بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه چهل و سه
ثم ان صاحب العروة (قدس سره) تعرض لمقالة المحقق النراقي ونقله في المتن:
«... وأما ما يظهر من صاحب المستند من أن كلا من أداء الدين والحج واجب، فاللازم بعد عدم الترجيح التخيير بينهما في صورة الحلول مع المطالبة، أو التأجيل مع عدم سعة الأجل للذهاب والعود.
وتقديم الحج في صورة الحلول مع الرضا بالتأخير، أو التأجيل مع سعة الأجل للحج والعود، ولو مع عدم الوثوق بالتمكن من أداء الدين بعد ذلك حيث لا يجب المبادرة إلى الأداء فيهما فيبقى وجوب الحج بلا مزاحم.»
واورد عليه:
«ففيه: أنه لا وجه للتخيير في الصورتين الأوليين، ولا لتعيين تقديم الحج في الأخيرتين بعد كون الوجوب تخييرا أو تعيينا مشروطا بالاستطاعة الغير الصادقة في المقام، خصوصا مع المطالبة وعدم الرضا بالتأخير، مع أن التخيير فرع كون الواجبين مطلقين وفي عرض واحد والمفروض أن وجوب أداء الدين مطلق، بخلاف وجوب الحج فإنه مشروط بالاستطاعة الشرعية.
نعم لو استقر عليه وجوب الحج سابقا فالظاهر التخيير لأنهما حينئذ في عرض واحد وإن كان يحتمل تقديم الدين إذا كان حالا مع المطالبة، أو مع عدم الرضا بالتأخير لأهمية حق الناس من حق الله لكنه ممنوع.
ولذا لو فرض كونهما عليه بعد الموت يوزع المال عليهما، ولا يقدم دين الناس ويحتمل تقديم الأسبق منهما في الوجوب، لكنه أيضا لا وجه له كما لا يخفى.»[1]
وتاكيده (قدس سره) على عدم وجاهة التخيير في الدين الحال مع المطالبة، او التاجيل مع عدم سعة الاجل للذهاب والعود.
وكذا عدم وجاهة تقديم الحج فيما كان الدين حالاً مع الرضا بالتأخير او التأجيل مع سعةالاجل للحج والعود.
ووجهه اولاً:
ان وجوب الحج تعينياً او تخييراً بينه وبين اداء الدين مشروط بالاستطاعة وهي غير متحققةفي المقام.
واكد في عدم الوجاهة عند عدم الرضا بالتأخير. وكذا عند المطالب
وثانياً:
انه لا وجه للتخيير، لان التخيير فرع كون الواجبين مطلقين وفي عرض واحد.
وفي المقام ان وجوب اداء الدين مطلق، واما وجوب الحج فمشروط بالاستطاعة الشرعية، فليسا الواجبان في عرض واحد حتى امكن تصوير التخيير بينهما.
ثم افاد بان التخيير يمكن تصويره هنا اذا استقر وجوب الحج على ذمته سابقاً ولم يات به فهنا ان في عهدته وجوبان وجوب الحج ووجوب اداء الدين.
فهما في عرض واحد.
لكنه في هذه الصورة ايضاً احتمل تقدم الدين اذا كان حالاً مع المطالبة او مع عدم الرضا بالتأخير. لاهمية حق الناس من حق الله.
ثم دفع هذا الاحتمال، لان في فرض استقرار الحج، وكونه مديوناً، ومات لا يتم الالتزام بتقديم دين الناس بمقتضي النص، بل المال يوزع بين الحج والدين، والمورد مثله.
واحتمل في هذه الصورة تقديم الاسبق منهما لان الذمةاشتغلت بالسابق اولاً، فلا يبقي موضوع للاخر.
وافاد بانه لا وجه لهذا الاحتمال ايضاً ولم يذكر وجه دفعه لظهوره حيث افاد كما لا يخفى.
واورد عليه السيد الخوئي:
« واما ما ذكره في المتن من منع اهمية أداء الدين نظراً الي ما ورد فيمن مات وعليه دين وحج من توزيع تركته بينهما، اذا لو كان الدين اهم لاختصت التركة به.
ففيه ما لا يخفي:
لوضوح الفرق بين حالتي الموت والحياة، اذ التكليف بالحج يسقط بالموت جزماً فلا يبقي الا الحكم الوضعي البحت وهو كونه ديناً كساير الديون كما قد اطلق الدين عليه في بعض الاخبار ايضاً.
