بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سی و سوم
نعم يمكن ان يقال:
انه لو تم فرض عدم تمكن العقل لادراك جميع المصالح والمفاسد في الواقع ونفس الأمر، وانما يقتصر حكمه علي ما يدركه.
فإنه يقع الاشكال بالنسبة الي هذه الجهة في مقام الوجود ايضاً ومقام الاثبات او مقام الفعلية حسب تعبيره.
وذلك:
لأن اذا امكن فرض ان العقل اذا رفع اليد عن حكمه بطرو تبدل في قيود موضوعه الموجب عنده لتبدل العنوان، وأنه لا يتبعد الشرع لما يراه عدم دخل القيد المتبدل في العنوان الموضوع لحكمه بالحسن او القبح وبتعبير اخر، لا يري الشرع انتفاء ملاك التحسين فلماذا لا يجري ذلك في مقام الاثبات؟، بأن يري العقل الملاك وادركه وحكم علي طبقه، ولكن الشرع لا يري الملاك المزبور كافياً للحكم بالحسن، بل يري تأثيره في التحسين بضم ملاك آخر.
ضرورة ان مفروض كلام المحقق صاحب الكفاية عدم تمكن العقل لجميع المصالح والمفاسد بواقعها وحدودها، ولذلك ربما يفترق ادراكه عن ادراكه. وهذا لا تختص بمقام الوجود والاثبات، اذ يمكن فرض خطأ العقل في ادراك مناط التحسين وأن ما ادركه ليس هو الواقع بحدوده، او ان الواقع غيره، وهذا احتمال جائي في المقام، وبذلك تنهدم قاعدة الملازمة برأسها.
«ثم إنه لا يخفى اختلاف آراء الأصحاب في حجية الاستصحاب مطلقا، وعدم حجيته كذلك، والتفصيل بين الموضوعات والاحكام، أو بين ما كان الشك في الرافع وما كان في المقتضي، إلى غير ذلك من التفاصيل الكثيرة، على أقوال شتى لا يهمنا نقلها ونقل ما ذكر من الاستدلال عليها، وإنما المهم الاستدلال على ما هو المختار منها، وهو الحجية مطلقا، على نحو يظهر بطلان سائرها.»[1]
وربما يقال:
ان محل البحث عن الآراء والاقوال في باب الاستصحاب يلزم ان يكون بعد التعرض لادلة الاستصحاب، لانه لو فرض عدم تكفها لاعتبار الاستصحاب، لا موضوع لهذه الآراء والاقوال كما ان مع تكفها لاعتباره، فانه يستفاد منها حد اعتبار الاستصحاب فتمكن به من النظر الي الاقوال والتفاصيل بمقتضاه. وقد اجاد صاحب الكفاية في عدم التعرض لها قبل بيان الادلة.
قال صاحب الكفايه (قدس سره):
«فقد استدل عليه بوجوه:
الوجه الأول: استقرار بناء العقلاء من الانسان بل ذوي الشعور من كافة أنواع الحيوان على العمل على طبق الحالة السابقة، وحيث لم يردع عنه الشارع كان ماضيا.
وفيه:
أولا منع استقرار بنائهم على ذلك تعبدا، بل إما رجاء واحتياطا، أو اطمئنانا بالبقاء، أو ظنا ولو نوعا، أو غفلة كما هو الحال في سائر الحيوانات دائما وفي الانسان أحيانا.
وثانيا:
سلمنا ذلك، لكنه لم يعلم أن الشارع به راض وهو عنده ماض، ويكفي في الردع عن مثله ما دل من الكتاب والسنة على النهي عن اتباع غير العلم.
وما دل على البراءة أو الاحتياط في الشبهات، فلا وجه لاتباع هذا البناء فيما لابد في اتباعه من الدلالة على إمضائه، فتأمل جيدا.»[2]
وقال الشیخ (قدس سره):
«ومنها: بناء العقلاء على ذلك في جميع أمورهم، كما ادعاه العلامة (رحمه الله) في النهاية وأكثر من تأخر عنه.
وزاد بعضهم: ـ مثل المحقق القمی فی القوانین، وشریف العلماء فی تقریرات درسه فی ضوابط الاصول ـ أنه لولا ذلك لاختل نظام العالم وأساس عيش بني آدم.
وزاد آخر: ـ حکاه صاحب الفصول فی کتابه ـ أن العمل على الحالة السابقة أمر مركوز في النفوس حتى الحيوانات، ألا ترى أن الحيوانات تطلب عند الحاجة المواضع التي عهدت فيها الماء والكلأ، والطيور تعود من الأماكن البعيدة إلى أوكارها، ولولا البناء على " إبقاء ما كان على ما كان " لم يكن وجه لذلك.
والجواب:
أن بناء العقلاء إنما يسلم في موضع يحصل لهم الظن بالبقاء لأجل الغلبة، فإنهم في أمورهم عاملون بالغلبة، سواء وافقت الحالة السابقة أو خالفتها، ألا ترى أنهم لا يكاتبون من عهدوه في حال لا يغلب فيه السلامة، فضلا عن المهالك - إلا على سبيل الاحتياط لاحتمال الحياة - ولا يرسلون إليه البضائع للتجارة، ولا يجعلونه وصيا في الأموال أو قيما على الأطفال، ولا يقلدونه في هذا الحال إذا كان من أهل الاستدلال، وتراهم لو شكوا في نسخ الحكم الشرعي يبنون على عدمه، ولو شكوا في رافعية المذي شرعا للطهارة فلا يبنون على عدمها.
وبالجملة:
فالذي أظن أنهم غير بانين في الشك في الحكم الشرعي من غير جهة النسخ على الاستصحاب.
[1]. الآخوند الخراساني، كفاية الاصول، ص387.
[2]. الآخوند الخراساني، كفاية الاصول، ص387.