بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پانزده
وأفاد في اجود التقريرات:
«والحاصل: ان الجامع المعلوم في موارد العلم الاجمالي لا بد وأن يكون قابلا لتعلق التكليف التخييري به عقلا كما في موارد العلم الاجمالي بخصوص الوجوب أو خصوص الحرمة أو شرعا كما في موارد العلم بوجوب شئ أو حرمة شئ آخر، فإن الجامع المعلوم فيها لكونه الزاما مرددا بين تعلقه بالفعل أو الترك لا يمكن تعلق خطاب شرعي به حتى يكون التخيير عقليا لكنه قابل لتعلق الخطاب التخييري الشرعي به فلا محالة يكون العلم الاجمالي منجزا.
واما في المقام فحيث ان المعلوم الجامع المردد بين فعل الشئ وترك ذلك بعينه واحدهما لا بعينه حاصل من المكلف لا محالة فلا يكون قابلا للخطاب التخييري العقلي ولا الشرعي فلا يتحقق شرط منجزية العلم الاجمالي.»[1]
هذا ما افاده بالنسبة الي عدم منجزية العلم الاجمالي في المقام، وعدم محركية للمكلف، وأفاد ثانياً بأن اساس تنجيز العلم الاجمالي حرمة المخالفة القطعية ووجوب موافقتها، بل ان اساس التنجيز هو حرمةالمخالفة القطعية، ومع فرض عدم امكانها فلا وجه لتنجيز العلم، وفي مورد دوران الأمر بين المحذورين لا يمكن للمكلف المخالفة القطعية، ووجهه بأن المكلف لا يخلو امره اما من الفعل او الترك، وأنه كما يحتمل المخالفة فيه يحتمل الموافقة ايضاً.
وأفاد في مقام الانتاج:
«ومما ذكرناه يظهر ان في موارد دوران الامر بين المحذورين كما لا يمكن تنجيز العلم الاجمالي كذلك لا يمكن الحكم بالتخيير لا واقعيا ولا ظاهريا.
أما عدم امكان الحكم بالتخيير الواقعي فلما عرفت من أن حصول الفعل أو الترك مما لا بد منه من المكلف فكيف يعقل طلب أحدهما تخييرا وهل هو إلا طلب الحاصل؟
واما عدم امكان التخيير الظاهري فلانه فرع منجزية العلم الاجمالي وعدم امكان الموافقة القطعية فلابد من الحكم بالتخيير لعدم الترجيح وقد عرفت استحالة تنجيز العلم الاجمالي فلا تصل النوبة إلى التخيير الظاهري»[2]
ثم انه (قدس سره) بعد ان نفي جريان الأصول العملية في المقام لوجهين:
1 - عدم ترتب اثر عملي علي جريانها.
2 - ان الاصل الجاري في احد الطرفين فقط من دون ان يكون معارضاً بجريانه في الطرف الاخر كما في المقام، فإنه لا مانع عن جريانه وانحلال العلم الاجمالي به، وخروج مورده عن دوران الأمر بين المحذورين، التزم بالتخيير في المقام ولكن لا التخيير الواقعي المعبر عنه بالتخيير العقلي، بل حسب تعبيره (قدس سره):
«فلا محالة يكون المكلف مخيراً بين الفعل والترك فهذاً من باب اللاحرجية العقلية.»
وحاصل ما افاده (قدس سره).
انه لا يتم القول بالتخيير في دوران الأمر بين المحذورين وذلك لوجهين:
1 - ان الغرض من جريان التخيير في المقام جعل الوظيفة للمكلف في حال الشك، وفي دوران الأمر بين المحذورين لا يمكن جعل الوظيفة، بلا فرق فيه بين الوظيفة العقلية والوظيفة الشرعية.
وأفاد في مقام بيان عدم تمامية جعل الوظيفة العقلية: ان التخيير العقلي انما يتم الالتزام به اذا كان في طرفي التخيير ملاك يلزم استيفائه، ولم يتمكن المكلف من استيفائه بالجمع بين الطرفين، كالتخيير في باب التزاحم.
