بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بيست و يك
الثالث:
مورد تعلق الأمر بعمل خاص ثم يشك في التخيير بينه وبين عمل آخر، كما اذا علم بلزوم الصوم وشك في ان وجوبه تعييني او انه يتخير بينه وبين العتق.
وفي هذا المورد مذهبان:
1 - الالتزام بالتخيير، بملاك ان الوجوب التخييري حقيقة هو التعلق بالجامع بين الفعلين. فهو يعلم بتعلق التكليف بالجامع بين الصوم والعتق، وإنما يشك في خصوصية زائدة عليه وهي خصوصية الصوم.
وعليه يكون المورد من موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر، والمرجع فيه البرائة.
2 - الالتزام بالتعيين بملاك ان التكليف بالجامع مشكوك، والمعلوم تعلقه بالحصة الخاصة، فيشك في الامتثال بغير هذا العمل، ومقتضي الشك في الامتثال اشتغال الذمة بالتكليف ومقتضي ذلك التعيين.
اذا عرفت ذلك فأعلم ان ما نحن فيه – اي دوران الأمر بين المحذورين – لا يكون من احد هذه الموارد، فلا يتم فيه احد هذه الملاكات الجارية في دوران الأمر بين التعيين والتخيير. فلا وجه للالتزام بتعيين محتمل الأهمية فيما نحن فيه.
فإن قلت:
ان تقديم محتمل الأهمية ليس بأحد هذه الملاكات، بل انما نلتزم به لأن حكم العقل بالتخيير انما هو بملاك ان الزامه بأحدهما ترجيح بلا مرجح، وهذا البيان لا يتأتى مع احتمال اهمية احدهما، فإن الزامه بأحدهما لا يكون من الترجيح بلا مرجح.
قلت:
ان نظر العقل في حكمه بالتخيير لأجل عدم صحة الترجيح بلا مرجح، هو عدم المرجح بلحاظ مقام الاطاعة والعصيان، لعدم تنجز احد الحكمين بالعلم الاجمالي كما تقدم، واذا لم يترجح احدهما بلحاظ هذا المقام كان كل منهما بنظر العقل علي حد سواء، ومن الواضح ان احتمال اهمية الوجوب او الحرمة لا يكون موجباً لترجيح جانب الوجوب او الحرمة علي غيره في مقام الاطاعة، لعدم المنجز لأن نسبة العلم الاجمالي الي كليهما علي حد سواء، ومجرد الاحتمال لا يكون نافعاً في التعيين.
هذا اما افاده في المقام تبعاً للمحقق النائيني (قدس سره)، وقد عرفت ان اساس ما اختاره هنا هو عدم تنجز العلم الاجمالي، وعدم ثبوت تكليف في دوران الأمر بين المحذورين
ويمكن ان يقال:
اولاً: انه لو حصل لنا العلم بثبوت تكليف في الواقع علي فعل، ولا يعلم انه هو الوجوب او الحرمة، فإن العلم بالتكليف حاصل وانما يثبت به التكليف، والاجمال انما نشأ من الجهل بأنه هو الوجوب او الحرمة.
فإذا ثبت هنا رجحان ومزية لإحدهما.
اما بحسب الاحتمال ككون احتمال كون التكليف الحرمة اقوي من احتمال كونه هو الوجوب.
وأما بحسب المحتمل، كفرض كون الملاك لأحد التكليفين اقوي من الآخر، فهنا نسئل بأن العقل كيف يحكم في المقام.
فإذا فرضنا انه يحكم بنفي التكليف فهو ينافي العلم بثبوته، والمفروض ان العلم حجة لا بجعل جاعل، اذ لا شك في ثبوت تكليف في الفعل، وانما يتردد بين كونه الوجوب او الحرمة.
واذا لم يمكنه الحكم بنفي التكليف، فهل يأمر بالأخذ بغير الاهم او ذي المزية، وهو يستلزم ترجيح المرجوح.
او يحكم بترجيح ذي المزية وهو المطلوب، وليس مراد صاحب الكفاية من الالتزام بالأخذ بذي المزية الا ذلك.
وكذلك عند احتمال المزية في احدهما، فإن لنا العلم بثبوت التكليف اي جنسه، وإنما يشك في نوعه اما الوجوب او الحرمة، ويحتمل رجحانا لحرمة اما احتمالاً او محتملاً، فإن العقل الحاكم في مقام الاطاعة والامتثال، هل يحكم بتحقق الامتثال عند الاتيان بغير محتمل الرجحان؟
فإن الأخذ به انما يستلزم الشك في الامتثال، والشك فيه يساوق عدم تحقق الامتثال.
وثانياً:
انه اذا علم بوجوب احدي الصلاتين او حرمة احد الشيئين، او وجوب احدهما وحرمة الآخر، فإنه التزم الجميع ان المعلوم بالاجمال في هذه الموارد يكون مثبتاً مولوياً محركاً لإرادة العبد مع ما هو عليه من الاجمال.
وقد افاد المحقق النائيني (قدس سره) فيما مر من كلامه بعد بيانه « إذ لو فرض أن التكليف من أول الأمر شرع على هذا الوجه - أي تعلق التكليف واقعا وفي نفس الأمر بأحد الشيئين لا على التعيين - لم يلزم محذور من ذلك وصح أن يكون معجزا مولويا ومحركا للإرادة في عالم التشريع.»[1]
فان في مثل هذه الموارد ليس لنا ملاكان ثابتان يقتضي اطلاق كل منهما نفي الآخر، بل ليس لنا الا ملاك واحد، وهو في الاخير اما ملاك الوجوب وإما ملاك الحرمة.
وفي مقام ثبوت التكليف بهذا النحو، اي العلم بجنسه مع الاجمال في نوعه، كيف يحكم العقل عند عدم تساوي الملاكين ووجود المزية في احدهما، او احتمال المزية فيه، ولا تفاوت بين هذه الموارد وبين مورد دوران الأمر بين المحذورين الا رجوع الأمر فيه الي التكليف اما بالفعل او تركه، وكون تعلق الطلب بالترك تحصيلاً للحاصل، وقد مر ما فيه تفصيلاً.
فإذا جري التزاحم بنفسه او بملاكه في هذه الموارد فلم لا يجري ملاكه في دوران الأمر بين المحذورين – مع قطع النظر عن تعلق التكليف بالفعل او الترك، الذي التزم الاعلام بأن التكليف في مورده تحصيل للحاصل – وأساس كلام صاحب الكفاية ان للعقل الحكم بالأخذ بالوجوب او الأخذ بالحرمة عند التساوي، والأخذ بأحدهما المعين اذا كان فيه مزية او احتمال المزية.
[1]. الشيخ محمد علي الكاظمي، فوائد الاصول تقرير البحث السيد النائيني، ج3، ص443.