بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه ده
الثانية:
ما رواه الصدوق (قدس سره) في العلل ايضاً عن محمد بن الحسن عن احمد بن ادريس عن احمد بن محمد، عن علي بن مهزيار عن عبدالله بن الحسين الميثمي رفعه الى ابي عبدالله (عليه السلام) قال: « ان في كتاب الله عز وجل فيما انزل الله {ولله على الناس حج البيت} في كل عام {من استطاع اليه سبيلاً}.»[1]
اما جهة الدلالة فيها: فان مدلول الحديث وجوب الحج بمقتضى الاية الشريفة على من استطاع اليه سبييلاً في كل عام.
فان المذكور فيه {من استطاع اليه سبيلاً} بدل المذكور في الروايات السابقة من التعبيير باهل الجدة فلا فرق بينها و بين الاخبار السابقة الا في التعبير فيمن يجب عليه الحج.
اما جهة السند فيها:
رواه الصدوق (قدس سره) عن محمد بن الحسن، والمراد محمد بن الحسن بن احمد بن الوليد ويقال محمد بن الحسن بن الوليد قال النجاشي (قدس سره) في ترجمة: «شيخ القميين ثقة ثقة» و وثقه الشيخ في الرجال وقال في الفهرست: «موثوق به». وهو من الطبقة التاسعة. وهو رواه عن احمد بن ادريس ابو علي الاشعري وثقه النجاشي في رجاله والشيخ في الفهرست والعلامة وابن شهر اشوب، وهو من الطبقة الثامنة.
وهو رواه عن احمد بن محمد و هو ابن عيسى وقد مر توثيقه عن الشيخ في رجاله والعلامة. و هو من الطبقة السابعة.
وهو رواه عن علي بن مهزيار. قال في ترجمته الشيخ في الفهرست: « جليل القدر واسع الرواية ثقة له ثلاثة وثلاثون كتاباً.» [2]
وقال فيه النجاشي: «وكان ثقة في روايته لايطعن عليه صحيحا اعتقاده»[3]
ومثله عن العلامة.
و وثقه الشيخ في الرجال من اصحاب الرضا و الجواد والهادي (عليهم السلام).
وهو من الطبقة السادسة.
وهو رواه عن عبدالله بن الحسين الميثمي. والظاهر انه غير مذكور في كتب الحديث فلا نعرف حاله بوجه.
وهو رفعه الى ابي عبدالله (عليه السلام). فالرواية مرفوعة مع الجهل بحال عبدالله بن الحسين.
وهنا طائفة ثالثة تدل على وجوب الحج مطلقاً.
فمنها: ما رواه الكليني عن علي بن ابراهيم عن ابيه، وعن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان. جميعاً عن ابن ابي عمير عن عبدالرحمن بن الحجاج.
قال: قلت لابي عبدالله (عليه السلام): الحج على الغني والفقير؟ فقال: الحج على الناس جميعاً كبارهم وصغارهم، فمن كان له عذر عذره الله.[4]
ومدلول الرواية:
وجوب الحج على الناس مطلقاً فوزانه وزان الآية في ذلك. وذكر الفقير بعد الغني موضوعاً لوجوبه لا يراد به الا من استطاع اليه سبيلاً في الآية، وان من ليس له سبيل فجعله مما عذره الله.
اما جهة السند فيها.
رواه الكليني عن علي بن ابراهيم عن ابيه. ولا شبهة في وثاقتهما على مر وهما من الطبقة الثامنة والسابعة.
وكذا رواه الكليني عن محمد بن اسماعيل وهو النيشابوري ابو الحسن البندقي. وصحح العلامة (قدس سره) الرواية التي تشتمل عليه في المنتهى والمختلف. وهو من الطبقة الثامنة.
وهو رواه عن الفضل بن شاذان وثقه النجاشي والعلامة. وهو من الطبقة السابعة.
وهما اي ابراهيم بن هاشم والفضل رويا الخبر جميعاً عن ابن ابي عمير. وهو من الطبقة السادسة.
وهو رواه عن عبدالرحمن بن الحجاج البجلي بياع السابري. وثقه النجاشي والعلامة. وهو من الطبقة الخامسة.
