بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سي و هفت
وافاد صاحب الجواهر بما يقرب من كلام صاحب العروة (قدس سره):
«ولو كان له مال وعليه دين حال بقدره خمس أو زكاة أو كفارة أو نذر أو لآدمي، لم يجب الحج لعدم الاستطاعة باعتبار سبق وجوب الوفاء بما عنده على وجوب الحج إلا أن يفضل عن دينه ما يقوم بالحج فيجب حينئذ لصدقها ـ الاستطاعةـ.
بل في المنتهى والقواعد والدروس سواء كان الدين حالا أو مؤجلا معللا له في الأول بأنه غير مستطيع مع الحلول، والضرر متوجه عليه مع التأجيل فيسقط الفرض،
قلت: ولتعلق الوجوب به قبل وجوب الحج وإن وجب أو جاز التأخير إلى أجله، لكنه لا يخلو من نظر أو منع ولذا حكي عن الشافعية في المؤجل وجه بالوجوب، بل مال إليه في المدارك، بل وفي الحال مع عدم المطالبة، قال:
ولمانع أن يمنع توجه الضرر في بعض الموارد كما إذا كان الدين مؤجلا أو حالا لكنه غير مطالب به وكان للمديون وجه للوفاء بعد الحج، متى انتفى الضرر وحصل التمكن من الحج تحققت الاستطاعة المقتضية للوجوب، وقد روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار سأل الصادق ( عليه السلام ) " عن رجل عليه دين أعليه أن يحج ؟ قال:
نعم إن حجة الاسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين " بل لم يعتبر في كشف اللثام وجود وجه للمديون للوفاء، فإنه بعد أن حكى ذلك عن الشافعية. قال:
" ولا يخلو من قوة سواء كان ما عليه من حقوق الله كالمنذور وشبهه أو من حقوق الناس، لأنه قبل الأجل غير مستحق عليه، وعند حلوله إن كان عنده ما يفي به أداه، وإلا سقط عنه مطلقا أو إلى ميسرة، وكما يحتمل التضييع بالصرف في الحج يحتمل فوت الأمرين جميعا باهماله، خصوصا والأخبار وردت بأن الحج أقضى للديون.
ويؤيده ما مر من صحيح معاوية إن لم يحمل على من استقر عليه الحج سابقا " وهو جيد في المؤجل دون الحال وإن لم يطالب به صاحبه الذي قد خوطب المديون بوفائه قبل الخطاب بالحج، فتأمل. »[1]
وظاهره (قدس سره) صدق الاستطاعة في الدين المؤجل، مع ما افاده في صدر المسألة من وجود ما يفضل عن دينه ما يقوم بالحج والذي أكد عليه فيما اختاره (قدس سره) تقدم وجوب الوفاء بما عنده على وجوب الحج، ولذا منع عن الاستطاعة عند كون الدين حالاً وان لم يطالب به صاحبه.
هذا وقد اورد على هذه المقالة السيد الحكيم (قدس سره) في مستمسك العروة فيما مرّ من كلامه:
ان التأمل فيما يعتبر في الاستطاعة يقتضي مانعية الدين للاستطاعة مطلقاً من غير فرق بين المؤجل والحال مع المطالبة وبدونها.
وذلك: لان الظاهر من روايتي ابي الربيع الشامي وعبد الرحيم القصير اعتبار السعة واليسار في الاستطاعة وهما غير حاصلين مع الدين.
اما رواية ابي الربيع:
فهي ما رواه محمد بن يعقوب عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد عن ابن محبوب عن خالد بن جرير عن ابي الربيع الشامي قال:
سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن قوله الله (عزّوجل) عن قول الله عز وجل: ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) فقال ما يقول الناس ؟
قال: فقلت له: الزاد والراحلة، قال: فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ): قد سئل أبو جعفر ( عليه السلام ) عن هذا ؟ فقال: هلك الناس إذا، لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت عياله ويستغني به عن الناس ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذا، فقيل له: فما السبيل ؟ قال: فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض ويبقى بعضا لقوت عياله، أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلا على من من يملك مائتي درهم.
ورواه الشيخ بأسناده عن محمد بن يعقوب.
ورواه الصدوق بأسناده عن ابي الربيع الشامي.
ورواه في العلل عن محمد بن موسى بن المتوكل عن عبدالله بن جعفر الحميري عن احمد بن محمد عن الحسن بن محبوب مثله.
