بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و دو
اورد عليه بقوله:
«ولكنها ايضاً غير صالحة للاستدلال على المطلب لان الطاقة وان كانت بمعنى القدرة الا ان الطاقة عبارة عن اعمال غاية الجهد آخر مرتبة القدرة كما في قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه المساوقة لشدة العسر والحرج) كما ان ذيلها ايضاً يشهد بارادة الجهد والعناء ومن المعلوم عدم وجوب الحج الذي لدى هذه المرتبة من القدرة لدليل نفي الحرج.
والظاهر ان الصحيحة ناظرة الى اعتبار الاستطاعة، بمعنى صحة البدن في قبال المستحي او المريض الذي لا يتمكن من المشي ولو في بيته.
فقوله (عليه السلام) «اطاق المشي» اي المشي داخل البلد كناية عن صحة جسمه في قبال المريض لا المشي الى الحج وقوله (عليه السلام) «لقد كان... الخ» جملة ابتدائية مستأنفة.
على انه لم يظهر ان اولئك المشاة كان حجهم حجة الاسلام ولعله كان ندبياً غير المعتبر فيه الاستطاعة.
ومع التنازل والتسليم فغايته ان يكون لهذه الصحيحة ظهور ما فيما ذكروه ولكنها لا تقاوم تلك النصوص التي كانت اظهر دلالة واقوى.
بل كان بعضهما قريباً من الصراحة كما لايخفي فيرفع اليد عن هذا الظهور الضعيف بتلك الدلالة القوية.»
وافاد (قدس سره) في مقام الاستنتاج بالنسبة الى الطائفة الثانية:
«فالانصاف عدم المعارضة بين الطائفتين لعدم التكافؤ فان الثانية بين ما هو خارج عن محل الكلام او ضعف السند او الدلالة بحيث لا يقاوم الطائفة الاولى، فيتعين العمل بها حسبما عرفت. والذي يكشف لنا عما ذكرناه كشفاً قطعياً ان وجوب الحج من المسائل الكثيرة الدوران التي يبتلي بها عامة الناس. فلو كان الوجوب ثابتاً لمن اطاق المشي لشاع وذاع انتشر وكان من الواضحات.كيف ولم يذهب اليه احد من القدماء بل ادعي الاجماع على خلافه وانما حدث القول به من المتاخرين.
وكفى به دليلاًعلى عدم الوجوب، فالمتبع انما هي الطائفة الاولى المقيدة لاطلاق الاية المباركة ولا سيما بعد ورودها في مقام الشرح والتفسير السليمة عما يصلح للمعارضة حسب ما عرفت.»[1]
ويمكن ان يقال:
انه قدمر ان الاستطاعة بالمعنى الدقي العقلي هي القدرة على المشيء والتمكن منه باي نحو من الانحاء في مقابل عدم القدرة عليه كالطيران الى السماء.
ولكن لها اطلاق عرفي اضيق من المفهوم العقلي لها وهو التمكن على المشيء من دون لزوم مشقة وعسر باتيانه مما لا يتحمل عادة وعرفاً.
ولذا ان من يرى ان في فعل مشقة عليه، يصح ان يقول لا يقدر على الاتيان به، وقد ورد من الشارع ما يحدد التكليف بغير العسر والحرج وينفيه في موردها، فان هذه الادلة المعبر عنها بادلة نفي العسر والحرج حاكمة على ادلة التكاليف ومبينة لاختصاص مدلولها بغير مورد الحرج.
وعليه فان التكاليف الشرعية مشروطة بعد حكومة ادلة نفي العسر والحرج بالقدرة العرفية، وهذا امر جار في جميع التكاليف الشرعية. وانما يستثنى منها التكاليف الملازمة للحرج عادة التي تكون مواردها مطلقا او غالباً حرجية نظير التكليف بالجهاد، بل الصوم في بعض الموارد فانه لا وجه لالغاء تلك التكاليف باستلزامها الحرج، لان لازمه عدم المورد لهذه التكاليف او ندرته.
اما التكليف بالحج فهو مشروط بالقدرة العقلية كساير التكاليف ولايجب على غير القادر عقلاً، اما غير القادر عليه عرفاً، يعني من يكون الحج ذا مشقة عليه.
فربما يتخيل عدم الوجوب عليه ايضاً لدليل نفي العسر والحرج.
الا انه من الواضح ان الحج في الازمنة السابقة من الافعال الحرجية لغالب الناس، لاستلزامه تعطيل الاعمال مدة السفر الطويلة لعدم توفر وسائل النقل الفعلية في العصور السابقة والمشقات الكثيرة الغير المتعارفة في طول السفر خصوصاً في الحر والبرد وقلة الامان في الاسفار في تلك الازمنة وهذه الامور لا تهون على كل احد، بل هو مشقة وعسرعلى غالب الناس.
