بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و دو
وأما الإيراد الأول:
فالإنصاف أنه لا يخلو عن وجه، لأن الظاهر من هذه الأخبار كون العمل متفرعا على البلوغ وكونه الداعي على العمل–.
ويؤيده:
تقييد العمل في غير واحد من تلك الأخبار بطلب قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) والتماس الثواب الموعود -، ومن المعلوم أن العقل مستقل باستحقاق هذا العامل المدح والثواب، وحينئذ:
فإن كان الثابت بهذه الأخبار أصل الثواب، كانت مؤكدة لحكم العقل بالاستحقاق.
وأما طلب الشارع لهذا الفعل: فإن كان على وجه الإرشاد لأجل تحصيل هذا الثواب الموعود فهو لازم للاستحقاق المذكور، وهو عين الأمر بالاحتياط.
وإن كان على وجه الطلب الشرعي المعبر عنه بالاستحباب، فهو غير لازم للحكم بتنجز الثواب، لأن هذا الحكم تصديق لحكم العقل بتنجزه فيشبه قوله تعالى: * ( ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري ) *. إلا أن هذا وعد على الإطاعة الحقيقية، وما نحن فيه وعد على الإطاعة الحكمية، وهو الفعل الذي يعد معه العبد في حكم المطيع، فهو من باب وعد الثواب على نية الخير التي يعد معها العبد في حكم المطيع من حيث الانقياد.
وأما ما يتوهم:
من أن استفادة الاستحباب الشرعي فيما نحن فيه نظير استفادة الاستحباب الشرعي من الأخبار الواردة في الموارد الكثيرة المقتصر فيها على ذكر الثواب للعمل، مثل قوله ( عليه السلام ): " من سرح لحيته فله كذا ".
فمدفوع: بأن الاستفادة هناك باعتبار أن ترتب الثواب لا يكون إلا مع الإطاعة حقيقة أو حكما، فمرجع تلك الأخبار إلى بيان الثواب على إطاعة الله سبحانه بهذا الفعل، فهي تكشف عن تعلق الأمر بها من الشارع، فالثواب هناك لازم للأمر يستدل به عليه استدلالا إنيا.
ومثل ذلك استفادة الوجوب والتحريم مما اقتصر فيه على ذكر العقاب على الترك أو الفعل.
وأما الثواب الموعود في هذه الأخبار فهو باعتبار الإطاعة الحكمية، فهو لازم لنفس عمله المتفرع على السماع واحتمال الصدق ولو لم يرد به أمر آخر أصلا، فلا يدل على طلب شرعي آخر له.
نعم، يلزم من الوعد على الثواب طلب إرشادي لتحصيل ذلك الموعود. فالغرض من هذه الأوامر - كأوامر الاحتياط - تأييد حكم العقل، والترغيب في تحصيل ما وعد الله عباده المنقادين المعدودين بمنزلة المطيعين.
وإن كان الثابت بهذه الأخبار خصوص الثواب البالغ كما هو ظاهر بعضها، فهو وإن كان مغايرا لحكم العقل باستحقاق أصل الثواب على هذا العمل - بناء على أن العقل لا يحكم باستحقاق ذلك الثواب المسموع الداعي إلى الفعل، بل قد يناقش في تسمية ما يستحقه هذا العامل لمجرد احتمال الأمر ثوابا وإن كان نوعا من الجزاء والعوض -، إلا أن مدلول هذه الأخبار إخبار عن تفضل الله سبحانه على العامل بالثواب المسموع، وهو أيضا ليس لازما لأمر شرعي هو الموجب لهذا الثواب، بل هو نظير قوله تعالى: * ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) * ملزوم لأمر إرشادي - يستقل به العقل - بتحصيل ذلك الثواب المضاعف.
والحاصل:
أنه كان ينبغي للمتوهم أن يقيس ما نحن فيه بما ورد من الثواب على نية الخير، لا على ما ورد من الثواب في بيان المستحبات.
ثم إن الثمرة بين ما ذكرنا وبين الاستحباب الشرعي تظهر في ترتب الآثار الشرعية المترتبة على المستحبات الشرعية، مثل ارتفاع الحدث المترتب على الوضوء المأمور به شرعا، فإن مجرد ورود خبر غير معتبر بالأمر به لا يوجب إلا استحقاق الثواب عليه، ولا يترتب عليه رفع الحدث، فتأمل.
وكذا الحكم باستحباب غسل المسترسل من اللحية في الوضوء من باب مجرد الاحتياط، لا يسوغ جواز المسح ببلله، بل يحتمل قويا أن يمنع من المسح ببلله وإن قلنا بصيرورته مستحبا شرعيا، فافهم.»[1]
والنكتة الاساسية في كلام الشيخ (قدس سره) تأكيده علي ان العمل متفرع علي بلوغ الثواب، وإن الداعي له علي العمل بلوغ الثواب.
وايد ما افاده بما ورد في بعض هذه الاخبار من تقييد العمل بطلب قول النبي والتماس الثواب الموعود.
وافاد (قدس سره) بأنه اذا عمل بذلك بداعي البلوغ لاستقل العقل باستحقاق هذا العامل المدح والثواب.