ورواه المفيد في المقنعة عن ابي الربيع مثله الا انه زاد بعد قوله: ويستغني به عن الناس: يجب عليه أن يحج بذلك ثم يرجع فيسأل الناس بكفه ؟ لقد هلك إذا، ثم ذكر تمام الحديث، وقال فيه: يقوت به نفسه وعياله.[2]
وجهة الدلالة فيها: تبيين السبيل في كلامه (عليه السلام) بالسعة في المال وتوضيحها بان يكون عنده ما يحج ببعض ويبقي بعضاً لقوت عياله وفي زيادة نقل المفيد ويستغني به عن الناس القابلة للشمول في مورد الدين حيث ان المديون إذا الم يكن عنده ما يفي بأداء دينه ليس مستغنياً عنهم.
اما جهة السند:
فرواه الكليني(قدس سره) عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد والعدة المذكورة اذا كانت روايتهم عن احمد بن محمد بن عيسى فبينهم ثقاة كعلي بن ابراهيم واحمد بن ادريس الاشعري وان كان عن احمد بن محمد بن خالد البرقي فبينهم ثقاة كعلي بن ابراهيم القمي والاظهر ان احمد بن محمد هنا هو احمد بن محمد عيسى لأنه من عمدة رواة الحسن بن محبوب وان يحتمل كونه احمد بن محمد بن خالد لنقله ايضاً عن ابن محبوب الا ان العدة الراوية عنهما بينهم ثقاة. وتندرج في الطبقة الثامنة.
واما احمد بن محمد بن عيسى ابن عبدالله سعد الاشعري، وثقه الشيخ في الرجال وكذا العلامة. وهو من الطبقة السابعة.
ومع احتمال كونه ابن خالد البرقي فهو ايضاً من اعلام الثقات وثقه النجاشي و الشيخ في الفهرست وكذا العلامة. وهو ايضاً من الطبقة السابعة.
وهو رواه عن ابن محبوب والمراد الحسن بن محبوب السراد او الزراد وثقه الشيخ (قدس سره) في كتابيه، ووثقه ابن ادريس في السرائر، وكذا العلامة. وهو من اصحاب اجماع الكشي وممن اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه. ومن اصحاب ابي الحسن الرضا (عليه السلام) ومن الطبقة السادسة.
وهو رواه عن خالد بن جرير ابن عبدالله البجلي من رواة الصادق (عليه السلام) له كتاب روى عنه الحسن بن محبوب على ما افاده النجاشي.
قال الكشي محمد بن مسعود قال: سالت علي بن الحسن عن خالد بن جرير الذي روي عنه الحسن بن محبوب فقال: كان من بجيلة وكان صالحاً. وروى ايضاً ببعض ما يدل على مدحه.[3]
اما ما نقله عن محمد بن مسعود العياشي الذي قال فيه النجاشي ثقة صدوق عين من عيون هذه الطائفة عن حسن بن علي الفضال فإنما يدل على حسن الرجل. ولا تنصيص على وثاقته في كتب الرجال، ولم يرد فيه ضعف في الحديث او العقيدة فيها. وكون مثل الحسن بن محبوب من رواة كتابه يزيد في حسنه واعتباره. وهو من الطبقة الخامسة
وهورواه عن ابي الربيع الشامي:
وهو خليد بن اوفى او خالد وفي الخلاصة اسمه خليل بن ارقا، وفي جامع الرواة كأنه تصحيف من بعض النساخ.
ففي رجال النجاشي والفهرست: الحسن بن محبوب عن خالد بن جرير عنه بكتابه.
وقال في جامع الرواة: قال الشهيد الثاني في شرح الإرشاد في صحة الطرق الى الحسن بن محبوب واجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه توثيق ما وفيه نظر.
وروى عنه جماعة مثل منصور بن حازم وعبدالله بن مسكان ويونس بن عبدالرحمن كما ان محمد بن عيسى روي عن يونس عنه.
وبالجملة: لاتنصيص على وثاقته في كتب الرجال وليس فيها ضعف في نقله او عقيدته ايضاً.
[1] .الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، ج17، ص258-259.
[2] .وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 9 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص37، الحديث1418/1.
[3] .الشيخ الطوسي، اختيار معرفة الرجال، ج2، ص636، الرقم 642.