فالرواية صحيحة.
هذا وقد عرفت ان في المقام طوائف ثلاثة.
الاولى: ما دلت على وجوب الحج مطلقاً بلا فرق فيه بين الغني والفقير والكبير والصغير بلا تقييد فيه بمرة واحدة او كل سنة
وهذا الاطلاق، وان لم يمكن الاخذ به لتقييد الوجوب في الاية الكريمة بخصوص من استطاع وكذا تقييد المكلف له بما دل على رفع التكاليف عن غير البالغ، الا انه من جهة عدم التقييد فيها بالمرة او المرات يوافق مدلول الاية الشريفة، ومدلول الآية وان كان وجوب الحج الا ان مقتضى الاطلاق فيها كفاية المرة، ولو لم يذكر التقييد بها فيها لكفاية الاتيان بصرف الوجود عند عدم تقييدها بالتكرار.
الثانية:
ما دلت على وجوب الحج مرة واحد في تمام العمر و عمدة النظر فيها بيان العلة لوجوب الحج مرة واحدة في تمام العمر دون بيان التقييد بالمرة، وكأن تعلق الوجوب بالحج مرة واحدة كان مفروغاً عنه فيها، وانما بين العلة لايجابه مرة واحدة مثل قوله (عليه السلام): «انما امروا بحجة واحدة لا اكثر من ذلك لان الله وضع الفرائض على ادنى القوة» في معتبرة فضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) او «على ادنى القوم قوة» في معتبرة محمد بن سنان عنه (عليه السلام). او «ما كلف الله العباد الا ما يطيقون» في معتبرة هشام بن سالم ومدلولها نفي ما زاد عن المرة لعدم اقتضاء الادلة باطلاقها الا الاتيان بصرف الوجود من التكليف المحقق بالمرة.
الثالثة: ما دلت على فرض الحج على اهل الجدة في كل عام. فان الموضوع فيها اهل المكنة والثروة حسب المعنى اللغوي. دون جميع الناس، بل ويمكن القول بكونه اخص من الموضوع لوجوب الحج وهو من استطاع اليه سبيلاً لعدم اطلاق اهل جدة على جميعهم.
الا ان في معتبرة الكليني والشيخ (قدس سرهما) التعليل له بالآية الشريفة بقوله (عليه السلام): «ان الله (عزوجل) فرض الحج على اهل الجدة في كل عام، وذلك قوله (عزوجل): {ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلاً ومن كفر فان الله غني عن العالمين}.»[5]
وهو ظاهر في كون المراد من اهل الجدة من استطاع اليه سبيلاً دون ما ربما يفهم من العنوان عرفاً.
وبيان التعليل بالاية الشريفة وان يختص بهذه الرواية وان غيرها خالية عنه الا انه يدل على ان موضوع الفرض هو من اجتمع فيه شرائط الحج في كل سنة.
وهذا ينافي الطائفة الثانية بصراحة لان مدلول تلك الاخبار نفي الوجوب عما زاد عن المرة ومقتضى هذا الاخبار فرض الحج في كل عام ونتيجة تعارض الطائفتين بالتباين.
ومقتضى القاعدة عند تعارضهما سقوطهما عن الاعتبار والرجوع الى اطلاق او عموم فوقهما او الاصل، ويكفي في المقام اطلاق الاية الشريفة ومع التنزل ان مقتضى الاصل البراءة عما زاد عن المرة.
ويمكن ان يقال:
ان الطائفة الثالثة لا تتكفل للمعارضة مع الطائفة الثانية، وذلك لان بعد قيام الاجماع والضرورة على عدم وجوب الحج الا مرة واحدة في تمام العمر لا تبقى شبهة في وهن ما دل على وجوبه في تمام العمر، الا انا نرفع اليد عما خالف المشهور وما لايكون مطابقاً لفتوى المشهور بمقتضى «خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر» فان المجمع عليه لاريب فيه، ومن المسلم انه ليس بين الطائفة القول بلزوم الاتيان بالحج في جميع سنوات العمر الا ما يظهر عن الصدوق (قدس سره) وقد مر في محله ان المراد من الشهرة في قوله: «ما اشتهر بين اصحابك» الشهرة الفتوائية دون الروائية حتى يقال ان الاخبار المذكورة اي الطائفة الثانية لها اشتهار روائي واذا كان الامر في غير المشهور كذلك فكيف بما خالف الاجماع والضرورة.
