بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و هفده
وهذا كما يحتمل ان يكون وجه عدم سؤاله عن احكام الحج المقصور، كذا يحتمل فيه التقصير، وكما يحتمل ان يكون جهله مركباً، كذلك يحتمل كونه بسيطاً، بل كان احتمال بساطة جهله اقوى، لأن ظاهر تبعيته عن الاخرين في ذلك حين عمله، توجهه بعدم معرفة احكام الحج، كما انه صرح نفسه بأنه لا يسأل احداً.
فتكون مورد الرواية شاهدة على قوة ارادة الجهل البسيط كما فرضه المحقق النائيني (قدس سره).
ما رواه الكليني في الكافي ايضا عن محمد بن يحيى و غيره، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن ابن الطيار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله احتج على الناس بما آتاهم وعرفهم.
محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج مثله.[1]
قال الشيخ (قدس سره):
« ومنها: قوله (عليه السلام): "إن الله يحتج على العباد بما آتاهم وعرفهم".
وفيه: أن مدلوله - كما عرفت في الآيات وغير واحد من الأخبار - مما لا ينكره الأخباريون.»[2]
اما جهة السند فيها:
فرواه الكليني (قدس سره) في الكافي عن محمد بن يحيى وهو ابو جعفر القمي، وثقه النجاشي والعلامة، وهو من الطبقة الثامنة.
وهو رواه عن احمد بن محمد بن عيسى، ابن عبدالله بن سعد الاشعري، وثقه الشيخ في الرجال والعلامة، وهو من الطبقة السابعة.
وهو رواه عن الحسين بن سعيد الاهوازي بن حماد بن مهران، وثقه الشيخ في الرجال والفهرست، وهو من الطبقة السادسة.
وهو رواه عن محمد بن ابي عمير، وهو اجل من التوثيق، ومن الطبقة السادسة.
وهو رواه عن جميل بن دراج، وثقه الشيخ في الفهرست والنجاشي، وهو من اصحاب اجماع الكشي ومن الطبقة الخامسة.
وهو رواه عن ابن الطيار، والظاهر انه هو حمزة بن محمد الطيار كوفي، روى عنه جميل في المقام وثعلبة بن ميمون وفضالة بن ايوب وابن بكير و يونس بن عبدالرحمن، لا تنصيص على وثاقته في كتب الرجال.
والرواية وإن لا تتصف بالتوثيق من ناحية حمزة، الا انه روى عنه في المقام جميل وهو من اصحاب الاجماع.
هذا و اورد على دلالة الرواية في المقام المحقق النائيني (قدس سره)، بأن مفادها مفاد قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
وعليه فإن الاحتجاج على العباد يتوقف على عدم تعريف الحكم وعدم اتيانه، فإذا فرض ورود ما دل على وجوب الاحتياط في المشتبه، فلا محالة ينتفي موضوع عدم الاتيان و عدم المعرفة في الحكم، لأنه بيان فيصح احتجاجه على العباد.
ومنها:
ما رواه الكليني عن ابي علي الاشعري عن محمد بن عبدالجبار، وعن محمد بن اسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعاً، عن صفوان عن عبدالرحمن بن الحجاج، عن ابي ابراهيم (عليه السلام)، وفي التهذيب عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال:
«سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة أهي ممن لا تحل له أبدا؟ فقال: لا أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك فقلت: بأي الجهالتين يعذر بجهالته ان ذلك محرم عليه؟ أم بجهالته انها في عدة؟ فقال: احدى الجهالتين أهون من الآخري الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه وذلك بأنه لا يقدر على الاحتياط معها فقلت: وهو في الأخرى معذور؟ قال: نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها فقلت: فإن كان أحدهما متعمدا والآخر بجهل فقال: الذي تعمد لا يحل له أن يرجع إلى صاحبه أبدا.»[3]
اما جهة السند فيها:
رواه الكليني عن ابي علي الاشعري، وهو احمد بن ادريس القمي، قال فيه النجاشي: «كان ثقة فقيهاً في اصحابنا كثير الحديث صحيح الرواية»، وهو من الطبقة الثامنة.