ومن الضروري عدم الفرق بين دين ودين، فان حقوق الديان ـ ومنها الحج ـ متساوية الاقدام بالاضافة الي التركة، ولا تكاد تلاحظ الاهمية هنا بوجه.
فلو كان مديناً لأتقي الأتقياء ولأشقي الأشقياء وقد مات توزع تركته عليهما بالسوية بلا خلاف ولا اشكال، فالتوزيع بعد الممات الوارد في المقام لاشهادة فيه علي التساوي وعدم اهمية اداء الدين في حال الحيوة التي هي محل الكلام كمالايخفي.
علي ان التوزيع المزبور لم يدل عليه اي دليل وان كان مذكوراً في كلمات الفقهاء (قدس الله اسراههم).
بل قد ورد النص بخلافه وانه ينقدم الحج، فان بقي شيءً صرف في الدين، وهي صحيحة بريد العجلي. قال: سالت ابا جعفر (عليه السلام) عن رجل خرج حاجاً ومعه جمل له ونفقة وزاد فمات الطريق؟
قال: «ان كان صرورة ثم مات في الحرم فقد اجزأ عند حجة الاسلام، وان كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجة الاسلام، فان فضل من ذلك شيءً فهو للورثة ان لم يكن عليه دين»، حيث دلت علي الصرف اولاً في الحج ثم في الدين ثم في الارث.
نعم، هي حولة علي صورة استقرار الحج كما لايخفي، ونحوها صحيحة معاوية بن عمار الواردة في الزكاة.
وكيفما كان فمحل الكلام تكليف الشخص نفسه حال حياته وانه لدي الدوران والمزاحمة هل يقدم الحج او اداء الدين.
والتوزيع المزبور لو ثبت بعد الممات لا شهادة فيه علي الحكم في حال الحيوة بوجه حسبما عرفت.»
وحاصل ما افاده:
ان ما افاده صاحب العروة (قدس سره) من منع تقديم الدين على الحج ـ في فرض استقرار وجوب الحج سابقاً مع كونه مديوناً فعلاً ـ بانه لا يقدم الدين على الحج لو فرض وجوبها على المكلف بعد الموت، بل يوزع المال عليهما.
لا يمكن المساعدة عليه.
ولا وجه لاشتراك الحكم بين حالة الحياة والموت في المقام وذلك:
لان التكليف بالحج يسقط بالموت، ولا يبقى بالنسبة الى المكلف الا الحكم الوضعي. وهو كون عهدته مديونة بالحج كساير الديون. ولا فرق بين دين ودين ولا رجحان ولا اهمية بالنسبة الى الدين المنشأ بترك الحج والدين بالنسبة الى الناس، ولذا يوزع المال بين الدينين وتوزع التركة عليهما بالسويّة.
وهذه القضية مختصة بما بعد الموت، وما قيل في توزيع المال بعد الموت لا دلالة فيه على عدم تقديم الدين بلحاظ اهميته في حال الحياة.
فالدين مقدم على الحج في حال الحياة ولا دخل لما قد يقال في حال الموت فيه.
هذا كله مع انه لا دليل على توزيع التركة بين الحج والدين بعد الموت ولكنه مذكور في كلمات الفقهاء (قدس الله اسرارهم).
بل ان مع وجوبهما على المكلف وقدمات قد ورد الدليل على تقديم الحج وانه يلزم على الورثة صرف التركة في الحج فإن بقي شيء صرف في الدين.
نظير:
ما رواه الكليني عن عدةمن اصحابنا عن احمد بن محمد عن ابن محبوب عن ابن رئاب، عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن رجل خرج حاجا ومعه جمل له ونفقه وزاد فمات في الطريق ؟
قال: إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الاسلام، وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجة الاسلام، فإن فضل من ذلك شئ فهو للورثة إن لم يكن عليه دين.
قلت: أرأيت إن كانت الحجة تطوعا ثم مات في الطريق قبل أن يحرم، لمن يكون جمله ونفقته وما معه ؟
قال: يكون جميع ما معه وما ترك للورثة، إلا أن يكون عليه دين فيقضى عنه، أو يكون أوصى بوصيه فينفذ ذلك لمن أوصى له، ويجعل ذلك من ثلثه.
ورواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم، عن الحسن بن محبوب نحوه.
ورواه الصدوق بإسناده عن علي بن رئاب، وكذا الذي قبله.[2]
والرواية صحيحة على ما افاده (قدس سره)، لان الكليني رواها عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد.
