيل البعض سراية هذا الاشكال إلى موردين.
أحدهما: تكليف العصاة.
والاخر: في الواجبات التوصلية التي تصدر من المكلف بحسب طبعه بداع آخر. وذلك ببيان: ان التكليف وإن كان هو عبارة عن جعل ما يمكن أن يكون داعيا أو زاجرا، إلا أن الغرض الأقصى منه هو تحقق الداعوية والزاجرية، بحيث يكون له تأثير فيهما، وإلا كان لغوا محضا.
فمع العلم بعدم تحقق الداعوية أو الزاجرية يمتنع جعل التكليف، ومورد العصاة كذلك للعلم بعدم انزجارهم بالنهي وتحركهم بالأمر. فيكون تكليفهم لغوا.
وهكذا في الواجبات التوصلية التي يكتفي فيها بمجرد الفعل، إذا علم بتحقق الفعل من المكلف بداع آخر، فان التكليف في مثل ذلك لا يترتب عليه غرضه الأقصى من التحريك نحو الفعل، فيكون لغوا. ولا يخفى ان اللغوية المدعاة ههنا هي لغوية دقية لا عرفية، ولذا لا يتخيل أحد من العرف استهجان تكليف العاصي ونحوه.
وعلى كل حال، فتحقيق الكلام في هذين الموردين ان يقال:
أما مورد العصيان: فلا يخفى ان الغرض الأقصى من الشئ ليس غرضا فلسفيا، بحيث يكون من علل الشئ الذي يوجب تخلفه تخلف المعلول، بل هو فائدة وأثر الشئ، فهو غرض عرفا.
وعليه، فمجرد احتمال ترتبه على الفعل يكفي في صحة الفعل والاقدام عليه، بل أعمال العقلاء جلا تبتني على احتمال ترتب الفوائد عليها، كتصدي التجار للبيع، فإنه لا يقطع بتحقق البيع أو الربح، مع إقدامهم عليه وليس هو إلا من جهة كفاية احتمال الفائدة. ففي مورد العصاة إذا احتمل الامتثال كفى ذلك غرضا أقصى للتكليف.