بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نود و دو
اما القول الاول:
وهو اعتبار الزاد والرحلة في مقام الشرطية لوجوب الحج مطلقاً ولو مع عدم الحاجة اليه.
فافاد صاحب الجواهر (قدس سره):
«الشرط الثالث: أن يكون له ما يتمكن به من (الزاد والراحلة) لأنهما من المراد بالاستطاعة التي هي شرط في الوجوب باجماع المسلمين، والنص في الكتاب المبين، والمتواتر من سنة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)، بل لعل ذلك من ضروريات الدين كأصل وجوب الحج، وحينئذ فلو حج بلا استطاعة لم يجزه عن حجة الاسلام لو استطاع بعد ذلك قطعا، كالقطع بكون الراحلة من المراد بالاستطاعة، فيتوقف الوجوب على حصولها وإن تمكن بدونها بمشي ونحوه، للاجماع المحكي عن الناصريات والغنية والتذكرة والمنتهى، والنصوص المستفيضة التي فيها الصحيح وغيره.»[1]
واستدل كغيره من هذه النصوص بروايات:
الاولى: خبر الكناسي الذي عبر عنه بالصحيح.
وهو ما رواه الكليني عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابن ابي عمير عن محمد بن يحيى الخثعمي قال:
سأل حفص الكناسي أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده عن قول الله عز وجل: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)، ما يعني بذلك ؟
قال: من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه، له زاد وراحلة، فهو ممن يستطيع الحج، أو قال: ممن كان له مال،
فقال له: حفص الكناسي: فإذا كان صحيحا في بدنه، مخلى في سربه، له زاد وراحلة، فلم يحج، فهو ممن يستطيع الحج ؟ قال: نعم.»[2]
اما جهة الدلالة فيها:
فان الرواية ظاهرة في تفسير الاستطاعة بصحة البدن وتخلية السرب والتمكن من الزاد والراحلة.
واكد في ذيلها: ان من تمكن من جميع هذه الامور فلم يحج فانما يستقر وجوبه عليه.
اما جهة السند فيها:
رواه الكليني عن علي بن ابراهيم ولا كلام في وثاقته. وهو من الطبقة الثامنة.
وهو رواه عن ابيه ابراهيم بن هاشم فهو ثقة على الاقوى. ومن الطبقة السابعة.
وهو رواه عن محمد بن ابي عمير وهو اوثق اهل زمانه. ومن الطبقة السادسة.
وهو رواه عن محمد بن يحيى الخثعمي، والظاهر ان المراد منه محمد بن يحيى بن سلمان او سليمان او سليم الخثعمي.
قال النجاشي: محمد بن سلمان (سليمان [او سليم]) الخثعمي أخو مغلس، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله عليه السلام. له كتاب. أخبرنا أحمد بن عبد الواحد قال: حدثنا علي بن حبشي بن قوني قال: حدثنا حميد بن زياد قال: حدثنا الحسن بن محمد بن سماعة قال: حدثنا أبو إسماعيل السراج قال: حدثنا محمد بن يحيى بكتابه.»[3]
وعده الشيخ في رجاله من اصحاب الصادق (ع).
وقال في باب تفضيل فرائض الحج بعد ذكر روايتين عن ابن ابي عمير عن محمد بن يحيى الخثعمي وانه يرويه تارة عن ابي عبدالله بلاواسطة وتارة يرويه بواسطة ان من كان قد وقف بالمزدلفة شيئاً يسيراً اجزأه.[4]
قال السيد خوئي في معجم رجال الحديث:
«وفي هذا الكلام إشعار بل دلالة على أن الشيخ يعتمد على رواية محمد بن يحيى الخثعمي، لكنه ناقش في روايته هذه بأنه يرويه عن الصادق عليه السلام مع الواسطة تارة، وبلا واسطة أخرى، والراوي هو ابن أبي عمير في كلا الموردين، وبين روايتهما تهافت.