والعدة الذين يرون عن احمد بن محمد بقرينة نقله عن الحسن بن محبوب، هو احمد بن محمد بن عيسى، هم جماعة بينهم ثقاة نظير علي بن ابراهيم واحمد بن ادريس ومحمد بن يحيى. وتعد العدة من الطبقة الثامنة.
ويحتمل كونه احمد بن محمد بن خالد، والعدة الذين يروون عنه ايضاً بينهم ثقاة مثل علي بن ابراهيم.
ولا يضر بعد وثاقة كليهما. اما ابن عيسى، فوثقه الشيخ في الرجال وكذا العلامة. واما ابن خالد فوثقه الشيخ في الفهرست والنجاشي في رجاله. وهما من الطبقة السابعة.
واما الحسن بن محبوب السراد او الزراد، وثقه الشيخ في الرجال والفهرست وابن ادريس في السرائر والعلامة، وهو من اصحاب اجماع الكشي. وهو من الطبقة السادسة.
وهو رواه عن ابن رئاب، والمراد علي بن رئاب، قال الشيخ فيه: «ثقة، جليل القدر» وكذا العلامة. وهو من الطبقة الخامسة.
وهو رواه عن بريد العجلي، والمراد: بريد بن معاوية العجلي، قال النجاشي: « وجه من وجوه أصحابنا ، وفقيه أيضا ، له محل عند الأئمة (عليهم السلام).»[3]
وقال الكشي: انه ممن اجمعت العصابة على تصديقهم وانقادوا لهم بالفقه، و بسند صحيح انه قال ابو عبدالله (ع): بشر المخبتين بالجنة بريد بن معاوية العجلي وابو بصير ليث بن البختري المرادي ومحمد بن مسلم أربعة نجباء، أمناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوّة واندرست.[4] وبخمس طرق منها صحيح عن ابي عبدالله (ع): بريد بن معاوية وزرارة ومحمد مسلم والاحول احب الناس الي احياءً ومواتاً، ولكن الناس يكثرون على فيهم فلا أجد بدا من متابعتهم.وهو ادرك ابا جعفر الباقر ومات في عصر ابي عبدالله الصادق (عليهما السلام) ومن الطبقة الرابعة.
ولهذه الرواية مسندان آخران:
1 - اسناد الشيخ الى موسى بن القاسم عن الحسن بن محبوب. واسناده الى موسى بن القاسم صحيح. وموسى بن القاسم بن معاوية بن وهب العجلي قال النجاشي: « ثقة ثقة.» و وثقه الشيخ في رجاله وكذا العلامة. وهو من الطبقة السادسة.
وقد روى الخبر عن الحسن بن محبوب. فالرواية بطريق الشيخ ايضاً صحيحة.
2 - اسناد الصدوق عن ابن رئاب، وهو صحيح ايضاً، فالرواية صحيحة بطرقه الثلاثة.
وافاد بان نحو صحيحة البريد، صحيحة معاوية بن عمار الواردة في الزكاة: وهي
ما رواه الكليني في الفروع عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار قال : قلت له :
رجل يموت وعليه خمس مائة درهم من الزكاة ، وعليه حجة الاسلام ، وترك ثلاثمائة درهم ، وأوصى بحجة الإسلام وأن يقضى عنه دين الزكاة ؟ قال : يحج عنه من أقرب ما يكون ، ويخرج البقية في الزكاة .[5]
وهذه الرواية صحيحة على ما افاده (قدس سره)، لان الكليني رواه عن علي بن ابراهيم، وقد مر تمامية وثاقته. وانه من الطبقة الثامنة.
وهو رواه عن ابيه ابراهيم بن هشام، وهو موثق على الأقوى. ومن الطبقة السابعة.
وهو رواه عن محمد بن ابي عمير، وهو اجل من التوثيق. ومن الطبقة السادسة.
وهو رواه عن معاوية بن عمار، وقد مر توثيق النجاشي والعلامة له. وهو من الطبقة الخامسة.
اما جهة الدلالة فيهما:
فأفاد (قدس سره) بان المستفاد منهما تقديم الحج على ديون الناس كما في الاول، وتقديمه على الزكاة كما في الثاني، وعليه فلا اساس للالتزام بتوزيع مال المتوفى بين الواجبين فضلاً عن توزيعه حال حياته.
[1]. العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 379-381.
[2]. وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 26 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص68-69، الحديث14262/2.
[3] . النجاشي، رجال النجاشي، ص112، الرقم287.
[4] . الشيخ الطوسي، اختيار معرفة الرجال، ج1، ص398، الرقم 286.
[5] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج9، الباب 21 من أبواب المستحقين للزكاة، ص255، الحديث11962/2.