وفي المقام ليس في طرفي التخيير ملاك كذلك، وليس التخيير فيه ناشئاً عن ملاك يقتضيه، فلا محالة ان التخيير العقلي في المقام كان من التخيير التكويني لعدم خلو المكلف من الفعل والترك.
هذا ما افاده في الفوائد.
وأفاد في اجود التقريرات: ان وجه عدم امكان الحكم بالتخيير الواقعي ان حصول الفعل او الترك مما لا بد منه من المكلف، ومعه كيف يعقل طلب احدهما تخييراً، وأنه يستلزم طلب الحاصل.
2 - ان العلم الاجمالي في المقام لا يقتضي التأثير والتنجيز وكان وجوده كعدمه، وذلك: لأن المعلوم بالاجمال في المقام غير صالح للداعوية والتشريع، وقاصر عن ان يكون داعياً ومحركاً للعبد. لأن الشخص بحسب خلقته التكوينية لا يخلو عن الفعل او الترك، وتشريع التكليف بالتخيير بين الفعل والترك لا اثر له، ولا يزيد علي ما يكون المكلف عليه تكويناً، فإنه اما ان يفعل وإما ان لا يفعل، فهو غير قابل للتحريك والداعوية.
هذا ما افاده في الفوائد. ولعله بيان اخر لما افاده اولاً.
وأفاد في اجود التقريرات:
ان اساس تنجيز العلم الاجمالي حرمةالموافقة القطعية، وفي فرض عدم امكانها فلا وجه لتنجيز العلم، وفي المقام حيث ان المكلف لا يخلو امره اما من الفعل او الترك، وكما يحتمل المخالفة فيه تحتمل الموافقة ايضاً، فلا يتصور فيه المخالفة القطعية، فيسقط العلم الاجمالي عن التنجيز.
ومرجع الوجهين وهو فقدان الموضوع للتخيير الواقعي، وعدم امكان تنجيز العلم الاجمالي. هو ان المكلف لا يخلو من الفعل والترك بحسب طبيعته، فلا معني لحكم العقل بالتخيير بينهما، كما لا اثر للعلم الاجمالي بهما.
هذا ما افاده المحقق النائيني (قدس سره) في المقام.
وقريب من ذلك ما افاده المحقق العراقي (قدس سره) قال:
«اما الصورة الأولى فلا شبهة في حكم العقل بالتخيير بينهما بمعنى عدم الحرج في الفعل والترك نظرا إلى اضطرار المكلف وعدم قدرته على مراعاة العلم الاجمالي بالاحتياط وعدم خلوه في الواقعة تكوينا من الفعل أو الترك، فيسقط العلم الاجمالي حينئذ عن التأثير بعين اضطراره الموجب لخروج المورد عن قابلية التأثر من قبله.
بداهة ان العلم الاجمالي انما يكون مؤثرا في التنجيز في ظرف قابلية المعلوم بالاجمال لان يكون داعيا وباعثا للمكلف نحوه وهو في المقام غير متصور حيث لا يكون التكليف المردد بين وجوب الشئ وحرمته صالحا للداعوية على فعل الشئ أو تركه.
وبذلك نقول: انه لا يصلح المقام للحكم التخييري أيضا فان الحكم التخييري شرعيا كان كما في باب الخصال أو عقليا كما في المتزاحمين انما يكون في مورد يكون المكلف قادرا على المخالفة بترك كلا طرفي التخيير فكان الامر التخييري باعثا على الاتيان بأحدهما وعدم تركهما معا " لا في " مثل المقام الذي هو من التخيير بين النقيضين " فإنه" بعد عدم خلو المكلف تكوينا عن الفعل أو الترك لا مجال للامر التخييري بينهما واعمال المولوية فيه لكونه لغوا محضا.»[3]
وحاصل مقالته (قدس سره): ان العلم الاجمالي في المقام لا يصلح للتنجيز والتأثر لعدم امكان المخالفة القطعية. فلا داعوية له.
