بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد و هفت
واما ما افاده النراقي (قدس سره) في الاشكال على دلالة هذه الاخبار في المستند: «من ان الاخبار المذكورة: تتكفل تصحيح الحج بادراك المشعر ولا نظر لها الى العمرة وهي جزء مقوم لصحة حجة الاسلام وادائه. فلو صحح حج الصبي بهذه النصوص فبم تصحح عمرته؟»
ففيه:
اولاً: ان الاشكال يختص بالعمرة المتقدمة في حج التمتع، ولا يشمل حج القران والافراد، لان العمرة فيهما يقع حال كون الصبي واجد الشرط.
وثانياً:
ان بالنسبة الى حج التمتع قال الشيخ (قدس سره) في الرسالة:
« ثمّ إنّه لو كان الحجّ قرانا أو إفرادا فلا إشكال في وجوب العمرة عليهما بعد الحجّ.
و أمّا لو كان تمتّعا فهل يعتدّ بالعمرة المتقدّمة أم لا؟ صرّح في الدروس بالأوّل و جعله- كما في المسالك- ظاهر الفتوى. و هو كذلك. فإنّ ظاهر قولهم: «أجزأ عنهما»[1] هو إجزاء مجموع ما فعل سابقا و لاحقا. يعني أنّ هذا الحجّ الملفّق يجزي عن حجّة الإسلام.
نعم، لو قلنا: إنّ كمالهما موجب لاستيناف وجوب الحجّ عليهما لبقاء وقت إدراكه بإدراك المشعر- كما هو مقتضى الاستدلال بالأخبار المشار إليها سابقا- فلا إشكال في وجوب العمرة عليهما.
فينتقل فرضهما من التمتّع إلى الإفراد.
لكنّه خلاف ظاهر كلمات القوم، بل صريحها. فلاحظ.
و لذا ذكرنا سابقا عدم صحّة الاستدلال بتلك الأخبار- على استفاضتها- إلّا على وجه التأييد.
و كيف كان فظاهر كلام العلماء كون حجّ الصبيّ الملفّق من الواقع منه حال الصبا و البلوغ بمنزلة الواقع بتمامه حال البلوغ، بل في محكيّ التذكرة: و إن بلغ الصبيّ أو اعتق العبد قبل الوقوف بالمشعر فوقف به أو بعرفة بالغا أو معتقا و فعل باقي الأركان، أجزأ عن حجّة الإسلام.
و كذا لو بلغ أو اعتق و هو واقف، عند علمائنا أجمع. انتهى.
و منه يعلم أنّه لو قدّم الطواف و السعي للحجّ على الوقوفين،- حيث يجوز له- فلا تجب على الصبيّ إعادتهما، كما حكي القطع به عن التذكرة.»[2]
وظاهر كلامه (قدس سره) ان في حج التمتع يحتمل امران:
1 – كفاية العمرة التي اتى بها في حال عدم البلوغ كغيرها مما اتى به قبل ادراك المشعر.
2 – تبدل حجه من التمتع الى الافراد وله ان ياتي بالعمرة مجدداً حال البلوغ.
ولكن ظاهر الفتاوى الالتزام بالاول دون الاخير حتى افاده الشيخ (قدس سره) انه خلاف ظاهر كلمات القوم بل صريحها.
ولعل وجهه أن اطلاق قوله: من ادراك المشعر فقد ادرك الحج، تنزيل ما اتى به الصبي من الافعال في حال عدم بلوغ الى زمان ادراك المشعر منزلة ما اتى به بتمامه حال بلوغه في الاجزاء والكفاية مطلقاً بلا فرق بين كون ما تقدم مثل الاحرام بالحج او الوقوف بعرفات او الطواف والسعي لو قدمها على الوقف او العمرة التي قدمها في تمتعه.
والفتاوى مطابقة للاطلاق المذكور في الاخبار ظاهراً، وان كان يحتمل استناده الى اجماعاتهم او الى ضم ما دل على ادراك المشعر من العبد المعتق حينه.
وعليه فان هذه الفتاوى لكان استبعاد المحقق النراقي في المقام في غير محله، فانه تصحح عمرته بالتنزيل المستفاد من اطلاق الاخبار المذكورة، والمراد من الحج في الاخبار ليس خصوص الحج في قبال العمرة، بل ادرك الحج اي ادرك ما عليه من حجة الاسلام المشتملة على الحج والعمرة.
اما الوجه الثاني – في كلامنا –
من الوجوه التي استدل بها صاحب العروة (قدس سره) لاجزاء ما فعله الصبي من الحج اذا كمل ادرك قبل المشعر: ما دل علىي اجزاء حج العبد اذا ادرك المشعر.
وقرره صاحب العروة (قدس سره) الوجه الاول، وقرر ما ورد بلسان من ادرك المشعر فقد ادرك الحج الوجه الثالث.
ولكنا قررنا ما ورد بلسان من ادرك المشعر. الوجه الاول: لانه الوجه العمدرة في المقام كما قررنا ما ورد من اجزاء حج العبد اذا ادرك المشعر، من مصاديق الوجه الاول كما يستظهر من كلام صاحب الجواهر (قدس سره) حيث افاد بعد عبد التمسك بالاجماع.
«مضافا إلى تظافر الأخبار بأن من أدرك المشعر أدرك الحج كما تسمعها إن شاء الله فيما يأتي في حكم الوقوفين بعرفة والمشعر، وخصوص المورد فيها لا يخصص الوارد، بل المستفاد منها ومما ورد في العبد هنا ونحو ذلك عموم الحكم لكل من أدركهما من غير فرق بين الادراك بالكمال وغيره.
ومن هنا استدل الأصحاب بنصوص العبد على ما نحن فيه مع معلومية حرمة القياس عندهم.»[3]
وظاهره ان وجه استدلال الاصحاب بهذه النصوص. انها مصداق لحكم عام هو اجزاء الحج بادراك المشعر علىي وجه مطلق.
وحينئذٍ فغير بعيد جداً ان يقال:
انه لا فرق بين الوجهين في الدلالة علىي عموم الحكم الا أان في الاول:
«أان من ادرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد ادرك الحج.» في صحيحة جميل بن دراج السابقة.
وفي الثاني: «ممحلوك اعتق يوم عرفةه قال: اذا ادرك احد الموقفين فقد ادراك الحج». في صحيحة معاوية بن عمار السابقةه.
وذلك: لما مر من ان مدلول هذه الاخبار التوسعة في الواجب وان من ادرك الحج من المشعر الىي آخره فهو كمن ادركهه كاملاً وبلا نقيصة.
كما انه قد مر ان اطلاقها يشمل من احرم قبل المشعر ومن لم يحرم.
من أاتىي بالعمرة قبل حجه او لم يات، ومن كان له مانع عن الحج او لا. ومن كان عنده مانع، كان المانع المذكور ما يمنع عن فعل الحج في مقام الاتييان به، والعمل كمن كان محبوساً قبل ذلك، او كان ذلك مانعاً عن وجوب الحج عليه كعدم البلوغ او الجنون او الرقيةه وامثال ذلك.
فالاخبار بهذا الاطلاق انما يوجب تنزيل ما اتىي الصبي الذي صار واجداً لشرط البلوغ قبل ادراك المشعر، فمنزلةتنزله من ادرك الحج بتمامه واجداً للشرط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]. الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، ج17، ص230.
[2] . كقول الشيخ في الخلاف، ج2، ص 379، المسألة 227؛ و الفاضل الهندي في كشف اللثام، ج 5، ص 73- 74؛ و العلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 402.
[3] . الشيخ الانصاري، كتاب الحج، ص16-17.