وهو رواه عن محمد بن عبدالجبار ابن ابي الصهبان، وثقه الشيخ في الرجال والعلامة، وهو من الطبقة السابعة.
وايضاً رواه احمد بن ادريس عن محمد بن اسماعيل ابو الحسن النيسابوري يدعى بندقي لا تنصيص على وثاقته. ولكن هذا لا يقدح في صحة النقل الى هنا، لكفاية نقل احمد ابن ادريس عن محمد بن عبد الجبار وهو من الطبقة السابعة ايضاً.
وهما رواه عن الفضل بن شاذان ابن الخليل، وثقه النجاشي والعلامة، وهو من الطبقة السابعة عند السيد البروجردي.
وهو رواه عن صفوان بن يحيى، وهو اجل من التوثيق ومن الطبقة السادسة.
وهو رواه عن عبدالرحمن بن الحجاج البجلي بياع السابري، قال فيه النجاشي: «ثقة ثقة»، وكذا العلامة، وهو من الطبقة الخامسة.
فالرواية صحيحة.
اما جهة الدلالة:
قال الشيخ في الرسائل:
«وفيه: أن الجهل بكونها في العدة إن كان مع العلم بالعدة في الجملة والشك في انقضائها: فان كان الشك في أصل الانقضاء مع العلم بمقدارها فهو شبهة في الموضوع خارج عما نحن فيه، مع أن مقتضى الاستصحاب المركوز في الأذهان عدم الجواز.
ومنه يعلم: أنه لو كان الشك في مقدار العدة فهي شبهة حكمية قصر في السؤال عنها، وهو ليس معذورا فيها اتفاقا، ولأصالة بقاء العدة وأحكامها.
بل في رواية أخرى أنه: "إذا علمت أن عليها العدة لزمتها الحجة"، فالمراد من المعذورية عدم حرمتها عليه مؤبدا، لا من حيث المؤاخذة.
ويشهد له أيضا: قوله (عليه السلام) - بعد قوله: "نعم، أنه إذا انقضت عدتها فهو معذور"-: "جاز له أن يتزوجها".
وكذا مع الجهل بأصل العدة، لوجوب الفحص، وأصالة عدم تأثير العقد، خصوصا مع وضوح الحكم بين المسلمين الكاشف عن تقصير الجاهل.
هذا إن كان الجاهل ملتفتا شاكا، وإن كان غافلا أو معتقدا للجواز فهو خارج عن مسألة البراءة، لعدم قدرته على الاحتياط. وعليه يحمل تعليل معذورية الجاهل بالتحريم بقوله (عليه السلام): "لأنه لا يقدر . . . الخ "، وإن كان تخصيص الجاهل بالحرمة بهذا التعليل يدل على قدرة الجاهل بالعدة على الاحتياط، فلا يجوز حمله على الغافل، إلا أنه إشكال يرد على الرواية على كل تقدير، ومحصله لزوم التفكيك بين الجهالتين، فتدبر فيه وفي دفعه.»[4]
اما الرواية الاخرى التي استشهد بها الشيخ لاصالة بقاء العدة وأحكامها.
«فرواه الشيخ باسناده عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن الحسن بن محبوب عن ابي ايوب عن يزيد الكناسي قال: سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن امرأة تزوجت في عدتها، فقال: ان كانت تزوجت في عدة طلاق لزوجها عليها الرجعة فإنه عليها الرجم .
وإن كانت تزوجت في عدة ليس لزوجها عليها الرجعة، فإن عليها حد الزاني غير المحصن. وإن كانت تزوجت في عدة بعد موت زوجها من قبل انقضاء الاربعة اشهر والعشرة ايام فلا رجم عليها، وعليها ضرب مأة جلدة.
