بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و يك
فظهر انه لو تصرف فيما عنده بما يخرجه عن الاستطاعة لبقيت ذمته مشغولة بالحج، واستقر عليه التكليف بالحج.
ثم ان في المقام بيان لسيد الحكيم في المستمسك:
ومحصله:
ان هنا سؤال وهو ان الاستطاعة شرط لوجوب الحج حدوثاً بمعنى ان حدوثها ولو آناً ما يوجب ثبوت الوجوب.
او انها شرط له وجوباً وبقاءً بمعنى ان حدوثه آناً ما لا يكفي لوجوب الحج بل يلزم حدوثها وبقائها الى زمان الحج.
والقول بانه لا يجوز التصرف المخرج عن الاستطاعة فيما حصل له من المال مما يكفي للحج انما يتم على الوجه الاول وهو كونها شرطاً حدوثاً.
واما اذا قلنا بانها شرط بقاءً وحدوثاً فانه لا مانع عن التصرف المذكور قبل زمان الحج، لانه يوجب عدم بقاء الاستطاعة وبه ينتفي الشرط لوجوبه لان الوجوب المشروط لا يقتضي حفظ شرطه. وعليه فان المنع عن اذهاب الاستطاعة يحتاج الى الدليل.
ثم افاد (قدس سره):
ان مقتضى اطلاق قوله تعالى: من استطاع اليه سبيلاً، ان الاستطاعة آناً ما موجبة لتحقق الوجوب وهو يكون نظير قوله تعالى: من افطر وجب عليه الكفارة.
الا انه افاد (قدس سره) بان استطاعة السبيل الى البيت الشريف لا تتحقق آناً ما، الا اذا كانت مقدمات وجود الواجب حاصلة في الواقع، كل منها في محله.
فاذا كان المكلف في علم الله تعالى ممن يبقى ماله وراحلته وصحته الى ان يصل الى البيت الشريف، ولا مانع يمنعه عن ذلك، كان مستطيعاً من اول الامر ويجب عليه الحج،
فاذا عجّز نفسه باذهاب ماله او غيره من المقدمات، لكان مخالفاً للوجوب المذكور ثبوتاً.
ومنه يظهر: انه لا مجال لدعوى كون الاستطاعة شرطاً للوجوب حدوثاً وبقاءً مستدلاً:
بان الزاد والراحلة لو سرقا في الطريق انتفى الوجوب، وكذا لو حدث له مانع من السفر من سيل او عدو او مرض فان ذلك يوجب انتفاء الوجوب.
وجه الاشكال عليها:
ان حدوث الأمور المذكورة كاشف عن عدم الاستطاعة من اول الامر، فلا وجوب للحج بالنسبة اليه حدوثاً وبقاءً
بخلاف من ألقى زاده في البحر، او قتل راحلته، او مرّض نفسه فانه لا يكشف عن عدم الاستطاعة من اول الامر، بل هو مستطيع، لكنه عجّز نفسه، فاذا كان مستطيعاً كان التكليف ثابتاً في حقه ويكون تعجيز نفسه مخالفة منه للتكليف الثابت عليه فيكون حراماً.
ومن ذلك يظهر: ان ما افاده صاحب العروة (قدس سره) من ان المعيار في حرمة التعجيز التمكن من المسير في محله، لان مع التمكن من المسير كان مستطيعاً فيتوجه اليه التكليف فيكون تعجيز نفسه مخالفة له.
واما ما ذكره الاصحاب:
من ان المعيار خروج الرفقة ـ على اختلاف عباراتهم المتقدمة ـ فغير ظاهر، الا ان يرجع الى ما ذكره المصنف (قدس سره).
ومثله في الاشكال:
ما ذكره بعض الأعاظم، من انه لا يجوز اذهاب المال في اشهر الحج وان لم يتمكن من المسير، فانه اذا دخل شوال ولم يتمكن من المسير لم يكن مستطعاً، فلم يجب عليه الحج فلم يجب عليه حفظ مقدماته.
ثم افاد (قدس سره) بعد ذلك:
هذا ـ اي تمامية ما افاده صاحب العروة من ان المعيار في حرمة التعجيز التمكن من المسير ـ كله بناءً على ما يظهر من الادلة من ان القدرة العقلية المقيدة في الاستطاعة القدرة الفعلية كما قد يفهم من قبل الصحة في البدن، وتخلية السرب في سياق الزاد و الراحلة وانه كا يعتبر في الاستطاعة الملك للزاد والراحلة فعلاً يعتبر فيها الصحة في البدن وتخلية السرب فعلاً بحيث لا يكفي في تحقق الاستطاعة الملك للزاد والراحلة مع المرض ووجود المانع من السفر وان كانا زائلين بعد ذلك قبل وقت الحج.
واما اذا جعل المدار في الاستطاعة الملك للزاد والراحلة فقط، وما زاد على ذلك لا يعتبر وجوده فعلاً، فاذا ملك الزاد والراحلة وكان مريضاً لا يقدر على السفر او كانت الحكومة قد منعت عنه فعلاً، فهو مستطيع اذا كان يشفى بعد ذلك والحكومة تأذن فيه، فتقريب ما في المتن غير مفيد في اثباته.
لأنه مع ملك الزاد والراحلة يكون مستطيعاً، فلا يجوز له تعجيز نفسه من جهتهما وان كان عاجزاً فعلاً من الجهات الاخرى لمرض او مانع من السفر.
وعلى هذا لا فرق في عدم جواز التعجيز بين وقت وآخر، مادام قد ملك الزاد و الراحلة فلا فرق بين اشهر الحج وغيرها، ولا بين وقت السفر وغيره، ولا بين اول السنة وآخرها.