وبعبارة اخرى انه يخطر بالبال ان امر الحج لا يكون مشمولاً لدليل نفي الحرج، لاستلزامه تخصيص الوجوب بالفرد النادر.
ولكن ما يسهل الخطب انه قد اخذ قيد الاستطاعة في وجوب الحج في الآية الكريمة، وهو يستلزم تقييد الوجوب فيه بالقدرة العرفية
وعليه فان الآية الشريفة انما تكون في مقام بيان هذا الاشتراط وان التكليف بالحج لا يكون من قبيل التكاليف الملازمة للحرج كالجهاد وانما يعتبر فيه القدرة العرفية المستلزمة لتقييد التكليف بغير صورة العسر والحرج.
وفي الآية الشريفة انما اخذ هذا الاشتراط باخذ عنوان الاستطاعة في الوجوب وظاهر اطلاق العنوان الاستطاعة العرفية، فهي نظير سائر الالفاظ الواردة في الادلة الشرعية التي تحمل على معانيها العرفية.
فالآية انما تنفي الوجوب عن غير المستطيع عرفاً، وانما تفيد اختصاص التكليف بمن يستطيع عرفاً ومن لم يكن في الحج مشقة زائدة على اصل مشقة اعمال الحج اللازمة لها.
ثم ان الروايات الواردة في المقام في الطائفة الاولى مثل:
صحيحة محمد بن الخثعمي السابقة عن ابي عبدالله (عليه السلام): «ولله على الناس... ما يعني بذلك قال: من كان صحيحاً في بدنه، مخلى سربه، له زاد وراحلة فهو ممن يستطع الحج...»
او صحيحة الفضل بن شاذان السابقة عن الرضا (عليه السلام) «قال: وحج البيت فريضة على من استطاع اليه سبيلاً، والسبيل الزاد الراحلة مع الصحة.» وغيرها انما وردت في بيان تفسير الاستطاعة المذكورة اي الاستطاعة العرفية في الآية الشريفة. وليست ظاهرة في بيان معنى الآية تعبداً، بل بيان معنى الآية عرفاً بحسب المتفاهم العرفي في قبال توهم ارادة الاستطاعة العقلية حسب مامر. وذكر الزاد والراحلة وامثالهما انما يكون باعتبار انها الفرد الغالب والواضح في مفهوم الاستطاعة عرفاً.
وعليه فليست هذه الاخبار في مقام بيان التعبد باشتراط التكليف بخصوص عنوان الزاد والراحلة خارجاً عن حد الاستطاعة العرفية.
والشاهد عليه:
قوله (عليه السلام): «والسبيل الزاد والراحلة في كتابه الى المامون» في صحيحة الفضل او قوله (عليه السلام) ابو عبدالله الصادق للقدري فيما سئله: «اليس جعل الله لهم الاستطاعة؟ فقال: ويحك انما يعني بالاستطاعة الزاد والراحلة، ليس استطاعة البدن...»
حيث انه لا معنى لحمل تفسير الاستطاعة على التعبد بالنسبة اليهما لانهما ليسا من اهل التعبد بل يلزم ان يكون بيان الامام (عليه السلام) تفسيراً لها بالمعنى العرفي كي يقبله الخصم وغيره.
وبالجملة ان تفسير الاستطاعة في هذه الاخبار بالزاد والراحلة ليس الا بياناً لارادة المعنى العرفي لها فان الزاد والراحلة مقومان للاستطاعة غالباً ولا ظهور في هذه الاخبار في ارادة غير المعنى العرفي لها.
وعليه فانه ليس فيها اطلاق في اشتراط وجوب الحج بالزاد والراحلة حتى يبحث بان هذا الاشتراط يختص بالبعيد كما افاده مثل العلامة (قدس سره) او مطلق حتى بالنسبة الى القريب كما نسب الى المشهور.
وكذا البحث في ان الاشتراط المذكور هل يختص بصورة الحاجة او انه ثابت حتى عند عدم الحاجة الى الراحلة. هذا.
وعليه فان الطائفة الثانية من الاخبار الواردة في الباب المصرحة بوجوب الحج حتى مع القدرة على المشي لا تنافي بينها وبين الاخبار الواردة في الطائفة الاولى في الجملة، لان القادر على المشي بالقدرة العرفية كالقريب الى مكة تصدق في مورده الاستطاعة العرفية المذكورة في الآية.
كما انه لا حاجة لحمل الاخبار الواردة في الطائفة الثانية على المحامل السابقة تجنباً عن وجوب الحج عند القدرة على المشي وفقد الراحلة.
مع انه لا سبيل الى الالتزام لاكثرها كما اشار اليه صاحب العروة (قدس سره).
فانه ليس في الطائفة الاولى اطلاق في اشتراط الزاد والراحلة حتى يلزم تقييده بنفي الاشتراط المذكور بالنسبة الى القادر على المشي في الطائفة الثاني.
[1]. الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص88-90.