بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت
والسيد الخوئي (قدس سره) بناءً على الالتزامه بالواجب المعلق فانما افاد في حاشيته، على كلام صاحب العروة، «يجوز له التصرف قبل ان يتمكن من المسير»
قال: «الظاهر عدم جوازه»
وافاد في وجهه في التقريرات:
«يقع الكلام في التصرف المزبور تارة: من حيث الحكم التكليفي.
وأخري: من حيث الحكم الوضعي.
وثالثة: في ان المناط في عدم الجواز هل هو التمكن في تلك السنة او الاعم منها و من السنة الاخرى.
اما الجهة الاولى:
فلا ينبغي التأمل في ان وجوب الحج متى تنجز وصار الحكم فعلياً وان كان الواجب استقبالياً على نحو الواجب التعليقي ـ الذي هو امر ممكن وواقع حسبما فصلنا القول حوله في الاصول ـ فالعقل يستقل بلزوم حفظ القدرة وعدم جواز تفويت المقدمات المؤدية الى ترك الواجب في ظرفه لقبح التعجيز الاختياري بعد تحقق الملاك الملزم، فليس له بعد ما تنجز عليه التكليف بالحج ان يعدم استطاعته ويزيلها بالتصرف في المال تصرفاً خارجياً ام اعتبارياً من بيع او هبة ونحوهما. وهذا لاغبار عليه.
وانما الكلام في مبدأ الوجوب، وانه متي يتعلق التكليف بالحج كي لا يجوز التصرف المزبور بعد هذا الوقت.
فقد قيل:
ان مبدأه خروج الرفقة، فيجوز التفويت قبل هذا الزمان وان كان متمكناً من المسير و حده.
وقيل:
ان مبدأه التمكن من المسير ـ كما اختاره في المتن ـ وان كان ذلك قبل خروج الرفقة.
واختار جماعة منهم شيخنا الاستاذ (قدس سرهما):
ان مبدأه اول اشهر الحج اعني عند هلال شوال لقوله تعالى: {الحج اشهر معلومات}، فلا يجوز تفويت الاستطاعة بعد ذلك ويجوز قبله.
ولكن شيئاً من هذه الوجوه لا يتم.بعدم نهوض دليل معتبر عليه.
والآية المباركة، ناظرة الى ان الاشهر المعلومات ـ اي اشهر الحج وهي شوال وذي القعدة وذي الحجة ـ ظرف لعمل الحج وايقاعه الخارجي باعتبار ان جزئه عمرة التمتع وهي لا تصح الا في هذه الاشهر، وان كان الجزء الاخر مختصاً بشهر ذي الحجة لا انها ظرف لوجوبه الذي هو محل الكلام.
اذاً نبقى نحن و إطلاق آية الاستطاعة الظاهرة في اناطة الوجوب بهذا العنوان وانه متى ما تحققت الاستطاعة المفسرة في الاخبار بالزاد و الراحلة خارجاً واتصف المكلف بها، تعلق به الوجوب واصبح الحكم فعلياً، وان كان ذلك قبل اشهر الحج، فضلاً عن التمكن من المسير او خروج الرفقة.
ولذا لو فرضنا ان المكلف من سكنة البلاد النائية التي تستغرق مدة السفر عنها الى مكة اربعة او خمسةأشهر بل اكثر بحيث يلزمهم الخروج في شهر رجب مثلاً سيما في الازمنة السابقة التي كانت المراكب هي الجمال والدواب التي اقصى سيرها في كل يوم ثمانية فراسخ، لم يكن الاتلاف جائزاً في حقه قبل اشهر الحج معتذراً بعدم فعلية الوجوب عندئذٍ، اذ لازمه سقوط الحج عنه بالمرة لعدم امكان الامر به لا في اشهر الحج لمكان العجز، ولا قبله لفرض جواز الاتلاف.»[1]
«... وهو كما ترى لا يمكن الالتزام به قطعاً.
فيكشف ذلك:
عن ان الاعتبار في زمان الوجوب بحال حصول الاستطاعة دون غيره من اشهر الحج ونحو ذلك حسبما عرفت.
ومما ذكرناه يظهر الحال فى الجهة الثالثة:
وان المناط في عدم جواز التصرف المخرج هو حصول الاستطاعة والتمكن من الحج سواء أكان في تلك السنة ام السنة الاخرى لفرض مانع عنه في هذه السنة فلا يجوز له اتلاف المال ما لم يثق بحصوله بعدئذ للسنة اللاحقة.
