بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه چهل و پنج
قال [المحقق النائيني] (قدس سره) بعد كلام صاحب العروة: «نعم، لو استقر عليه وجوب الحج سابقاً فالظاهر التخيير، لانهما حينئذٍ في عرض واحد وان كان يحتمل تقديم الدين»:
« هذا هو الأقوى والفرق بين حالتي الحياة وما بعد الموت هو كونهما في حال الحياة في الذمة فيتوقف التخيير حينئذ على انتفاء الأهمية ويتعلقان بعد الموت بأعيان التركة فلا يبقى لرعاية الأهمية موقع.»[1]
وقرر السيد عبد الهادي الشيرازي: تقدم الدين الذي احتمله صاحب العروة في كلامه السابق، أوجه. وقرره السيد الاصفهاني: احوط.
قال السيد الحكيم (قدس سره) – ناظراً الى ما مر من بيان المحقق النائيني (قدس سره):
في ذيل كلام صاحب العروة (قدس سره):
«ولذا لو فرض كونهما عليه بعد الموت يوزع المال عليهما ولا يقدم دين الناس»
قال (قدس سره):
« يعني: أن توزيع التركة على الحج والدين بعد الوفاة يدل على عدم الأهمية للدين، وإلا لزم تقدم الدين على الحج. وفي بعض الحواشي الاشكال على ذلك: بأن الدين والحج لما تعلقا - بعد الموت - بأعيان التركة لم يبق لرعاية الأهمية موقع.
وفيه: أنه إذا كان الدين أهم كان اللازم أن لا يتعلق الحج بالتركة مع المزاحمة بالدين، كما لم يتعلق الميراث مع المزاحمة للوصية، ولا الوصية مع المزاحمة للدين، ولا الدين مع المزاحمة لتجهيز الميت فتعلق الحج والدين معا مع المزاحمة يدل على عدم أهمية الدين من الحج.
وقد تقدم في مبحث قضاء الصلوات: الاحتجاج على أهمية حق الله تعالى بما ورد، من أن حق الله أحق أن يقضى، وتقدم الاشكال فيه هناك.
فما اشتهر من أهمية حق الناس من حق الله تعالى دليله غير ظاهر.
وكأنه لما ورد: " من أن الذنوب ثلاثة: ذنب يغفر، وذنب لا يغفر وذنب لا يترك. فالذي يغفر ظلم الانسان نفسه، والذي لا يغفر ظلم الانسان ربه، والذي لا يترك ظلم الانسان غيره ".
وفيه:
أن الدلالة على ذلك غير ظاهرة، إذ لا تعرض فيه للأهمية، وإنما تعرضه للغفران، وأن ظلم الانسان نفسه يغفر وإن كان له من الأهمية ماله، وظلم الانسان غيره لا يغفر إلا بمراجعة صاحب الحق وإن لم يكن له شئ من الأهمية ما دام أنه حق للغير. فالحديث الشريف متعرض لغير ما نحن فيه.
وبالجملة: فهذا الحكم المشهور غير ظاهر، وإن كان تساعده مرتكزات المتشرعة. لكن في بلوغ ذلك حد الحجية تأمل.
نعم إذا كان الواجب الشرعي له يدل عند العجز، فدليل حق الناس يقتضي الانتقال إلى البدل لأنه ينقح العجز الذي هو موضوع البدلية.
أما في غير ذلك فغير ظاهر، وإن كان الظاهر التسالم على عدم وجوب الحج أو الصلاة أو الصوم إذا توقف أداؤها على التصرف في مال الغير.
لكن لم يثبت أن ذلك الأهمية حق الناس على حق الله تعالى، فإن الظاهر التسالم أيضا على عدم وجوب أداء الزكاة أو الخمس أو الكفارات إذا توقف على ذلك، مع أنها من حق الناس. وكذا الحال في وفاء الدين إذا توقف على ذلك.»[2]
وفيها افاده (قدس سره) نقطتان:
الاولى: عدم تقديم الدين على الحج في المقام لعدم ثبوت أهميته.
الثانية: عدم تمامية ما افاده المحقق النائيني (قدس سره) من سقوط أهمية الدين بعد الموت وثبوتها في حال الحياة في مفروض البحث.
اما النقطة الاولى:
فان ما اشتهر بينهم من اهمية حق الناس ربما ينشأ عن ان صاحب الحق في حق الله يمكن ان يذهب عن حقه ولكنه لا يذهب عن حقوق الناس، بل الغفران في موردها لا يمكن الا برضائهم. كما يستفاد ذلك من كثير من الاخبار وله وجه قوي.
هذا مع ان في دوران الامر بين حقه سبحانه مثل الحج والزكاة والخمس وبين حقوق الناس كالدين انما ينشأ الاشكال عن لزوم استيفاء هذه الحقوق بماله فان من استقر عليه وجوب الحج لزمه الاتيان به من ماله وكذا من استقر عليه الحق او الزكاة، ومن كان عليه دين وليس عنده ما يفي بإدائه اذا صرفه في هذه الحق فانه ليس موضوعاً لها ولذلك ان من استقر عليه الحج نقد أفتوا بلزوم اتيانه بالحج ولو متسكعاً ولا يفتون بلزوم الاستقراض ولو لم يثق بإدائه وهذا هو المعيار في تقديم الدين على استيفاء هذه الحقوق كما هو المعيار في عدم تحقق الاستطاعة اذا لم يكن عنده الا ما يفي بأداء دينه.
اما النقطة الثانية:
فان اساس الاشكال في بيان المحقق النائيني هو ان الاهمية انما تحاسب بلحاظ المناط والملاك الموجب للحكم. كما صرح عليه عند تزاحم الملاكين. وفي مثل المقام اي دوران الامر بين الحج والدين. فان في حالة الموت وان كان الحكم يتعلق بالأعيان اي اعيان التركة الا ان الاهمية قابل للتصوير فيه ايضاً، فان الحكم المنشأ من المناط والملاك الاهم يقتضي صرف التركة الى جانبه بلا فرق بين تعلق الحكم بالذمة او بأعيان التركة، لان الأهمية لا تنشأ من هذا التعلق بل الاهمية تنشأ من الملاك و هو محفوظ كلما كان الملاك محفوظاً، والملاك انما يحفظ بمجرد ثبوت الحكم الناشئ عنه. فاذا كان الحكم محفوظاً كوجوب أداء الدين فلا محالة يكون الملاك محفوظاً.
كما ان هذا الاشكال انما يرد على السيد الخوئي (قدس سره) القائل بان الحج بعد الموت يصير كساير الديون بلا فرق بينهما، حيث ان الحج كسائر الديون في لزوم الاداء، لا في الرتبة، لان الدين الناشئ عنه انما جاء من ناحية استقرار وجوب الحج وهو حكم نأشئ عن ملاك اهم. ولذلك ان ملاك التزاحم محفوظ حتى بعد الموت والوجه فيه التخيير إذا لم يكن أحدهما اهم.
وعليه يبتنى لزوم دفع ديون الناس قبل صرف التركة في الحج او الزكاة او الخمس، كما انه قد مر من عدم صدق كونه من تركة الميت إذا كان عليه دين. ولذلك ليست الوصية بها نافذة إذا لم يكن عنده غير ما يفي بدينه، كما ان مصارف تجهيزه ايضاً يشكل إذا لم يكن ما تركه غير اموال الناس.
[1]. العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 380.
[2]. السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقي، ج10، ص100-101.