وحينئذ لو كان طلب الشارع في هذه الاخبار علي وجه الارشاد لتحصيل الثواب الموعود فهو عين الامر بالاحتياط.
وان كان علي وجه الطلب الشرعي المعبر عنه بالاستحباب. فإنه ايضاً تصديق لحكم العقل بتنجيز الثواب، كوعد الثواب علي الاطاعة فيكون على وزان قوله تعالي:
(ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار)، مع ان الفارق بينه وبين المقام انه وعد علي الاطاعة الحقيقية، وفي المقام وعد علي الاطاعة الحكمية، ومراده من الاطاعة الحكمية. الاتيان بالفعل الذي يعد العبد معه في حكم المطيع. وأنه من باب الثواب علي نية الخير التي يعد العبد منها في حكم المطيع من حيث انقياده.
وإن كان الثابت بهذه الاخبار خصوص الثواب البالغ كما قاله بعض، فهو وان كان مغايراً لحكم العقل باستحقاق اصل الثواب علي الفعل، لأن العقل لا يحكم باستحقاق ذلك الثواب الموعود الذي هو الداعي للفعل.
وانما يعد ذلك عند العقل نوعاً من الجزاء والعوض.
الا ان مدلول الاخبار بناءً عليه الاخبار عن تفضل الله تعالي علي العامل بالثواب المسموع. وهذا ايضاً ليس لازماً لأمر شرعي هو الموجب للثواب، بل يكون من قبيل قوله تعالي: (من جاء بالحسنة فله عشر امثالها). الذي هو ملزوم لأمر ارشادي يستقل العقل بتحصيل الثواب المضاعف الموعود، وبالجملة ان في جميع هذه الموارد والاحتمالات ينبغي قياس ما نحن فيه بما ورد من الثواب علي نية الخير، لا ما ورد من الثواب في بيان المستحبات.
وعلي جميع هذه التقادير لا يستفاد منها حسن العمل واستحباب نفس الفعل شرعاً بخلاف ما افاده صاحب الكفاية.
فإن اساس ما افاده في القبال: ان الاجر في هذه الاخبار كان مترتباً علي نفس الفعل الذي بلغه انه ذو ثواب.
كما انه صرح في قبال الشيخ بأن كون العمل متفرعاً علي البلوغ، وكون البلوغ الداعي الي العمل لا يوجب ترتب الثواب عليه اذا اتي به رجاءً وبعنوان الاحتياط.
وأن الداعي الي العمل لا يوجب له وجهاً وعنواناً يؤتي به بذلك الوجه والعنوان، وهذا رد لما افاده الشيخ (قدس سره) من ان العمل متفرع علي البلوغ، وأن البلوغ هو الداعي علي العمل.
ولذا نري توجيه صاحب الكفاية لما ورد من اتيان العمل بطلب قول النبي (صلى الله عليه وآله) او التماس الثواب الموعود – الذي هو تأييد لما التزم به الشيخ.
بأن اللسان فيها وإن كان لسان الانقياد، الا ان المعيار في هذه الاخبار والاساس صحيحة هشام بن سالم. وليس فيها الا ترتب الثواب علي نفس العمل، وأفاد في التوجيه، انه لو اتي العبد بالفعل بداعي طلب قول النبي او التماس الثواب الموعود، لأوتي الاجر والثواب علي نفس العمل، لا علي الاحتياط والانقياد. فيكون من قبيل من سرّح لحيته.
وقال السيد الخوئي (قدس سره):
والمحتمل فيه – مفاد الاخبار – وجوه ثلاثة:
الوجه الأوّل:
أن يكون مفادها الارشاد إلى حكم العقل بحسن الانقياد، وترتب الثواب على الاتيان بالعمل الذي بلغ عليه الثواب وإن لم يكن الأمر كما بلغه.
الوجه الثاني:
أن يكون مفادها إسقاط شرائط حجّية الخبر في باب المستحبات، وأنّه لا يعتبر فيها ما اعتبر في الخبر القائم على وجوب شيء من العدالة والوثاقة.
الوجه الثالث:
أن يكون مفادها استحباب العمل بالعنوان الثانوي الطارئ، أعني به عنوان بلوغ الثواب عليه، فيكون عنوان البلوغ من قبيل سائر العناوين الطارئة على الأفعال الموجبة لحسنها وقبحها ولتغير أحكامها، كعنوان الضرر والعسر والنذر وأمر الوالد ونحوها.
هذه هي الوجوه المحتملة بدواً في تلك الأخبار، والمناسب لما اشتهر بين الفقهاء من قاعدة التسامح في أدلة السنن هو الاحتمال الثاني كما ترى، ولكنّه بعيد عن ظاهر الروايات غاية البعد، لأنّ لسان الحجّية إنّما هو إلغاء احتمال الخلاف والبناء على أنّ مؤدى الطريق هو الواقع كما في أدلة الطرق والأمارات، لا فرض عدم ثبوت المؤدى في الواقع، كما هو لسان هذه الأخبار، فهو غير مناسب لبيان حجّية الخبر الضعيف في باب المستحبات، ولا أقل من عدم دلالتها عليها.
[1]. الشیخ الانصاری، فرائد الاصول، ج2، ص153-158.