قلت: أرأيت إن كان ذلك منها بجهالة؟ قال: فقال: ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلا وهي تعلم أن عليها عدة في طلاق أو موت، ولقد كن نساء الجاهلية يعرفن ذلك، قلت: فان كانت تعلم أن عليها عدة ولا تدري كم هي؟ فقال إذا علمت أن عليها العدة لزمتها الحجة، فتسأل حتى تعلم.
ورواه الكليني عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعن علي ابن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب مثله.»[5]
وحاصل ما افاده الشيخ في مقام الاستشكال على دلالة الحديث:
ان موضوع السؤال ان كان هو الجاهل المركب او الغافل فهو خارج عما نحن فيه، لعدم قدرة الغافل على الاحتياط، وعليه يحتمل تعليل معذورية الجاهل بالتحريم.
وإن كان هو الملتفت الشاك.
فالشك تارة يكون في انقضاء العدة مع العلم بشرعيتها ومقدارها، فالشبهة موضوعية ومقتضى الاستصحاب بقائها.
وإن كان الشك في انقضاء العدة لأجل الشك في مقدار العدة شرعاً فالشبهة حكمية، وقد قصر المتزوج في السؤال عنها، وليس معذوراً فيها اتفاقاً، لأنه بعد العلم بأن المرأة في العدة، يلزمه السؤال فيجري في المقام اصالة بقاء العدة و احكامها .
واستشهد الشيخ في المقام برواية يزيد الكناسي بقوله (عليه السلام): اذ علمت ان عليها العدة لزمتها الحجة فتسأل حتى تعلم.
وإذا كان الشك في اصل تشريع العدة بأن كان جاهلاً بأصل العدة فلزمه الفحص، مع انه لا اثر للعقد الواقع على المرئة التي كانت في العدة لاصالة عدم تأثير العقد الجديد، وهي تقتضي الفساد، وربما يستشهد لذلك بقوله (عليه السلام) في رواية يزيد الكناسي ايضاً بقوله (عليه السلام): ما من امرئة اليوم من نساء المسلمين الا و هي تعلم ان عليها عدة في طلاق او موت، وقد كن نساء الجاهلية يعرفن ذلك.
ثم ان اساس الاستدلال بالرواية وتقريب العلامة فيها:
ان قوله (عليه السلام): قد يعذر الناس بما هو اعظم، دل على معذورية الجاهل من جهة العقوبة عند الجهل وعدم العلم بالواقع الشامل باطلاقه للمعذورية عن العقوبة والنكال الاخروي.
وعمدة الاشكال فيه:
ان الظاهر من الجهالة في قوله (عليه السلام): الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه، وذلك بأنه لا يقدر على الاحتياط معها، بقرينة التعليل بعدم القدرة على الاحتياط، انما هي الغفلة عن ان الله تعالى حرم ذلك عليه دون الشاك الملتفت.
فإنه مضافاً الى بعد ذلك في نفسه مع اشتهار الحكم بين المسلمين وعدم خفائه على احد ممن كان نشوه في الاسلام.
لا يستقيم تعليله بعدم القدرة على الاحتياط لوضوح قدرة الجاهل الملتفت بالحرمة على الاحتياط.
وهذا بخلاف الغافل عن الحكم الشرعي، فإنه في ظرف غفلته لا يقدر على الاحتياط، فيصح فيه التعليل المذكور.
بل لو فرض لفظ الجهالة في الشك والترديد لابد من صرفه عن ظهوره وحمله بقرينة التعليل المذكور على الغفلة.
وعليه يخرج مفروض الرواية عن مورد البحث في المقام، فلا يستقيم الاستدلال بها للمطلوب لا في الشبهات الحكمية ولا في الشبهات الموضوعية، من غير فرق بين صور الشك وانحائه، كما مر تقريبه في كلمات الشيخ (قدس سره).
وإن بسطه المحقق العراقي بعد تقرير ما مر من الاشكال الى صور خمسة
حيث قال: ان الشك في الحرمة في مفروض المسئلة يكون من جهات:
تارة: من جهة الشك في اصل تشريع العدة على المرئة المطلقة او المتوفى عنها زوجها في الشريعة.