والأمر بالتخيير واعمال المولوية لا محالة يكون لغواً بعد عدم خلو المكلف تكويناً عن الفعل والترك.
ولكنه اختار حكم العقل بالتخيير ولكن بمعني عدم الحرج في الفعل والترك كما مر في كلام النائيني (قدس سره)، وإن مع اضطرار المكلف وعدم قدرته علي مراعاة العلم لا يكون العلم الاجمالي مؤثراً في الداعوية والباعثية الي الأخذ بأحدهما.
علي مراعاة العلم لا يكون العلم الاجمالي مؤثراً في الداعوية والباعثية الي الأخذ بأحدهما.
وما افاده (قدس سره) قريب مما افاده المحقق النائيني كما عرفت، وقد افاد السيد الاستاذ (قدس سره) في مقام تأييدهما:
«فيتعين الالتزام بالتخيير لا من قبيل الوجوب التخييري شرعا ، ولا من قبيل التخيير العقلي في باب التزاحم ، لان مرجع التخيير في هذين المقامين إلى الالزام بأحد الامرين ، وهو غير متصور فيما نحن فيه ، إذ واحد من الفعل والترك قهري الحصول ، فلا معنى للالزام بأحدهما ، فالمراد من التخيير هو عدم الحرجية في الفعل والترك ، وهو ما ذهب إليه المحقق النائيني .»[4]
هذا ويمكن ان يقال:
ان في مقام دوران الأمر بين المحذورين، يدور الأمر بين الحكمين الوجوب والحرمة، وكان المتعلق لهما واحداً، ولذا يدور الأمر بين فعل شئٍ وتركه.
والوجوب بما انه ينشأ عن مصلحة ملزمة، و تنشأ الحرمة من مفسدة ملزمة، فإن مع قطع النظر عن وحدة المتعلق، فإنما يدور الأمر بين دفع المفسدة وجلب المصلحة. فهو من موارد تزاحم المصلحة والمفسدة. فإذا كان احدهما اهماً فيرجح علي الاخر بمعنى دوران الأمر بين المصلحتين، حيث يرجح احدهما بحكم العقل اذا كان اهم، وفي فرض عدم رجحان لأحدهما فإنما يحكم العقل بالتخيير بلا شبهة.
وهذا ما اعتمد عليه صاحب الكفاية (قدس سره) في بنائه علي التخيير العقلي في المقام، حيث اكد في كلامه علي فقدان الترجيح لأحد الطرفين بقوله: اوجهها الأخير ـ اي التخيير العقلي ـ لعدم الترجيح بين الفعل والترك.
ونظره في ذلك الي عدم الترجيح بين مصلحة الفعل ومفسدته الباعثة للالزام بالترك.
وأساس القول بالتخيير العقلي ذلك، اي فقدان الترجيح لأحد الملاكين اذ لو كان ملاك الترك اقوي فيقدم الترك، وإن كان ملاك الفعل اقوي فيقدم الفعل، وأساس الاشكال علي هذه المقالة في كلام الاعلام، مثل المحقق النائيني والمحقق العراقي والسيد الاستاذ (قدس الله اسرارهم)، هو ان مورد دوران الأمر بين المحذورين هو مورد دوران الأمر بين الفعل والترك.
وفي دوران الأمر بينهما فبما ان الترك حاصل او ان احدهما قهري الحصول. لأن الملكف اما ان يأتي بالفعل او يتركه، والترك حاصل فلا محالة يكون الالزام بأحدهما تحصيلاً للحاصل.
او ان العلم الاجمالي في المقام لا يتكفل للتنجيز والداعوية والباعثيه لعدم امكان باعثية الملكف به بعين الوجه.
[1]. السيد الخوئي، أجود التقريرات تقرير البحث السيد النائيني، ج2، ص230-231.
[2]. السيد الخوئي، أجود التقريرات تقرير البحث السيد النائيني، ج2، ص231.
[3]. الشيخ محمد تقي البروجردي، نهاية الافكار تقرير بحث المحقق ضياء الدين العراقي، ج3، ص292-293.
[4] . الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج5، ص32.