بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد و دو
وظهر مما ذكرناه ان ما أفاده المحقق النائيني ( قدس سره ) في مقام بيان ما اختاره من بقاء العلم الاجمالي على صفة التنجيز بعد عروض الاضطرار، من عدم جريان الأصل في الطرف الاخر بعد سقوطه بالمعارضة، لان الساقط لا يعود.
غير متين، لان الأصل الذي يجري في الطرف الاخر هو الأصل بلحاظ حال ما بعد الاضطرار، وهو لا معارض له، وقد عرفت أنه أصل بنفسه غير الأصل الجاري في مرحلة الحدوث الساقط بالمعارضة، فليس إجراء الأصل من عود الساقط كي يقال: إن الساقط لا يعود.
ثم إنه جاء في الدراسات ـ دراسات في الاصول العملية للسيد علي الشاهرودي (قدس سره) تقريراً لمباحث السيد الخوئي (قدس سره) ـ بعد الالتزام بعدم جريان الأصل، لان الساقط لا يعود.
الايراد على نفسه بأنه: لا مانع من اجراء الأصل بعد إطلاق الدليل لجميع الحالات، غاية الامر ترفع اليد عنه بمقدار المعارضة، لان الضرورات تقدر بقدرها، فإذا ارتفعت المعارضة لسقوط التكليف في أحد الأطراف لم يكن مانع من التمسك باطلاق الدليل في الطرف الاخر.
وأجاب عنه:
ان المحذور العقلي في اجراء الأصلين في كلا الطرفين، وهو لزوم الترخيص في المعصية، كما يقتضي عدم شمول دليل الأصل لكلا الطرفين في زمان واحد، يقتضي عدم شموله لها في زمانين.
وما نحن فيه كذلك، للعلم الاجمالي بحرمة أحد الإناءين المرددة بين المحدودة والمستمرة، فهو يعلم إجمالا إما بحرمة هذا الاناء قبل الاضطرار إليه أو بحرمة ذاك الاناء بعد الاضطرار إلى الطرف الاخر.
فلا يمكن اجراء أصالة الحل في كلا الطرفين لاستلزامه الترخيص في المعصية. لان الحكم بحلية هذا الاناء فعلا لا يجتمع مع الحكم بحلية ذاك الاناء فيما بعد، بعد العلم الاجمالي بدوران التكليف بينهما.
أقول:
الوجه في تعارض الأصول المستلزم لتنجيز العلم الاجمالي من حيث الموافقة القطعية، ليس هو مجرد استلزام جريانها الترخيص في المعصية، بل بضميمة شئ آخر، وهو استلزام اجراء الأصل في أحدهما المعين الترجيح بلا مرجح.
فيقال:
انه إذا جرى الأصل في كلا الطرفين، كان ذلك ترخيصا في المعصية. وجريانه في هذا الطرف خاصة ترجيح بلا مرجح، وكذا جريانه في ذاك الطرف خاصة. فيتحقق التعارض والتساقط.
وعليه، نقول: انه في آن ما قبل الاضطرار قد يدعى ان اجراء الأصل في هذا الطرف لا يجتمع مع اجرائه في الأطرف الاخر، ولو بلحاظ ما بعد الاضطرار، لاستلزامه الترخيص في المعصية وتعين أحدهما بلا معين.
أما بعد عروض الاضطرار فلا مانع من اجراء الأصل في الطرف الاخر. لعدم قابلية الطرف الأول لاجراء الأصل فيه بعد تصرم وقته، فلا يلزم الترخيص في المعصية ولا الترجيح بلا مرجح.
وبمثل هذا البيان تصدى القائل إلى رد المحقق النائيني، حيث ذهب إلى معارضة الأصل في أحد الأطراف مع جميع الأصول الطولية في الطرف الاخر، فتسقط جميعها، باعتبار أن المحذور هو جعل ما ينافي المعلوم بالاجمال، بلا خصوصية للمتقدم رتبة من الأصول، فلا يصح التعبد بالأصول مطلقا.
فقد رده القائل بان المحذور في اجراء الأصول هو استلزام اجراء كلا الأصلين الترخيص في المعصية، واجراء أحدهما في الطرف المعين يستلزم الترجيح بلا مرجح.
وهذا لا يتأتى بالنسبة إلى مورد تعدد الأصول الطولية في طرف ووحدة الأصل في الطرف الاخر، لان الأصل الطولي لا مجال له مع وجود الأصل المتقدم عليه رتبة، فلا تتحقق المعارضة بينه وبين غيره، فيتحقق التعارض بدوا بين الأصل السابق في الرتبة في هذا الطرف والأصل المنفرد في ذلك الطرف، فيتساقطان فيبقى الأصل الطولي بلا معارض، فيعمل به ولا يكون من الترجيح بلا مرجح.
فهو في ذلك المبحث نبه على هذه الجهة - أعني: تقوم المعارضة بضميمة محذور الترجيح بلا مرجح إلى محذور الترخيص في المعصية -، ولكنه فيما نحن فيه أغفلها تماما.
نعم لو التزم بالاحتمال الأول في مدلول دليل أصالة الطهارة تم ما ذكره من المعارضة، لكنه خلاف التحقيق أولا وخلاف مبناه ثانيا، لظهور التزامه بالمبنى الثاني من كلامه، لتعبيره بالحكم بالحلية في الزمان الاخر، الظاهر في أن ظرف الحكم هو الزمان الاخر. فانتبه.
وجملة القول: انه على مسلك الاقتضاء يشكل الامر في كثير من الفروع كالاضطرار إلى المعين أو الخروج عن محل الابتلاء أو فقدان بعض الأطراف، أو تطهير بعض الأطراف، فان الأصل يجري في الطرف الاخر - في جميع ذلك - بلا محذور ولا معارض.
بل لو علم اجمالا بوجوب احدى الصلاتين إما لجمعة أو الظهر، فجاء بالجمعة، صح له اجراء الأصل بالنسبة إلى الظهر، لعدم معارضته بالأصل الجاري في الجمعة لاتيانه بها.
فهو قبل الاتيان بإحداهما وإن لم يتمكن من اجراء الأصل في كلا الطرفين، لكنه بعد الاتيان بإحداهما يتمكن من ذلك لما عرفت. مع أن هذا من الفروع المسلم فيها بقاء تنجيز العلم الاجمالي، كمسألة تطهير بعض الأطراف أو فقدانه.
ويمكن ان يجعل هذا وجها من وجوه الاشكال على الالتزام بالاقتضاء، وتعين القول بالعلية التامة فرارا عن الوقوع في ذلك.»[1]
[1] . الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج5، ص108-113.