بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بيست و سه
قال الشيخ (قدس سره):
«و ربّما يستدلّ على الفوريّة بما دلّ من الأخبار على انّ المستطيع لا يجوز أن يحجّ عن غيره نيابة.
و فيه: أنّه يجوز أن يكون ذلك لمجرّد الحكم الوضعيّ، لا لأجل التكليف بالحجّ فورا، و لذا حكي عن الحلّي عدم جواز النيابة و لو لم يجب عليه الحجّ في تلك السنة لعذر.
مع قوّة احتمال حمل تلك الأخبار على الغالب:
من عدم الوثوق بعدم طروّ العذر، فيجب البدار حينئذ بحكم العقل. »[1]
والظاهر ان المستدل هو الفاضل الهندي في كشف اللثام والاخبار التي استدل بها في المقام
منها:
ما رواه محمد بن يعقوب عن عدة من اصحابنا، عن احمد بن محمد عن سعد بن ابي خلف قال:
«سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل الصرورة يحج عن الميت ؟ قال: نعم، إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه، فإن كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزي عنه حتى يحج من ماله، وهي تجزي عن الميت، إن كان للصرورة مال، وإن لم يكن له مال.»[2]
ومنها:
ما رواه الكليني ايضاً عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابن ابي عمير عن معاوية بن عمار عن ابي عبدالله (عليه السلام) «في رجل صرورة مات ولم يحج حجة الاسلام وله مال. قال: يحج عنه صرورة لا مال له.»[3]
ومنها:
ما رواه الصدوق في الفقيه باسناده عن سعيد بن عبدالله الاعرج انه سأل ابا عبدالله (عليه السلام) عن الصرورة ايحجّ عن الميت؟ فقال:
نعم اذا لم يجد الصرورة ما يحج به، فان كان له مال، فليس له ذلك حتى يحج من ماله وهو يجزي عن الميت كان له مال او لم يكن له مال.[4]
وعمدة النظر في هذه الاخبار، ان من تشتغل ذمته بالحج لا يجوز ان يحج عن غيره، اذا تمكن من اداء الحج لنفسه، وهذا كما يصدق على المستطيع في العام الاول من استطاعته كذلك يصدق على من ترك الواجب في العام الاول و اراد النيابة عن غيره في العام الثاني، وكذلك والصرورة هي من لم يحج بلا فرق بين سنوات استطاعته والاولان صحيحتان لتمامية وثاقة سعد بن ابي خلف الزام، فانه وثقه الشيخ في الرجال والنجاشي وهو من الطبقة الخامسة.
واما الاخيرة فهي ايضاً صحيحة لتمامية اسناد الصدوق الى سعيد بن عبدالله الاعرج وسعيد وثقه النجاشي والعلامة وهو من الطبقة الخامسة.
فعمدة الاشكال في عدم دلالتها بوجه على الفورية في الحج.
نعم: تدل هذه الاخبار على لزوم الاهتمام بتكليف الحج بدفع مزاحماته وموانعه ومن جملتها قبول النيابة عن الميت. وليس فيها اكثر من لزوم الاهتمام لئلا يقع في ترك الحج وتفويته وهو على ما مر في الاخبار السابقة لزوم طريقي غير شامل لمن علم او وثق بتمكنه من الاتيان بعد ذلك.
قال صاحب العروة (قدس سره):
«وان تركه فيه ففي العام الثاني وهكذا، ويدل عليه جملة من الاخبار.»
قد مر انه لا دليل على وجوب الفورية بذاتها في الحج.
واما بناء على ثبوت وجوب الفورية كذلك، فاذا ترك في العام الاول فلا محال تقتضي الادلة الدالة على الفورية الاتيان به في العام الثاني فيكون مقتضاها الاتيان به فوراً ففوراً.
وعليه يبتني كلام صاحب العروة: واما بناء على عدم ثبوت الفورية كما مر
فيمكن ان يقال:
انه قد مر ان مقتضى الادلة الواردة في المقام لزوم الاهتمام على تكليف الحج وعدم تركه والتحفظ على ان في التاخير احتمال الترك طريقياً، وهو وان لا يشمل صورة تركه عند العلم او الوثوق بالبقاء والتمكن من ادائه الا ان في غير هذه الصورة تقتضي هذه الادلة التي قلنا ان مفاد الامر بلزوم التعجيل طريقياً، لزوم التوجه الى احتمال تفويت التكليف بالتاخير وان الاحتياط والتحفظ على اغراض المولى الاتيان بالواجب في العام الاول ومع تركه فيه في العام الثاني وهكذا لبقاء موضوع الامر الطريقي ما دام لا ياتي بالواجب.
قال صاحب العروة (قدس سره):
«فلا يجوز تأخيره عنه، وإن تركه فيه ففي العام الثاني وهكذا، ويدل عليه جملة من الأخبار.
فلو خالف وأخر مع وجود الشرائط بلا عذر يكون عاصيا، بل لا يبعد كونه كبيرة، كما صرح به جماعة ويمكن استفادته من جملة من الأخبار.»[5]
قال المحقق في الشرايع: «والتاخير مع الشرائط كبيرة موبقة.»[6]
وافاد الشهيد في المسالك: «بلا خلاف عندنا.»
وفي المدارك بعد نقل قول المحقق: « هذه الأحكام كلها إجماعية على ما نقله جماعة منهم المصنف في المعتبر.»[7]
وافاد صاحب بالجواهر في شرح كلام المحقق في الشرائع:
« بل الظاهر أن التأخير مع الشرائط عن عام الاستطاعة معصية كبيرة موبقة ومهلكة كما صرح به غير واحد وإن حج بعد ذلك »[8]
وقال في مقام الاستدلال لذلك:
« لكونه كذلك في نظر أهل الشرع، ولما رواه الصدوق عن الفضل بن شاذان عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) إنه كتب إلى المأمون تفصيل الكبائر، ومن جملتها الاستخفاف بالحج الصادق بالتأخير عن عام الاستطاعة.
[1] . الشیخ الانصاری، کتاب الحج، ج ١، ص 10.
[2] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 5 من أبواب النيابة في الحج، ص172، الحديث 14551/1.
[3] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 5 من أبواب النيابة في الحج، ص172، الحديث 14552/2.
[4] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 5 من أبواب النيابة في الحج، ص172، الحديث 14553/3.
[5]. العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 343-344.
[6]. المحقق الحلي، شرايع الاسلام، ج1، ص163.
[7]. السيد محمد العاملي، مدارك الاحكام، ج7، ص15.
[8]. الشيخ محمد حسن النجفي، الجواهر الكلام، ج17، ص224.