بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و شانزده
ثم ان الشيخ (قدس سره) نقل جملة من الاخبار، استدل بها في الكلمات على البرائة، ولا يذكرها صاحب الكفاية (قدس سره):
منها: ما رواه الكليني في الاصول – من الكافي – « عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن عبد الاعلى بن أعين قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام من لم يعرف شيئا هل عليه شئ ؟ قال: لا.»
قال الشيخ (قدس سره):
«.. ومنها: رواية عبد الأعلى عن الصادق(عليه السلام): " قال: سألته عمن لم يعرف شيئا، هل عليه شئ ؟ قال: لا ".
بناء على أن المراد بالشئ الأول فرد معين مفروض في الخارج حتى لا يفيد العموم في النفي، فيكون المراد: هل عليه شئ في خصوص ذلك الشئ المجهول ؟
وأما بناء على إرادة العموم فظاهره السؤال عن القاصر الذي لا يدرك شيئا.»
اما جهة السند في الرواية:
فإنه رواه الكليني عن عدة من اصحابنا، والعدة التي روى عنهم عن احمد بن محمد بن عيسى، بينهم ثقاة كعلي بن ابراهيم، و أحمد بن ادريس (حيث وثقه النجاشي والشيخ في الفهرست)، وغيرهما.
وأما احمد بن محمد بن عيسى ابن عبد الله بن سعد الاشعري القمي، وثقه الشيخ في الرجال والعلامة في الخلاصة، وهو من الطبقة السابعة.
وهو رواه عن حماد وهو حماد بن عيسى الجهني، وثقه الشيخ في الرجال والفهرست، وقال النجاشي فيه: ثقة حديثه صدوق، وهو من الطبقة السادسة.
وهو رواه عن الحجال وهو عبدالله بن محمد الاسدي الحجال المزخرف ثقة ثقة، قاله النجاشي، ووثقه الشيخ في الرجال وهو من الطبقة الخامسة.
وهو رواه عن ثعلبة بن ميمون قال فيه النجاشي: كان وجهاً في اصحابنا، وكان حسن العمل كثير العبادة والزهد، روى عن الصادق و الكاظم (عليهما السلام).
وقال العلامة في الخلاصة: وكان فاضلاً متقدما معدوداً في العلماء والفقهاء الاجلة في هذه العصابة، ونقل الكشي عن حمدويه عن محمد بن عيسى انه ثقة خير فاضل مقدم معلوم في العلماء والفقهاء الاجلة في هذه العصابة، ويقال له ابو اسحاق الفقيه.
وروى عنه ابو نصر البزنطي ومحمد بن ابي عمير وجل من اصحاب الحديث، وهو من الطبقة الخامسة.
وهو رواه عن عبد الاعلى الاعين. لا تنصيص على وثاقته. ونقل عنه جماعة من الاجلاء مثل عبدالله بن مسكان و يونس بن يعقوب و حسين بن ابي العلاء وعلي بن رئاب، وهو من رجال تفسير علي بن ابراهيم، بناء على اتحاده – عبد الاعلى بن اعين العجلي – مع عبد الاعلى مولى آل سام الكوفي كما استظهره المحقق الاردبيلي في كامل الزيارات. وهو من الطبقة الخامسة.
اما جهة الدلالة فيها:
فقد مر من الشيخ (قدس سره) ان الاستدلال به في المقام مبني على كون المراد من الشيء في قوله:
سئلته عمن لا يعرف شيئاً، فرداً معنياً مفروضاً في الخارج حتى لا يفيد العموم في النفي فيكون معنى الحديث انه هل عليه شيء في خصوص ذلك الشيء المجهول؟ اي هل عليه حكم؟ فأجابه الامام (عليه السلام) لا، وعليه فلا الزام له في المشتبه.
وأما اذا اريد من الشيء العموم. اي من لا يعرف شيئاً بعمومه لكان مدلول الحديث السؤال عن القاصر الغير المدرك لشيء فهو ليس محكوماً بحكم لقصوره.
وأفاد المحقق النائيني (قدس سره):
انه ولو لم يكن المراد من الشيء في قوله: سئلته عمن لا يعرف شيئاً، المفروض كونه مجهولاً هو العموم انه لا دلالة في الحديث على المدعى، لأن ظاهر هذه الرواية هو عدم العقاب في فرض الجهل، فيكون مفاده مفاد قبح العقاب بلا بيان ليس الا.
وأفاد المحقق العراقي (قدس سره):
««ومنها رواية عبد الاعلى عن الصادق ع قال سئلته عمن لا يعرف شيئا هل عليه شئ قال ع لا. بتقريب ان الظاهر من الشئ الأول في كلام السائل هو مطلق ما لا يعرفه من الاحكام.
ومن الشئ الثاني الكلفة والعقوبة من قبل الحكم الذي لا يعرفه، فيستفاد من نفي العقوبة عليه في جواب الامام ع بقوله لا عدم وجوب الاحتياط عليه، فتعارض ما دل على وجوب الاحتياط عند الشك وعدم العلم بالحكم الواقعي.
ويمكن المناقشة فيه:
بظهور الشئ الأول في إرادة عموم الاحكام فيختص بالجاهل القاصر الغافل عن الاحكام كما في أهل البوادي والسودان ويخرج عن مفروض البحث.