واخرى: من جهة الشك في مقدارها مع العلم بتشريع العدة عليها في الجملة.
وثالثة: من جهة الشك في انقضائها بعد العلم بتشريع العدة ومقدارها.
ورابعة: من جهة الشك في كونه عدة وفاة او طلاق.
وخامسة: من جهة الشك في اصل تكليفها بضرب العدة من جهة جهله بكونها معقودة للغير.
وعلى جميع التقادير لا ينتهي الأمر الى البرائة والاشتغال.
لاصالة عدم النكاح وعدم تأثير العقد، كما في الصورة الأولى.
والاستصحاب المثبت لبقاء العدة في الصورة الثانية والثالثة والرابعة، او الاستصحاب النافي لوجوب العدة عليها بنفي كونها معقودة للغير كما في الصورة الاخيرة. وقد مر ان الشيخ (قدس سره) صور صور الشك في الثلاثة.
ثم افاد المحقق العراقي (قدس سره):
« ثم انه على ما ذكرنا يبقى اشكال في الرواية من حيث التفكيك فيها بين الجهالتين من جهة القدرة على الاحتياط وعدمها ان يقال:
ان المراد من الجهالة في قوله ع فقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك أن كان هي الغفلة فلا وجه لتخصيص التعليل بعدم القدرة على الاحتياط بالجاهل بالحكم لان الجاهل بالعدة أيضا إذا كان غافلا لا يقدر على الاحتياط.
وان كان المراد الجهل البسيط فلا يستقيم التعليل المزبور.
لان الجاهل بالحكم كالجاهل بالعدة يكون قادرا على الاحتياط. (وبالجملة لا فرق بين الجهل بالحرمة وبين الجهل بالعدة، فإنه بمعنى الشك والترديد كان قادرا على الاحتياط في الصورتين، وبمعنى الغفلة لا يكون قادرا على الاحتياط في الصورتين.
ويمكن دفع ذلك: بان المراد بالجهالة في الموضعين انما هو مطلق الجهل الشامل للغافل والشاك في قبال العالم، ولكن تخصيص الأولى بالغفلة انما هو لبعد تصور الجهل بالحرمة مع الالتفات إليها ممن كان نشؤه في الاسلام بعد اشتهار حرمة تزويج المعتدة بين المسلمين وصيرورتها من الضروريات غير الخفية على الملتفت إليها والى موضوعها، إذ حينئذ لا يتصور الجهل بالحرمة الا من جهة الغفلة عنها.
بخلاف الجهل بكونها في العدة، فإنه بعكس ذلك لان الغالب هو التفات المكلف إليها عند إرادة التزويج بحيث قلما ينفك إرادة التزويج عن الالتفات إلى كونها في العدة.
وبذلك يستقيم تخصيص الأولى بعدم القدرة على الاحتياط دون الثانية حيث كان النظر إلى ما هو الغالب في الجهل المتصور في الموردين، من غير ان يلزم منه تفكيكا بين الجهالتين بإرادة الغافل من إحديهما والملتفت من الأخرى فان الاختلاف المزبور انما نشاء من جهة اقتضاء خصوصية الموردين والا فما أريد من الجهالة في الموردين الا المعنى العام الشامل للغفلة والشك.»[6]
[1] . الشيخ الكليني، اصول الكافي، ج1، باب البيان والتعريف لزوم الحجة، ص162، الحديث1.
[2] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص42.
[3] . وسائل الشيعة(آل البيت)، ج20، الباب17 من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها، ص450، الحديث26068/4.
[4] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص44-45.
[5] . وسائل الشيعة(آل البيت)، ج28، الباب27 من ابواب حد الزنا، ص126، الحديث34385/3.
[6] . الشيخ محمد تقي البروجردي، نهاية الافكار تقرير البحث المحقق ضياء الدين العراقي، ج3، ص232-233.