بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پنج
وأفاد المحقق العراقي (قدس سره) في مقام رد الشيخ (قدس سره):
وأما الاجماع فتقريره: تارة باجماع العلماء كافة على أن الحكم فيما لم يرد فيه دليل عقلي أو نقلي على تحريمه من حيث إنه مجهول الحكم هي البراءة، وأخرى باجماعهم على عدم وجوب الاحتياط فيما لم يرد دليل معتبر على حرمته من حيث هو.
ولا يخفى ما في كلا التقريرين: فان الأول غير نافع لكونه مساوقا لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان المسلم عند الاخباري أيضا.
واما الثاني: فهو أيضا غير تام مع مخالفة الأخباريين وذهابهم إلى وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمة الحكمية.
مضافا إلى عدم كشف مثله في المقام عن رأى المعصوم " ع " ولا عن وجود دليل معتبر غير واصل إلينا، فإنه من المحتمل كون منشأ اتفاقهم سائر الأدلة كما يظهر من كلماتهم.
نعم لو فرض مفروغية أصل الحكم عند المجمعين بان كان تمسكهم ببعض الأدلة من قبيل بيان نكتة الشئ بعد وقوعه بحيث لو لم تتم تلك الأدلة لزالوا باقين على حكمهم بالبرائة " كان " للاستدلال به مجال واسع، ولكن الشأن في ثبوت ذلك ولا أقل من الشك فلا يتم الاستدلال به للمطلوب.»[1]
وحاصل ما افاده في مقام النقد. اما بالنسبة الى التقرير الاول، فقد مر مثله من الشيخ (قدس سره).
وأما بالنسبة الى التقرير الثاني للاجماع، فأورد على الشيخ بعدم تمامية الاجماع المذكور، لذهاب الاخباريين الى وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية، كالمحقق النائيني (قدس سره).
وزاد عليه بأن مع التسليم عنه، فإن الاجماع المذكور غير كاشف عن رأي المعصوم، او عن دليل معتبر غير واصل الينا، وتمام اعتبار الاجماع بكاشفيته عن رأي المعصوم خصوصاً.
وأفاد ايضاً: بأن هذا التقرير من الاجماع لو تم لكان مدركياً مستنداً الى ما عندنا من الادلة كالكتاب والسنة وحكم العقل في المقام.
والنكتة الاساسية في كلامه، ما افاده في مقام توجيه استدلال الشيخ بالاجماع بتقريره الثاني، وهو انه يمكن تصوير تمامية الاجماع، بأن الحكم بالبرائة في مجهول الحكم بما هو لا بما هو مجهول الحكم، يمكن ان يكون مفروغاً عنه عند المجمعين، ولا يكون مستنداً الى سائر الادلة، بل كان استدلالهم بها وذكرهم لها من باب بيان نكتة الشيء بعد وقوعه، وتظهر الثمرة فيه بأنه لو لم تتم سائر الادلة ـ التي ربما ذكروها في طي الاستدلال احياناً ـ لزالوا باقين على حكمهم بالبرائة حسب تعبيره (قدس سره)، وبهذا التقريب يمكن الاستدلال بالاجماع بالتقرير الثاني، وإن له مجال واسع. ولكنه اورد عليه: بأن الكلام هنا في ثبوت هذا المعنى في الاجماع، ولا اقل من الشك فيه، ومعه لا يحرز كون البرائة مفروغاً عنها عندهم في الشبهات حتى مع عدم تمامية سائر الادلة.
اما السيد الخوئي (قدس سره) فقد افاد في مقام الاستدلال بالاجماع في المقام:
الثالث: من الوجوه التي استدل بها على البراءة - هو الاجماع. وتقريبه بوجوه ثلاثة:
( الأول ) - دعوى اتفاق الأصوليين والأخباريين على قبح العقاب على مخالفة التكليف غير الواصل إلى المكلف بنفسه ولا بطريقه.
وفيه( أولا) ان هذا الاتفاق وان كان ثابتا، إلا أنه على أمر عقلي لا على أمر شرعي فرعى، كي يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأى المعصوم ( ع ).
( ثانيا ) أن هذا الاتفاق إنما هو على الكبرى، ولا تترتب عليه ثمرة مع عدم ثبوت الصغرى، ولا اتفاق عليها، فان الأخباريين يدعون عدم تحققها وأن الاحكام المجهولة واصلة إلى المكلفين بطريقها، إما مطلقا كما ادعاه المحدث الاسترآبادي، وإما في خصوص الشبهة التحريمية كما عليه المشهور منهم، للروايات الدالة على الاحتياط والتوقف على ما سيجئ التعرض لها إن شاء الله تعالى.
( الثاني ) دعوى الاتفاق على أن الحكم الشرعي المجعول في موارد الجهل بالأحكام الواقعية وعدم وصولها بنفسها ولا بطريقها هو الإباحة والترخيص وفيه ما ذكرناه في سابقه ثانيا من أن الاتفاق على الكبرى لا يفيد، مع عدم احراز الصغرى، ولا اتفاق عليها على ما سيجئ وتقدمت الإشارة إليه.