اللهم الا ان يمنع: اختصاصه بالغافل بدعوى شموله أيضا للجاهل بمجموع الاحكام الملتفت إليها مع كونه غير قادر على الفحص عنها لكونه ممن يصدق عليه انه لا يعرف شيئا فإذا استفيد من قوله ع في الجواب لا نفي العقوبة بنفي منشئها الذي هو وجوب الاحتياط يتعدى إلى الجاهل ببعض الاحكام بعد الفحص لعدم الفصل بينهما»
وما قرره من الاحتمال اخيراً في دفع اشكال الشيخ قابل للملاحظة، ومعه يتم دلالة الحديث. الا ان قوة احتمال الشيخ (قدس سره) في عموم المراد من الشيء في السؤال، ربما يوجب الاجمال في مدلول الحديث. وإن كان مع قوة ما احتمله المحقق العراقي ليعارض مدلول الحديث مع ادلة الاحتياط، كما قرره في تقريب الاستدلال به.
ومنها:
«ما رواه الشيخ (قدس سره) في التهذيب باسناده عن موسى بن القاسم، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله(عليه السلام) - في حديث -: من أحرم في قميصه - إلى أن قال - أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شئ عليه.»
قال الشيخ (قدس سره):
« ومنها: قوله:
" أيما امرء ركب أمرا بجهالة فلا شئ عليه ".
وفيه: أن الظاهر من الرواية ونظائرها من قولك: " فلان عمل بكذا بجهالة " هو اعتقاد الصواب أو الغفلة عن الواقع، فلا يعم صورة التردد في كون فعله صوابا أو خطأ.
ويؤيده:
أن تعميم الجهالة لصورة التردد يحوج الكلام إلى التخصيص بالشاك الغير المقصر، وسياقه يأبى عن التخصيص، فتأمل.»
اما جهة السند في الرواية:
ففيها اسناد الشيخ (قدس سره) الى موسى بن القاسم وهو صحيح في المشيخة والتهذيب، وموسى بن القاسم هو موسى بن القاسم بن معاوية بن وهب البجلي، قال النجاشي فيه: ثقة ثقة، ووثقه الشيخ في الرجال، وهو من الطبقة السادسة.
وهو رواه عن عبدالصمد بن بشير وهو ابن بشر العرامي العبدي، قال النجاشي:
ثقة ثقة، وكذا العلامة (قدس سره)، وهو من الطبقة الخامسة. فالرواية صحيحة.
اما جهة الدلالة فيها:
قال المحقق النائيني (قدس سره):
« ومنها قوله(ع) أيما امرء ركب أمرا بجهالة فلا شئ عليه فإن الظاهر من الجهالة المذكورة هي مقابل العلم لمناسبة الحكم والموضوع والجهالة بمعنى فعل مالا ينبغي صدوره وإن كانت مستعملة أحيانا كما استظهرنا ذلك في آية النبأ الا ان هذا المعنى خلاف الظاهر في الرواية.
وإذا كان المراد منها خلاف العلم فلا وجه للتخصيص بخصوص الجهل المركب بل يراد منها الأعم منه ومن الجهل البسيط ولا بد من تخصيص كل منهما بغير الجاهل المقصر إذ كما أن الجاهل البسيط لا يكون معذورا إذا كان مقصرا فكذلك الجاهل المركب.
فتوهم لزوم إرادة خصوص الجاهل المركب منها نظرا إلى أن تعميمها للجاهل البسيط يحوج الكلام إلى التخصيص بالشاك الغير المقصر وسياق الرواية آب عن التخصيص في غير محله.
فإن التخصيص بغير المقصر كما عرفت لازم على كل حال ولا شئ في الرواية يوجب إباءها للتخصيص، فظهر ان دلالة الرواية على البراءة وان ارتكاب الشئ مع عدم العلم لا يوجب شيئا في غاية الظهور فلا محالة يعارض بها اخبار الاحتياط الدالة على ثبوت شئ في صورة الارتكاب مع الجهالة. بل دلالة هذه الرواية أظهر من دلالة قوله(ع) الناس في سعة ما لا يعلمون فإنها كانت متوقفة على كون ما موصولة لا زمانية والظاهر منها الزمانية وكون لفظ السعة منونة لا مضافة.
وبالجملة مفاد الرواية ليس اخبارا عن عدم العقاب عند ارتكاب الشئ بجهالة حتى يقال إن أدلة وجوب الاحتياط على تقدير تماميتها تكون واردة عليها كما تكون واردة على حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان.
بل مفاده هو الترخيص الشرعي بلسان نفي العقاب فهي تدل على البراءة الشرعية اما بالمطابقة أو بالالتزام فيعارض بها اخبار الاحتياط في الشبهة التحريمية من جهة ان مورد هذه الرواية هو خصوص الشبهة التحريمية أيضا فإن ظاهر الارتكاب هو إيجاد الفعل لا تركه فينحصر مورده بالشبهة التحريمية فقط فيعارض بها تلك الأخبار الدالة على وجوب الاحتياط فتكون هذه الرواية أقوى الروايات في الباب»