بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شش
قال صاحب العروة: «وتركه من غير استخفاف من الكبائر»
عنوان الكبيرة وصف للذنب والذنب هو المحرم، وترك الواجب بما هو واجب ليس محرماً نفسياً وذاتياً لان الترك لايشتمل على المفسدة، بل هو ترك للمصلحة الملزمة الا انه ورد في بعض الاخبار عدُ ترك الفرائض من الكبائر.
نظير:
ما رواه محمد بن يعقوب عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد بن خالد عن عبد العظيم الحسني قال: حدثني أبو جعفر الثاني ( عليه السلام ) قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي موسى بن جعفر ( عليه السلام ) يقول: دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فلما سلم وجلس تلا هذه الآية ( الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش ) ثم أمسك، فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) ما أسكتك ؟ قال: أحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله عز وجل، فقال: نعم يا عمرو أكبر الكبائر الاشراك بالله يقول الله: ( ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ) ـ الي ان قال: ـ وترك الصلاة متعمدا أو شيئا مما فرض الله عز وجل لان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال: من ترك الصلاة متعمدا فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله...»[1]
ورواه الصدوق باسناده عن عبدالعظيم الحسني نحوه. وهذه الرواية صحيحة بطريق الكليني.
لانه (قدس سره) رواه عن عدة من اصحابه عن احمد بن محمد بن خالد. و العدة التي روى عنه هم: علي بن ابراهيم وعلي بن محمد بن عبدالله بن اُذينة واحمد بن عبدالله بن ابيه او اُمية وعلي بن الحسن وبينهم مثل علي بن ابراهيم.
واما احمد بن محمد بن خالد البرقي، وثقه الشيخ في الفهرست والنجاشي في الرجال. وهو من الطبقة السابعة.
وهو رواه عن عبد العظيم الحسني (رضوان الله عليه). «وهو عبدالعظيم بن عبدالله الحسني العلوي»، في الفهرست الشيخ.[2]
« عبد العظيم ابن عبدالله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن ابي طالب[عليهم السلام]» كما في رجال النجاشي.[3] كان من اصحاب الجواد والهادي (عليهما السلام).
قال العلامة في الخلاصة: «كان عبداً ورعاً له حكاية تدل على حسن حاله، قال محمد بن بابويه انه كان مرضياً.»[4]
و روى محمد بن علي بن الحسين في ( ثواب الأعمال ) [و روى الصدوق في الفقيه] عن علي بن أحمد، عن حمزة بن القاسم العلوي، عن محمد بن يحيى، عمن دخل على أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليهما السلام من أهل الري قال: دخلت على أبي الحسن العسكري عليه السلام فقال لي: أين كنت ؟ فقلت: زرت الحسين عليه السلام فقال: أما إنك لو زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار الحسين بن علي عليهما السلام.[5]
و بالجملة لاشبهة في وثاقته وجلالة قدره وعظم شانه، وهو من الطبقة السادسة.
واما طريق الصدوق الى سيدنا عبدالعظيم الحسني يشتمل على علي بن الحسين السعدآبادي، و لا تنصيص على وثاقته الا انه من مشايخ الكليني، وقال الاسترابادي في رجاله الكبير «وظاهر جمع من الاصحاب إعتباره».
واما من جهة الدلالة: فانه قد صرح فيها بان ترك الصلاة متعمداً من الكبائر، وزاد عليه او شيئاً مما فرض الله (عز وجل) فجعل ترك كل ما فرض الله ـ اي جميع الواجبات ـ معتمداً من الكبائر. ومن جملتها ترك الحج، وعليه فلا خصوصية للحج من حيث كون تركه من الكبائر بمقتضى هذا الخبر الشريف، لان ذلك ثابت لجميع الفرائض.
اما بالنسبة الى خصوص الحج قال السيد الخوئي:
«نعم، لا إشكال في ان ترك الحج عمداً من الكبائر لعده منها في جملة من النصوص»[6]
و افاد السيد الحكيم في المستمسك بعد ذكر قول صاحب العروة، و تركه من غير استخفاف من الكبائر: «لان ترك الواجب معدود من الكبائر في الروايات المتعرضة لعدد الكبائر»[7]
اقول:
انه عد ترك الصلاة من الكبائر في عدة من النصوص، واما ترك الحج بعنوانه لم نجد ذكره في الاخبار الواردة في بيان عدد الكبائر.