( الثالث ) دعوى الاتفاق على أن الحكم الظاهري المجعول في موارد الجهل بالأحكام الواقعية وعدم وصولها بنفسها هو الإباحة والترخيص. وهذا الاتفاق لو ثبت لأفاد، ولكنه غير ثابت، كيف وقد ذهب الأخباريون وهم الأجلاء من العلماء إلى أن الحكم الظاهري هو وجوب الاحتياط .»[2]
والسيد الخوئي (قدس سره) وإن لم يتعرض لكلام الشيخ ولا لنقده بخصوصه، الا انه بعد التفكيك وجوه تقرير الاجماع على ما يستفاد من كلام الشيخ، افاد بما حاصله:
انه لو كان الاجماع المدعى الاجماع على الحكم العقلي كقاعدة قبح العقاب فلا سبيل اليه. لأن الأمر العقلي ليس موضوعاً للاجماع، مع انه لو تم فإنما هو اجماع على الكبرى، وأما في الصغرى فلا يلتزم به الاخباريون لأنهم يدعون قيام الدليل الشرعي بخلافه.
ثم انه صور للاجماع صورتين اخرتين:
1 – دعوى الاتفاق على ان الحكم الواقعي، اي الحكم الشرعي المجهول في موارد الجهل بالاحكام الواقعية هو الاباحة والترخيص.
2 – دعوى الاتفاق على ان الحكم الظاهري المجهول في موارد الجهل بالاحكام الواقعية هو الاباحة والترخيص.
وأورد على الاول: بأنه اتفاق على الكبرى ولا يفيد مع احراز الصغرى، ولا اتفاق على الصغرى.
وعلى الثاني:
بأنه وإن كان تاماً في نفسه، الا انه غير ثابت لذهاب الاخباريين الى غيره.
ويمكن ان يقال:
ان الشيخ (قدس سره) ذكر في تقريب الاجماع وجهين:
الاول: دعوى اجماع العلماء كلهم المجتهدين والاخباريين على ان الحكم فيما لم يرد فيه دليل عقلي او نقلي على تحريمه من حيث هو او من حيث انه مجهول الحكم هي البرائة. وأورد على هذا التقريب بأنه لا وجه له بعد تمامية ما ذكر من الدليل العقلي او النقلي على الحظر والاحتياط كما ادعاه الاخباريون.
الثاني: دعوى الاجماع على ان الحكم فيما لم يرد دليل على تحريمه من حيث هو، عدم وجوب الاحتياط وجواز الارتكاب.
وهذا التقريب فيه خصوصيات يفترق بها عن التقريب الاول.
وهي:
1 – ان معقد الاجماع فيه عدم وجوب الاحتياط فيما لم يرد دليل على تحريمه من حيث هو، لا من حيث انه مجهول الحكم.
2 – انه يدعى في هذا التقرير ثبوت هذا الاجماع من غير ان يضاف به العلماء كلهم من المجتهدين والاخباريين بخلاف التقرير الاول.
3 – انه صرح بأن معقد هذا الاجماع عدم وجوب الاحتياط وجواز الارتكاب بخلاف التقرير الاول، حيث ذكر بان معقده ثبوت البرائة وعدم استحقاق العقاب.
4 – انه ذكر في التقرير الاول ثبوت الاجماع من الكل حتى الاخباريين على البرائة وعدم العقاب على الفعل، وفي التقرير الثاني ثبوته على عدم وجوب الاحتياط و جواز الارتكاب من غير ان يذكر عنوان البرائة وعدم العقاب على الفعل.
وهذه الخصوصيات تشعر الى جهات:
الاولى: ان الاجماع بهذا التقرير انما يتحصل من المراجعة الى الفتاوى الواردة منهم في الموارد التي لا يعلم المكلف الحكم فيها ـ من حيث هي ـ حيث انهم جوزوا الارتكاب ولا يعتمدون على الفتوى بالحرمة في شيء من هذه الافعال بمجرد الاحتياط.
ولذا افاد بأن ذكر الاحتياط احياناً في كلماتهم انما يكون في طي الاستدلال لا انه صار مستنداً لفتواهم بالحرمة، بل انما يذكرونه في مراحل ذكر الادلة والوجوه حتى في موارد الشبهة الوجوبية.
ويشترك في ذلك الاصولي والاخباري فلا نجد منهم تغليب جانب الحرمة في هذه الموارد في مقام الفتوى.
وهذا الادعاء انما يثبت بمراجعة فتاويهم في الموارد المذكورة في الفقه.
[1]. الشيخ محمد تقي البروجردي، نهاية الافكار تقرير البحث المحقق ضياء الدين العراقي، ج3، ص235.
[2]. البهسودي، مصباح الاصول تقرير البحث السيد الخوئي، ج2، ص282-283.