بل لا فرق على هذا بين سنة الحج غيرها لاشتراك الجميع في مناط حرمة التعجيز. هذا ما افاده (قدس سره).
ويمكن ان يلاحظ فيه:
انه لو ملك الزاد والراحلة، وراى التمكن الفعلي بالنسبة الى غيره من الصحة في البدن وتخلية السرب وغيرهما، فهو مستطيع بالفعل ومتمكن من الحج بالقدرة الفعلية حسب ما اختاره (قدس سره).
ولكن لو سرقت زاده وراحلته او صار مريضاً او مُنع عن المسير وغير ذلك ولو في اشهر الحج او حصل له مانع باي وجه من الاتيان بالحج ولو بعد قربه الى الميقات، فانه يكشف عدم استطاعته في سنته، مع ان بالنسبة الى ما افاده انه كان مستطيعاً بالفعل.
وعليه يلزم الفرق قي تحقق الاستطاعة بين مقام الثبوت ومقام الاثبات.
اما بالنسبة الى مقام الثبوت: فان الاستطاعة الفعلية انما تتحقق اذا تمكن من الاحرام للحج في الميقات، اذ قبل ذلك فلو منع عنه مانع باي وجه وجهة، فانما يكشف عن عدم استطاعة.
وبعبارة اخرى:
ان الاستطاعة الفعلية بهذا المعنى لا تقبل التحقق الا عند الاحرام من الميقات، اذ لا يمكن تصوير القدرة الفعلية في مقام الاثبات قبلها وتترتب عليه آثاره، لان مع عدم احرازها بفعليتها لا وجوب فعلي للحج ولا وجوب فعلي للمقدمات فلا يمكن سراية الوجوب الى كل واحد من المقدمات ومعه لا وجه للالتزام بعدم جواز التنجيز حتى مع التمكن من السفر او بعد خروج الرفقة او بعد مجيء اشهر الحج. وهذا مما لا يلتزم به احد.
ونتيجته انه لا يمكن لنا تصوير الاستطاعة الفعلية بمعنى ان القدرة المعتبرة في الاستطاعة هي القدرة الفعلية بالنسبة الى مقام الثبوت.
ومعه يلزم التفريق في المقام بين مقام الثبوت ومقام الإثبات وان مفروض البحث هو مقام الاثبات. والكاشفية عن عدم ثبوت الاستطاعة بعروض مانع ولو قبل الاحرام انما هو امر مرتبط بمقام الثبوت والواقع ولو كان هو المعيار لم يتحقق الوجوب للحج بالنسبه الى احد.
واما بالنسبة الى مقام الاثبات:
فان مقتضى اطلاق {ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا} فعلية وجوب الحج بمجرد تحقق الاستطاعة آناً ما كما افاده (قدس سره) ولكنها لا تتحقق بمجرد حصول المال الوافي للاتيان بالحج بل اذا حصل له المال في المحل القابل والمراد منه حصوله مع التمكن من الإتيان بالحج من جهة صحة البدن وتخلية السرب وعدم مانع من الخروج اليه.
وتمام الكلام انما هو في المراد من هذا التمكن، فهل يكون المراد منه التمكن التام من جميع الجهات؟ وهذا مما لاسبيل اليه قبل احرام المحرم في الميقات وما يتحقق قبل ذلك انما هو التمكن بالقوة والتمكن بالقوة يراد به امكان الاتيان بالحج في وقته.
وقدمر انه لو أراد صاحب العروة من التمكن من المسير، ذلك فهو تام لان التمكن الفعلي بمعناه الواقعي غير قابل للحصول قبل المبادرة باعمال الحج، ولذا نرى ايراد الاعلام على ما افاده يتحقق الاستطاعة عند ما علم او احتمل تمكنه من المسير في وقت الحج او صحة بدنه في وقته او عدم مانع عنه ولا يراد بالاستطاعة العرفية غير ذلك لا بالنسبة الى خصوص الحج، بل بالسنبة الى جميع الأمور الجارية العقلائية.
وان مع حصول المال وحصول العلم بالتمكن عن الجهات المذكورة او احتمال تمكنه منها في وقته، لا يجوز له تعجيز نفسه.
وان شئت قلت:
ان مع حصول المال فانما تتحقق له الاستطاعة من جهته اي من جهة الزاد والراحلة، واذا تمكن من المسير فانما يتحقق من جهتهما. واذا لم يكن مانع من الخروج فكذلك، وحيث ان جميع هذه الجهات بطبيعتها خارجة عن اختياره، لان عدم المانع من الخروج او تخلية السرب او صحة البدن و عدم حدوث مرض مانع عن الحج وامثالها ليس تحت اختاره؛ بل يمكن ان يتحقق ويمكن ان لا يتحقق والاستطاعة نسبية من جهة كل واحد من الامور المذكورة.
وما كان تحت اختياره التحفظ على الزاد والراحلة، ولو كان في كل واحد من الجهات المذكورة غير الزاد والراحلة امر كان لإختياره دخل فيه، فانما يجب عليه التحفظ عليه.
وبما ان السبيل الى الحج في الاية انما يشمل جميع هذه الامور على ما كان عليه، فانما يقتضي وجوب الحج اذا حصل له المال بصرف اختياره فيه فيما كان له الاختيار فيه. وعمدة مظاهره الاختيار في التحفظ على الزاد والراحلة واما بالنسبة الى غيره من الجهات المعتبرة فلا يتمكن الشخص غير التهياء عند ما يرى امكانها بعلم او احتمال عقلائي.