نعم ترك الواجب قد ذكر بعنوان ترك كل ما فرض الله (عزوجل) في ضمن بيان كون ترك الصلاة من الكبائر في خصوص صحيحة عبدالعظيم الحسني. وهذا البيان يشمل ترك الحج، ولكنه لاتقتضي خصوصية فيه في قبال ترك سائر الواجبات.
ثم افاد السيد الخوئي (قدس سره):
« ولا يبعد أن يكون الاستخفاف به من الكباير فإنه نظير الاستخفاف بالصلاة كما في قوله تعالى ( ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) بناءا على أن المراد بالسهو عن الصلاة الاستخفاف بها والحج نظير الصلاة لأنه مما بنى عليه الاسلام. »[8]
وظاهره انه كان في صدد اثبات عنوان الكبيرة على الاستخفاف بالحج من جهة التنظير بالصلاة فكما ان الاستخفاف بالصلاة كبيرة كذلك الاستخفاف بالحج لانه مما بني (عليه الاسلام) كالصلاة في رواية دعائم الاسلام.
كما ان ظاهره (قدس سره) اثبات الاصل في التنظير بالبناء على كون المراد بالسهو في الصلاة الاستخفاف.
ويمكن ان يقال:
انه ورد عد الاستخفاف بالحج من الكبائر في خبرين:
1 – ما رواه الصدوق (قدس سره) في عيون الاخبار بأسانيده عن الفضل بن شاذان، عن الرضا ( عليه السلام ) في كتابه إلى المأمون قال: الايمان هو أداء الأمانة، واجتناب جميع الكبائر، وهو معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان - إلى أن قال: - واجتناب الكبائر وهي قتل النفس التي حرم الله تعالى، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر،- إلى أن قال: - والخيانة، والاستخفاف بالحج، والمحاربة لأولياء الله، والاشتغال بالملاهي، والاصرار على الذنوب.[9]
2 - ما رواه الصدوق (قدس سره) في الخصال باسناده عن الاعمش عن جعفر بن محمد (عليه السلام) في حديث شرايع الدين قال: والكبائر محرمة وهي الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله و عقوق الوالدين ـ الى ان قال: ـ والخيانة و الاستخفاف بالحج والمحاربة لاولياء الله....[10]
ولكن السيد الخوئي (قدس سره) لم يعتمد بالخبرين:
اما الاول:
فافاد في معجم رجال الحديث في ذكر طريق الصدوق الى فضل بن شاذان:
« فطريق الصدوق - قدس سره - إليه: عبد الواحد بن عبدوس النيسابوري العطار - رضي الله عنه -، عن علي بن محمد بن قتيبة، عن الفضل ابن شاذان النيسابوري، عن الرضا عليه السلام. والطريق ضعيف بعبد الواحد، وعلي بن محمد، »[11]
واما الثاني:
فانه (قدس سره) بعد ان ذكر عد الاعمش وهو سليمان بن مهران من خواص اصحاب الصادق (ع) في المناقب لابن شهر آشوب و نقل اعتراض الشهيد على العلامة لعدم التعرض له في الخلاصة، افاد ان في سند الصدوق اليه مجاهيل.
وان افاد (قدس سره) بالنسبة اليه انه يكفي في الاعتماد على روايته جلالته وعظمته عند الصادق (عليه السلام) ولذلك كان من خواص اصحابه (عليه السلام) وقد وقع في اسناد تفسير علي بن ابراهيم كما تقدم بعنوان سليمان الاعمش، وقد التزم انه لا يروي فيه الا عن الثقات.
وبما انه لا يعتمد بالخبرين من جهة الاشكال في اسناد الصدوق الى الرجلين افاد في المقام « ولا يبعد أن يكون الاستخفاف به ـ الحج ـ من الكباير وذكر في وجهه التنظير بالصلوة وانه نازل منزلتها من جهة بناء الاسلام عليه كالصلوة في حديث الدعائم، واستناد عد الاستخاف بالصلوة من الكبائر بالاية الشريفة، من غير استناد او تأييد فيما افاده (قدس سره) بالخبرين.
