بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بيست و يك
وقد افاد المحقق النائيني (قدس سره):
انه لوكان المديون مماطلاً وتوقف استيفاء الدين على تشبث بوجه مثل ما افاده صاحب العروة بامكان اجباره باعانة متسلط او كان منكراً و يلزم اثبات الدين بالمراجعة الى الحاكم الشرعي او توقف استيفاؤه على الرجوع الى حاكم الجور بناء على جواز الرجوع اليه ففي جميع هذه الموارد لا يجب الحج، لان التشبث باي واحد منها لايستفاء الدين يكون من تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب.
قال (قدس سره) في حاشيته:
«ان لم يكن المديون باذلا و توقف الاستيفاء على تشبث آخر كان من القدرة على تحصيل الاستطاعة و لايجب على الاقوى.»
وافاد السيد الحكيم (قدس سره) في تبيينه:
«فالمعتبر في الوجوب ـ وجوب الحج ـ امران:
الأول: أن يملك الزاد والراحلة.
الثاني: أن يكون قادرا على ذلك قدرة فعلية، فإذا انتفى الأول ولكن كان قادرا عليه كان قادرا على الاستطاعة لا مستطيعا، وإذا كان مالكا ولم يكن قادرا عليه قدرة فعلية لكن كان قادرا على تحصيل القدرة الفعلية أيضا لا يكون مستطيعا بل يكون قادرا عليها.
ومن ذلك يظهر الاشكال فيما إذا كان المديون مماطلا، وتوقف استنقاذ الدين على الاستعانة بالحاكم الجائر أو الحاكم الشرعي أو غيرهما، فإنه مع المماطلة لا قدرة فعلية.
نعم القدرة على الاستعانة بالمذكورين قدرة على تحصيل الاستطاعة، فلا يجب معها الحج، كما أشار إلى ذلك بعض الأعاظم في حاشيته.»[1]
ويمكن ان يقال:
ان بيان المحقق النائيني (قدس سره) تبيين السيد الحكيم له يرجع الى امر هام في مقام تحقق الاستطاعة وذلك.
ان الاستطاعة انما تحقق اذا كان للشخص ما يتمكن معه من الزاد والراحلة بالفعل مضافاً الى ما يحتاج اليه في معاشه الحضرية اللائقة به المتعارفة و من كان له دين على شخص اخر وكان مماطلاً فانه ليس عنده ما يتكفلهما بالفعل و ان كان مالكاً بالقوة و امكن له تحصيل.
وعليه فان في مثل المقام ان الاستطاعة غير متحققة.
نعم هو يقدر على الاستعانة والتشبث بسلوك الطرق المذكورة، يقدر به على استيفاء حقه. ولا شبهة في انه لو استعان بها واخذ دينه صار مستطيعاً و يجب عليه الحج الا ان الكلام في انه هل يجب عليه هذا التشبث و هذه الاستعانة ام لا.
فافاد مثل المحقق النائيني (قدس سره) بان التشبث المذكور تحصيل للاستطاعة و كونه قادراً عليه ومتمكناً منه لا يزيد الا على كونه قادراً على تحصيل الاستطاعة و الكلام انما هو في وجوب هذا التحصيل، فان الحج واجب مع فرض تحقق الاستطاعة، واما تحصيل الاستطاعة فلا دليل على وجوبها و بما ان هذه الموارد تعد من تحصيل الاستطاعة، فلا يجب و انه لا يجب عليه الحج لعدم تحققها.
و هذا تام لا نقاش فيه و لكنه يبتني عليه.
انه لا يتلبس هذه الموارد – اي موارد الاستعانة والتشبث بالرجوع الى الحاكم الشرعي او الحاكم الجائر او غيرهما بالوجوب بعنوان المقدمية للواجب ضرورة انه ليس لنا وجوب بعنوان الحج حتى تجب مقدمته و وجبت هذه الامور بعنوان المقدمية للواجب لفرض عدم تحقق الاستطاعة بالفعل وانما يظهر اثره في الركون الى حاكم الجور، فانه مع تمامية القول بجواز الركون اليه، فان لا يتلبس بالوجوب من باب المقدميّة، اذ ليس هنا وجوب للحج حتى يقتضي وجوب مقدمته.
نعم، لو ركن و وفق باستيفاء دينه صار مستطيعاً في فرض جواز الركون. وبه يجب عليه الحج، واما لو لم يركن باي جهة فلا وجه للقول بوجوب الركون في المقام كما قواه صاحب الجواهر (قدس سره) و مر تقريب بيانه.
وحينئذ فان مثل السيد الحكيم القائل بهذه المقالة، اي عدم تحقق الاستطاعة اذا كان المديون مماطلاً، فكيف يشكل على صاحب الجواهر القائل بعدم وجوب الركون في المقام، بانه اذا قلنا بجواز الركون فانه يتصف الركون بالمقدمية للواجب ويجب، فانه حسب ما اختاره في المقام ليس هنا وجوب للحج حتى يسري الى الركون بعنوان المقدميّة.
فما افاده (قدس سره) في المقام يتنافى مع ما اورده على صاحب الجواهر (قدس سره) نعم، ما افاده المحقق النائيني وتبعه وبينه السيد الحكم تام غير قابل للمناقشة وليعلم ان صاحب العروة (قدس سره) انما يرى تحقق الاستطاعة لمن كان له دين على شخص بمقدار مؤونته، حيث افاد فيما ما من كلامه.
« فاللازم اقتضاؤه وصرفه في الحج إذا كان الدين حالا ، وكان المديون باذلا ، لصدق الاستطاعة حينئذ.
وكذا إذا كان مماطلا وأمكن إجباره بإعانة متسلط أو كان منكرا وأمكن إثباته عند الحاكم الشرعي وأخذه بلا كلفة وحرج.
وكذا إذا توقف استيفاؤه على الرجوع إلى حاكم الجور بناء على ما هو الأقوى من جواز الرجوع إليه مع توقف استيفاء الحق عليه ، لأنه حينئذ يكون واجبا بعد صدق الاستطاعة ، لكونه مقدمة للواجب المطلق.»
وهو صريح في انه (قدس سره) يرى امكان اجبار المديون او امكان اثبات الدين عند الحاكم الشرعي، وامكان استيفائه بالرجوع الى حكام الجور كافياً في تحقق الاستطاعة، كتحققها عند كون المديون باذلاً و كون الدين حالاً و مع تحقق الاستطاعة بذلك يجب الحج لا محالة، وانما يمنع عن وجوبه مماطلة المديون، فيلزم رفعه مقدمة للاتيان به فيسري الوجوب لا محالة من الحج اليه، ولذا يلتزم بان هذه المذكورات واجبة بعنوان مقدمة الواجب.
و هذا ما عرفت عدم تماميته وان الاستطاعة غير متحققة بالفعل و صرف كونه مالكاً لمال في يد غيره لا يوجب تحقق الاستطاعة ما لم يقع في يده و لا يأخذه بالفعل.
كما عرفت، ان اشكال السيد الحكيم على صاحب الجواهر انما ينشأ من هذا المبنى التي اختاره صاحب العروة من تحقق الاستطاعة بامكان اخذ الدين بهذه الامور كما عرفت تنافيه مع ما اختاره وفاقاً للمحقق النائيني من عدم تحقق الاستطاعة.
[1]. السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقي، ج10، ص90.