بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نود و يك
وما يلزم الدقة فيه فيما افاده (قدس سره):
انه لا يلزم قلب النية ولا يتم انقلابها بل يكفي وقوع بعضها في ظرف اتيانه ولا يضر وقوع بعضها في حال الرقيّة، ولا وجه له الا تشخص العمل العبادي المذكور بوقوعه في ظرف اتيانه بعد عدم تشخصه بالقصد.
وقد مر من الشيخ (قدس سره) فيما افاد:
«واستدل عليه – لو حج الصبي والمجنون ندبا ثم كملا قبل المشعر اجزا لهما عن حجة الاسلام ـ
بأنّه زمان يصحّ فيه إنشاء الحجّ فكان مجزيا.
و المراد: بقاء معظم ركن الحجّ، فلا يقدح وقوع ما قبلها على غير الوجوب. لا أنّه يجزي عنه إنشاء الحجّ و استينافه حينئذ.
و لكنّ في هذا الاستدلال نظر؛
لأنّ هذه الأخبار يدلّ بظاهرها على أنّ إنشاء الحجّ و استينافه حينئذ صحيح للمضطّر، بأن ينشئ الإحرام للحجّ.
و هذا ليس ممّا نحن فيه في شيء. فإنّ المقصود المصرّح به في عنوانهم و فروعهم هو إجزاء المركّب الملفّق من الإحرام و الأفعال السابقة
و اللاحقة.
اللّهم إلّا أن يراد بهذا تأييد المطلب، حيث: إنّ معظم أركان الحجّ ما فيه الكمال، لا يضرّ المكلف فوات ما عداها، فلا يضرّ الصبيّ وقوع ذلك على غير صفة الوجوب.»[1]
والمستفاد منه (قدس سره) انه يكفي وقوع الحج في ظرفه منتشخصا – بالالتفات اليه – اذا كان الواقع معظم اركانه، فحينئذ لا يضر نية الندب حين الاحرام كما لا يلزم قلب النية لانه عمل واقع في ظرف اتيانه ويكون تشخصه الذي يتحقق في غيره بالقصد، بايقاعه في ظرفه اذ لا معنى لعدم الاحتياج الى القلب او الانقلاب في النية الا ذلك.
قال صاحب العروة.
الثالث - من شروط وجوب الحج ـ من حيث المال وصحة البدن وقوته وتخلية السرب وسلامته وسعة الوقت وكفايته بالإجماع والكتاب والسنة.»[2]
قال في الجواهر:
« باجماع المسلمين.
والنص في الكتاب المبين
والمتواتر من سنة سيد المرسلين.
بل لعل ذلك من ضروريات الدين كاصل وجوب الحج.
وحينئذ فلو حج بلا استطاعة لم يجزه عن حجة الاسلام لو استطاع بعد ذلك قطعاً.»[3]
وافاد السيد الخوئي (قدس سره)
«فلا وجوب لدى انتفاء واحد من هذه الامور – المذكورة في المتن-
ويدلنا على اعتبار اصل الاستطاعة مضافاً الى الاجماع المحقق من عامة المسلمين حكم العقل اولاً حيث يستقل باشتراط القدرة في عامة التكاليف، لامتناع التكليف بما لا يطاق، وقبح توجيه الخطاب نحو العاجز.
والكتاب العزيز ثانياً.
لكن المأخوذ فيه ليس الا مجرد الاستطاعة، فلا يزيد مفاده على ما عرفت من حكم العقل.
غايته أن الحج اذا كان حرجياً ارتفع وجوبه بدليل نفي الحرج والسنة القطعية ثالثاً، كماستعرف.
فاعتبار الاستطاعة– ولو في الجملة – ثابت بالادلة الاربعة.»[4]
ان مقتضى حكم العقل اعتبار القدرة في الحج كسائر التكاليف كالصوم والجهاد وامثاله. وذكر الاستطاعة في الآيةالشريفة لا يزيد على ما اعتبره العقل، ولعلها ارشاد الى ذلك.
نعم تقيد القدرة العقلية بعدم استلزامها العسر والحرج المنفي في الشريعة. ومعه يكون المراد من الاستطاعة القدرة الشرعية، وهي نفس القدرة العقلية مع استثناء صورة العسر والحرج، والعقل وان لا يرى الوجوب والالزام عند موارد من الحرج الا ان حد العسر والحرج في الشرع اوسع من العقل، فلذا يعبر عن الاستطاعة بالقدرة الشرعية وهي القدرة العقلية ما لم يستلزم العسر والحرج.
قال في العروة:
مسأله 1: لا خلاف ولا إشكال في عدم كفاية القدرة العقلية في وجوب الحج، بل يشترط فيه الاستطاعة الشرعية، وهي كما في جملة من الأخبار الزاد والراحلة، فمع عدمهما لا يجب وإن كان قادرا عليه عقلا بالاكتساب ونحوه.
وهل يكون اشتراط وجود الراحلة مختصا بصورة الحاجة إليها لعدم قدرته على المشي، أو كونه مشقة عليه أو منافيا لشرفه، أو يشترط مطلقا ولو مع عدم الحاجة إليه؟
مقتضى إطلاق الأخبار والإجماعات المنقولة: الثاني.