هذا وعليه فلا كلام في سقوط ما دل على وجوب الحج كل سنة وعدم تكلفه للتعارض مع ما دل على وجوبه مرة واحدة في تمام العمر.
ولكن بمقتضى قولهم: «ان الجمع مهما امكن من الطرح».
وكذا بمقتضى اشتهار هذه الروايات ـ الطائفة الثالثة ـ في جوامعنا الروائية.
وكذا من جهة ان نقله هذه الاحاديث مثل علي بن جعفر، حذيفة بن منصور، ابن ابي عمير، يعقوب بن يزيد، علي بن مهزيار وامثالهم كانوا عارفين بالاحكام الصادرة من طريق اهل البيت، وقد نقولها من غير استعجاب وسؤال من تمكنهم من الرجوع الى الامام (عليه السلام) والسؤال منه (عليه السلام) بحقيقة الامر والمراد.
مع انه لا وجه لحمل هذه الاخبار على التقييد حتى كان هو المصحح لنقل ما يمكن تصوير مخالفته للقواعد المسلمة، لان العامة باجمعهم قائلون بوجوبه مرة واحدة في تمام العمر.
وحمل الخبر على التقية انما كان في مورد كان بين العامة قول معتبر، او رواية اشتهر الاستناد بها والفتوى بمقتضاها بحيث عد قولاً حاكماً على سائر الاقوال في مجامعهم العلمية والفتوائية في عصر الامام(عليه السلام) على حد لا يتمكن الامام (عليه السلام) من اظهار القول المخالف له، وهذا المعنى لايحتمل بالنسبة الى هذه الروايات جداً.
فان العامة متفقون على وجوبه مرة واحد في اخبارهم واقوالهم.
ففي صحيح مسلم والنسائي عن ابي هريرة قال: خطب رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقال: « فقال أيها الناس ان الله عز وجل قد فرض عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم...»[6]
ومثله عن الترمذي.
وروى ابن داود عن عبد الله بن عباس، أن الأقرع بن حابس سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله الحج في كل سنة أو مرة واحدة ؟ قال: " بل مرة واحدة، فمن زاد فهو تطوع "...»[7]
ونقل النسائي الخبر: عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقال: إن الله تعالى كتب عليكم الحج فقال الأقرع بن حابس التميمي كل عام يا رسول الله فسكت فقال لو قلت نعم لو جبت ثم إذا لا تسمعون ولا تطيعون ولكنه حجة واحدة.[8]
وكذا في سائر الطرق في مسند احمد.
وكذلك ان وجوب الحج مرة واحدة مجمع عليه عندهم في الفتاوى
قال ابن حزم في المحلى: أما قولنا بوجوب الحج - على المؤمن العاقل البالغ الحر، والحرة التي لها زوج أو ذو محرم يحج معها مرة في العمر - فاجماع متيقن، واختلفوا في المرأة لا زوج لها ولاذا محرم، وفى الأمة والعبد، وفى العمرة... [9]
[1] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 2 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص18، الحديث 14134/7.
[2] . الشيخ الطوسي، الفهرست، ص88، الرقم369.
[3] . النجاشي، رجال النجاشي، ص253، الرقم664.
[4] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 2 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص17، الحديث 14130/3.
[5] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 2 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص16، الحديث 14128/1.
.[6]مسلم النيسابوري، صحيح مسلم، ج4، ص102؛ احمد بن حنبل، مسند احمد، ج2، ص508؛ ابن حزم، المحلي، ج7
ص46.
[7] . ابن الاشعث السجستاني، سنن ابي داود، ج1، ص388.
[8] . النسائي، سنن النسائي، ج5، ص111.
[9] . ابن حزم، المحلي، ج7، ص46.