وقال في الاستبصار: بعد ذكر الروايتين، الجزء 2، باب من فاته الوقوف في المشعر الحرام، الحديث 1090 و 1091: " فالوجه في هذين الخبرين وإن كان أصلهما واحدا، وهو محمد بن يحيى الخثعمي، وهو عامي، ومع ذلك تارة يرويه عن أبي عبد الله عليه السلام بلا واسطة، وتارة يرويه بواسطة، ويرسله، ويمكن تسليمهما وصحتهما: أن نحملهما على من وقف بالمزدلفة شيئا يسيرا فقد أجزأه ". إنتهى.
أقول: كلامه هذا مختل النظام إذ لا يوجد لقوله فالوجه في هذين الخبرين خبر، وأظن وإن كان الظن لا يغني من الحق شيئا أن في العبارة تحريفا نشأ من سهو القلم، أو غلط النساخ، وإذا كان محمد بن يحيى الخثعمي عاميا، فلما ذا لم يتعرض له في التهذيب، ولا في كتابه الفهرست، والرجال، وكيف يروي ابن أبي عمير، عن محمد بن يحيى الخثعمي العامي، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله عليه السلام ؟ فإنه إذا كان محمد بن يحيى الخثعمي عاميا فبعض أصحابه المروي عنه إما عامي، أو انه يحتمل فيه ذلك، فما معنى أن يروي ابن أبي عمير عنه ما يخالف مذهب الشيعة من الحكم بصحة حج من فاته الوقوف في المزدلفة ؟ وكيف كان، فلا شك في وثاقة الرجل وصحة رواياته.»[5]
ويمكن ان يقال:
ان بالنسبة الى محمد بن يحيى الخثعمي لنا توثيق النجاشي ولامعارض له في هذه الجهة ولوتم ما افاده الشيخ في الاستبصار من انه عامي و اغمضنا النظر عما افاده السيد الخوئي من تحريف العبارة في الاستبصار فان هذه الكلام لا يعارض توثيق النجاشي لان كونه عامياً لا ينافي وثاقته كما لا ينافي كون من روى عنه عامياً وان نقل مشايخ الرواة عن العامي اعتماداً على وثاقته ليس بعزيز مع نقل ابن ابي عمير عنه دليل آخر على وثاقة الرجل حتى مع كونه عامياً.
نعم تعبير الاصحاب ومنهم صاحب الجواهر عن الرواية بالصحيح يؤيد ما افاده السيد الخوئي من عدم تمامية قول الشيخ في الاستبصار.
الثانية:
خبر هشام بن الحكم او عبر عنه بصحيح هشام او حسنه.
وهي ما رواه الصدوق في كتاب التوحيد عن ابيه عن علي بن ابراهيم بن هاشم عن ابيه عن ابن ابي عمير عن هشام بن الحاكم عن ابي عبدالله (عليه السلام):
في قوله عز وجل: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) ما يعني بذلك ؟
قال: من كان صحيحا في بدنه، مخلى سربه، له زاد وراحلة.[6]
ودلالتها كالسابقة تامة في تفسير الاستطاعة بصحة البدن وتخلية السرب والتمكن من الزاد والراحلة.
اما جهة السند فيها:
فراوه الصدوق عن ابيه، وهو من الطبقة التاسعة.
وهو رواه عن علي بن ابراهيم القمي، وهو من الطبقة الثامنة.
وهو رواه عن ابيه ابراهيم بن هاشم، وهو من الطبقة السابعة.
وهو رواه عن ابن ابي عمير، وهو من الطبقة السادسة.
وهو رواه عن هشام بن الحكم، وثقه النجاشي وهو من أجلة اهل الرواية ومن اعلام الطائفة. وهو من الطبقة الخامسة.
فالروايةصحيحة.
[1]. الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، ج17، ص248.
[2]. وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 8 من أبواب وجوب الحج، ص34، الحديث 14170/4.
[3]. النجاشي، رجال النجاشي، ص359، الرقم963.
[4]. الشيخ الطوسي، تهذيب الاحكام، ج5، ص293، ذيل الحديث993-30.
[5]. السيد الخوئي، معجم رجال الحديث، ج19، ص36-37.
[6]. وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 8 من أبواب وجوب الحج، ص35، الحديث 14173/7.