فحاله حال من يكون بلده بعيداً عن مكة بمسافة سنتين مثلا، والتفكيك بينهما كما صنعه في المتن هو بعد وحدة المناط المقتضي لعدم الاستطاعة ـ المعلق عليها الوجوب ـ بعد حصولها حسبما عرفت.»[2]
وما افاده (قدس سره) من عدم جواز التصرف المخرج عن الاستطاعة بمجرد تمكنه من الاتيان بالحج ولو قبل التمكن من المسير او قبل خروج الرفقة او قبل اشهر الحج تام على ما اختاره من المبنى.
وذلك لانه التزم بتحقق الاستطاعة بمجرد تمكنه من الزاد والراحلة، فاذا حصل له ذلك وجب عليه الحج في سنته، وان الوجوب صار فعلياً بالنسبة اليه واستقر الحج في ذمته، وعدم مجيئ وقت الواجب لا يضر في فعلية الوجوب لالتزامه بالواجب المعلق.
ولكن التحقيق:
انه بعد ما مر من ان الميزان في الاستطاعة هو الاستطاعةالعرفية، وهي تتحقق بالزاد والراحلة مما يفي بالحج مضافاً الى ما عنده من مصارف معاشه الحضرية الضرورية، فان مع تمكنه منه، فانما يصير وجوب الحج فعلياً بالنسبة اليه في سنته، ولا يجوز له التصرف المخرج عنها فيما عنده.
والنكتة هنا انه لو حصل له هذا التمكن في ابتداء سنته وتأخر زمان الواجب اي اشهر الحج او خروج الرفقة عنه بشهور، ولكن يرى امكان الخروج الى الحج بالنسبة الى صحة البدن او امن الطريق او عدم المانع من خروجه له لكفى ذلك في تحقق الاستطاعة العرفية. ولو كان في حال تمكنه من الاتيان بالحج من جهة المال مريضاً لا يقدر فعلاً على الحركة ولكن يرى امكان صحته وخروجه للحج في وقته، او ليس الطريق آمنا او كان في وقته مانع عن خروجه ولكنه يرى امكان رفع المانع وامن الطريق، امكاناً عقلائياً، فانه تتحقق الاستطاعة العرفية، لان الامكان العقلائي كاف في تحققه في جميع الامور العقلائية غير الحج.
ولا مانع من جهة عدم دخول الوقت وعدم مجيئ اشهر الحج لما مر من التزامنا بالواجب المعلق، وعدم مانع من فعلية الوجوب قبل مجيئ زمان الواجب.
وعليه فلا يجوز له التصرف فيما عنده مما يفي بالحج بعد حصول المال وامكان اتيانه بالحج في وقته، ولو كان ذلك في اول سنته وقبل اشهر الحج وخروج الرفقة بشهور.
واما بناءً على عدم الالتزام بالواجب المعلق، فلو حصل له المال ويرى امكان الاتيان بالحج في سنته لا يجوز له ايضاً التصرف فيما عنده المخرج للاستطاعة بمقتضى الالتزام بوجوب المقدمات المفوتة، ومن جملتها التحفظ على ما حصل له كالاقدام على ما يتوقف عليه الاتيان بالحج في وقته.
ونظر الاعلام في عدم جواز التصرف فيما عنده المخرج عن الاستطاعة اذا علم تمكنه من الخروج الى الحج، بل احتماله راجع الى ما مر تقريبه من كفاية الامكان العقلائي للخروج في سنته.
كما انه يمكن ارجاع ما افاده صاحب العروة من ان المعيار في عدم جواز التصرف المخرج التمكن من المسير، امكانه دون التمكن الفعلي وان كان خلافاً لظاهر كلامه.
ومنه يظهر المناقشة فيما افاده الاعاظم من جواز التصرف فيه قبل خروج الرفقة او انه حيلة يمكن به الفرار عن الحج في سنته.
فظهر انه لو تصرف فيما عنده بما يخرجه عن الاستطاعة لبقيت ذمته مشغولة بالحج، واستقر عليه التكليف بالحج.
[1]. الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص131-133.
[2] . الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص131-133.