وذهب جماعة من المتأخرين إلى الأول: لجملة من الأخبار المصرحة بالوجوب إن أطاق المشي بعضا أو كلا، بدعوى أن مقتضى الجمع بينها وبين الأخبار الأولة حملها على صورة الحاجة.
مع أنها منزلة على الغالب، بل انصرافها إليها، والأقوى هو القول الثاني، لإعراض المشهور عن هذه الأخبار مع كونها بمرأى منهم ومسمع.
فاللازم طرحها أو حملها على بعض المحامل، كالحمل على الحج المندوب وإن كان بعيدا عن سياقها، مع أنها مفسرة للاستطاعة في الآية الشريفة، وحمل الآية على القدر المشترك بين الوجوب والندب بعيد، أو حملها على من استقر عليه حجة الإسلام سابقا، وهو أيضا بعيد، أو نحو ذلك.
وكيف كان فالأقوى ما ذكرنا وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط بالعمل بالأخبار المزبورة، خصوصا بالنسبة إلى من لا فرق عنده بين المشي والركوب، أو يكون المشي أسهل، لانصراف الأخبار الأولة عن هذه الصورة بل لولا الإجماعات المنقولة والشهرة لكان هذا القول في غاية القوة.»[5]
وموضوع البحث في هذه المسألة حد الاستطاعة و تبيين القدرة الشرعية التي عُبر عنها في الاية بالاستطاعة بمقتضى ما ورد في تفسير الاية في الاخبار وكذا ما ورد في ما يعتبر في وجوب الحج المستفاد من تبيين القدرة الشرعية المذكورة او تحديده. ومعه لصارت الاستطاعة اخص من القدرة المعتبرة في جميع الواجبات.
وعليه فلو لا اعتبار هذه الامور في المعنى المراد من الاستطاعة لكان الشرط نفس القدرة العقلية التي هي المعتبر في وجوب التكاليف على العباد ما لم يستلزم العسر و الحرج المنفي في الشريعة، وبعد التحديد المذكور يعبر عنه بالقدرة الشرعية، وحينئذ فانما يقع الكلام في ان الشارع هل اعتبر فيها ما يزيد على اقتضاء نفس هذه القدرة ام لا، وان شئت قلت كان البحث في حد القدرة الشرعية وما هو المراد منها في خصوص وجوب الحج، فكل ما ثبت اعتباره فيها فيؤخذ به وتقيد به القدرة المذكورة وما لم يثبت اعتباره فمرجع امره الى نفس اعتبار القدرة الشرعية بالمعنى الذي ذكرناه وهي القدرة العقلية ما لم يستلزم العسر.
قال السيد الخوئي (قدس سره):
«... واما حدها – الاستطاعة – فقد فسر معناها الشرعي في غير واحد من النصوص بما هو أضيق من المعنى اللغوي الذي دل عليه العقل و نطق به الكتاب حسبما عرفت.
وهو التمكن من الزاد والراحلة مع تخلية السرب، فلا يكفي مطلق القدرة العقلية.
ومن ثم وقع الكلام بين الأعلام في ان هذا هل هو تفسير للاستطاعة على الاطلاق كي يكون الامر كما ذكر؟
ام ان اشتراط الراحلة خاص بصورة الحاجة اليها من اجل عدم قدرته على المشي، او كونه مشقة عليه او منافياً لشرفه؟ فلا اشتراط مع عدم الحاجة خصوصاً اذا كانت المسافة قريبة.
وعليه فلا تدل هذه النصوص على تفسير الاستطاعة بمعنى اخر غير ما دل عليه العقل ونطق به الكتاب العزيز.
المشهور بين الاصحاب هو الاول.
بل لم يعهد غيره في كلمات القدماء منهم، فكانه متسالم عليه بينهم ولكن جماعة من المتأخرين ذهبوا الى الثاني.
وهو الظاهر من صاحب الرسائل حيث اخذ التعبير بالحاجة في عنوان الباب.
واحتاط فيه السيد الماتن، ولا ريب ان الاحتياط حسن في كل حال وكيفما كان فمنشأ الاختلاف، اختلاف الاخبار، بل ان بعضها كالصريح في القول الثاني، فلا بد من النظر اليها.»[6]
اما القول الاول:
وهو اعتبار الزاد والرحلة في مقام الشرطية لوجوب الحج مطلقاً ولو مع عدم الحاجة اليه.
فافاد صاحب الجواهر (قدس سره):
«الشرط الثالث: أن يكون له ما يتمكن به من (الزاد والراحلة) لأنهما من المراد بالاستطاعة التي هي شرط في الوجوب باجماع المسلمين، والنص في الكتاب المبين، والمتواتر من سنة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)، بل لعل ذلك من ضروريات الدين كأصل وجوب الحج، وحينئذ فلو حج بلا استطاعة لم يجزه عن حجة الاسلام لو استطاع بعد ذلك قطعا، كالقطع بكون الراحلة من المراد بالاستطاعة، فيتوقف الوجوب على حصولها وإن تمكن بدونها بمشي ونحوه، للاجماع المحكي عن الناصريات والغنية والتذكرة والمنتهى، والنصوص المستفيضة التي فيها الصحيح وغيره.»[7]
[1]. الشيخ الانصاري، كتاب الحج، ص13-14.
[2]. العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 362.
[3]. الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، ج17، ص248.
[4]. الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص84.
[5]. العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 363-364.
[6]. الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص86.
[7]. الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، ج17، ص248.