ويمكن ان يقال:
اما الحديث الاول: اي رواية الصدوق باسانيده عن الفضل بن شاذان فيمكن ان يقال فيه:
ان عبدالواحد بن عبدوس النيشابوري العطار وان ليس لنا نص على توثيقه في كلمات الرجالين الا ان فيه جهات:
الاولى: انه من المشايخ التي نقل عنهم الصدوق مترضياً عنهم بغير واسطة مع تكرر ذلك منه المستفاد منه اعتماده عليه. ذكره الشهيد الثاني (قدس سره) في وجه اعتباره في المسالك.
الثانية: ان العلامة (قدس سره) صحح طريق الرواية المتضمنة لايجاب ثلاث كفارات على من افطر على محرم في التحرير وهو يشتمل على عبد الواحد بن عبدوس، وتبعه في ذلك الشهيد (قدس سره).
الثالثة:
ذكر الصدوق (قدس سره) في كتاب عيون اخبار الرضا رواية من ثلاث طرق احدها يشتمل على عبدالواحد بن عبدوس وقال بعد ذكرها: وحديث عبدالواحد بن محمد بن عبدوس عندي اصح. ومجموع ذلك يكون قرينة على توثيقه خصوصاً تصحيح العلمين لنقله.
واما علي بن محمد بن قتيبة. فهو ايضاً لم ينقل نص على وثاقته في كتب الرجال الا ان بالنسبة اليه ايضاً جهات:
الاولى:
قال النجاشي (قدس سره) في رجاله: «علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري عليه اعتمد ابو عمر الكشي في كتاب الرجال، ابو الحسن صاحب الفضل بن شاذان ورواية كتبه.»[12]
ومثله عن العلامة (قدس سره) في الخلاصة: «علي بن محمد بن قتيبة ويعرف بالقتيبي النيسابوري ابوالحسن تلميذ الفضل بن شاذان فاضل عليه اعتمد ابو عمرو الكشي في كتاب الرجال.»[13]
الثانية: ان العلامة (قدس سره) انه عده في قسم المعتمدين من الخلاصة. وكذا ابن داود ذكره في قسم المعتمدين.
الثالثة: ذكر العلامة (قدس سره) في الخلاصة عند ذكر يونس بن عبدالرحمن: وفي حديث صحيح ان الرضا (عليه السلام) ضمن ليونس الجنة ثلاث مرات. والحديث المشتمل عليه، ما رواه الكشي عن علي بن محمد القتيبي قال:حدثني الفضل بن شاذان، قال: حدثني محمد بن الحسن الواسطي، وجعفر بن عيسى و محمد بن يونس: ان الرضا (عليه السلام) ضمن ليونس الجنة ثلاث مرات.[14]
وتصحيح العلامة للحديث يكون دليلاً على توثيقه. و عليه فان رواية الصدوق باسناده عن الفضل بن شاذان تتصف بالصحة عندنا.
[1] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج15، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، ص318-320، الحديث 20629/2.
[2] . الشيخ الطوسي، الفهرست، ص121، الرقم537.
[3] . النجاشي، رجال النجاشي، ص247، الرقم653.
[4] . العلامة، خلاصة الاقوال، ص130، الرقم12.
[5] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج14، الباب 93 من أبواب المزار، ص575، الحديث 19849/1.
[6] . السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص13.
[7] . السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقي، ج10، ص5.
[8] . السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص13.
[9] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج15، - الباب 46 من أبواب جهاد النفس، ص329، الحديث 20660/33.
[10] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج15، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، ص331، الحديث 20663/36.
[11] . السيد الخوئي، معجم رجال الحديث، ج14، ص318، الرقم9374.
[12] . النجاشي، رجال النجاشي، ص259، الرقم678.
[13] . العلامة، خلاصة الاقوال، ص28.
[14] . العلامة، خلاصة الاقوال، ص185.