بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و هفت
قال صاحب العروة:
مسألة 25: إذا وصل ماله إلى حد الاستطاعة لكنه كان جاهلا به أو كان غافلا عن وجوب الحج عليه ثم تذكر بعد أن تلف ذلك المال، فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه إذا كان واجدا لسائر الشرايط حين وجوده.
والجهل والغفلة لا يمنعان عن الاستطاعة، غاية الأمر أنه معذور في ترك ما وجب عليه، وحينئذ فإذا مات قبل التلف أو بعده وجب الاستيجار عنه إن كانت له تركة بمقداره.
وكذا إذا نقل ذلك المال إلى غيره بهبة أو صلح ثم علم بعد ذلك أنه كان بقدر الاستطاعة، فلا وجه لما ذكره المحقق القمي في أجوبة مسائله من عدم الوجوب، لأنه لجهله لم يصر موردا، وبعد النقل والتذكر ليس عنده ما يكفيه فلم يستقر عليه، لأن عدم التمكن من جهة الجهل والغفلة لا ينافي الوجوب الواقعي والقدرة التي هي شرط في التكاليف القدرة من حيث هي، وهي موجودة، والعلم شرط في التنجز لا في أصل التكليف.[1]
المفروض في هذه المسألة تحقق الاستطاعة في عالم الواقع، ولكنه كان جهلاً بذلك، او كان عالماً بذلك وغافلاً عن الحكم المتوجه اليه من وجوب الحج.
وقد زالت الاستطاعة المتحققة في حال جهله به او غفلته عن الحكم ثم تذكر ذلك، فافتى(قدس سره) باستقرار وجوب الحج عليه في فرض واجديته لسائر الشرائط، وان كان معذوراً في ترك ما وجب عليه تكليفاً واساس هذا النظر كما صرح به عدم مانعية الجهل او الغفلة عن الاستطاعة الموجبة لوجوب الحج.
ويترتب على ذلك:
انه لو مات قبل تلف المال او بعده اي في حال جهله او غفلته عن الموضوع او الحكم، فلعدم مانعيتهما عن الاستطاعة الموجبة لاستقرار وجوب الحج، وجب الاستئجار عنه، لان الحج كان واجباً عليه في حال حياته بمقتضى تحقق الاستطاعة في مقام الواقع.
كما يترتب عليه:
انه اذا نقل المال المذكور في حال جهله بعدم وصوله حد الاستطاعة او في حال غفلته عن وجوب الحج عليه، بهبة او صلح، ثم تذكر ذلك بعده لوجب عليه الحج ايضاً بعين المناط.
وفي القبال التزم المحقق القمي (قدس سره) في جامع الشتات بعدم وجوب الحج في مفروض المسألة.
ونقل صاحب العروة (قدس سره) ان الوجه لالتزامه بعدم الوجوب هنا ان الجاهل بالاستطاعة ليس موضوعاً للحكم بوجوب الحج حال جهله وبعد زوال الجهل لا يتمكن من الاتيان بالحج لتلف المال الواصل الى حد الاستطاعة في الواقع.
وقد إستدل المحقق القمي (قدس سره) في ذلك بما ورد بلسان، من ترك الحج وليس له شغل يعذره الله فقد ترك فريضة من فرائض الاسلام. نظير ما رواه الشيخ (قدس سره ).[2]
باسناده عن موسى بن القاسم عن ابن ابي عمير عن الحلبي عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال:
اذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك وليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرايع الاسلام.[3]
بتقريب انها تدل على ان وجود العذر ناف للاستطاعة.
واجاب عنه صاحب العروة (قدس سره)
ان عدم التمكن من جهة الجهل والغفلة لا ينافي الوجوب الواقعي والقدرة التي هي شرط في التكاليف القدرة من حيث هي وهي موجودة، والعلم شرط في التنجز لا في اصل التكليف.
هذا، وافاد السيد الشيرازي ـ السيد عبدالهادي ـ في حاشيته في ذيل قول صاحب العروة «فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه»:
«فيه اشكال، بل منع ان كان قاطعاً بالعدم.»
وافاد السيد باقر الفيروزآبادي في حاشيته:
«بل عدم استقراره، فظهر الكلام في التفريع والفرع اللاحق.»
كما افاد (قدس سره) في ذيل قول صاحب العروة (قدس سره) في جواب المحقق القمي: «لان عدم التمكن من جهة الجهل والغفلة لا ينافي الوجوب الواقعي»:
« ليس المقام كالواجبات المطلقة بل الحج لما كان مشروطا بالاستطاعة العرفية ليس الجاهل عندهم مستطيعا والاستطاعة العرفية ليست منحصرة في جهة معينة.
نعم، ضيق الشرع دائرة الاستطاعة من حيثية المال بوجود الزاد والراحلة فافهم فإن ما في المتن خلط ومقايسة.
فإن قلت:
بناء على هذا إن كان جاهلا بوجوب الحج ليس مستطيعا باعتبار العلم في الاستطاعة.
قلنا: مقتضي ظهور الاستطاعة التي هي شرط للوجوب في لسان الدليل حصول العلم بالموضوع والحكم ورفعنا اليد في العلم بالحكم إما للزوم الدور كما قيل أو للتصويب المجمع على بطلانه.
أما العلم بالموضوع دخله في الحكم وكون الحكم مقيدا ومشروطا به لا محذور فيه فلا يرفع اليد عن ظاهر الدليل الدال على اشتراط الحكم به.
وواضح عند العرف أن الجاهل بالموضوع لا يقدر ولهذا كان معذورا عند العقلاء.
فظهر: أن الجاهل بالموضوع لم يتحقق شرط الوجوب في حقه وهي الاستطاعة العرفية.»[4]
وافاد السيد الخوئي (قدس سره) في ذيل قول صاحب العروة (قدس سره): «اذا وصل ماله الى حد الاستطاعة لكنه كان جاهلاً به او كان غافلاً....»
«هذا اذا كانت الغفلة مستندة الى التقصير بترك التعلم، واما في غير ذلك فلا يجب الحج واقعاً، فانها مانعة عن تحقق الاستطاعة، وكذلك الجهل المركب في الشبهة الموضوعيّة.
[1] . العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 386-387.
[2] . الشيخ الطوسي، تهذيب الاحكام، ج5، ص403، الحديث1405-51.
[3] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 6 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص26، الحديث14152/3.
[4] . العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 387-387.