بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه چهل و پنجم
ثم قرر المحقق الاصفهانی (قدس سره):
ويؤيد تقديم السيرة على العمومات، ويؤكده:
أن لسان النهي - عن اتباع الظن وأنه لا يغني من الحق شيئا - ليس لسان التعبد بأمر على خلاف الطريقة العقلائية بل من باب إيكال الامر إلى عقل المكلف، من حيث أن الظن بما هو ظن لا مسوغ للاعتماد عليه والركون إليه، فلا نظر إلى ما استقرت عليه سيرة العقلاء - بما هم عقلاء - على اتباعه من حيث كونه خبر الثقة.
ولذا كان الرواة يسألون عن وثاقة الراوي، للفراغ عن لزوم اتباع روايته بعد فرض وثاقته، كما أن أخبار ( لا تنقض اليقين ) أيضا كذلك، - كما سيأتي إن شاء الله تعالى فان تعليل الحكم بأمر تعبدي لا معنى له، بل الظاهر تعليله بما هو المرتكز في أذهان العقلاء من التمسك باليقين لوثاقته.
وهذا المعنى مغائر لما إفادة بعض أجلة العصرـ وهو المحقق الشیخ عبد الکریم الحائری فی درر الصول ـ: من أن الظاهر من النهي عن العمل بغير العلم ما هو غير علم عندهم فإنه من باب أن النظر في هذه النواهي إلى الظن بما هو ظن، وإيكال الامر إلى العقل الحاكم بأن الظن - بما هو ظن - لا يغني من الحق شيئا.
فنحن ندعي:
خروج ما استقرت عليه سيرة العقلاء بنحو التخصص، وهو يدعي انطباق المأمور باتباعه على الظن الخبري، الذي هو حجة قاطعة للعذر عندهم، وعدم صدق غير العلم من باب صدق نقيضه عليه بالنظر العرفي.»[1]
او علي العمل علي طبق الحالة السابقة فهو غير تام الاقضاء
كذلك يقال:
انه لا بناء من العقلاء علي اتباع هذا الظهور العمومي المنافي لبنائهم العملي علي اتباع الخبر والجري علي الحالة السابقة.
فلا موضوع لامضاء هذا البناء شرعاً، فكل من العام وما يقابله من الخاص غير تام الاقتضاء من وجه في مقام الاثبات.
نعم:
قد ذكرنا في مبحث حجية الظواهر، انه لو قام ظن معتبر عند العقلاء علي خلاف الظاهر. وورد النهي من الشارع عن اتباع الظن مطلقا حتي لو فرض اعتباره عند العقلاء.
فإن النهي عن اتباع الظن ـ في فرض اطلاقه، كان الحقيقة امراً باتباع الظاهر، بالالتزام العرفي، وكان ذلك دليلاً علي حجية الظاهر ابتداءً من الشارع لا امضاء.
ولكن هذا المعني غير جار في المقام.
وذلك:
لأن النهي عن الخبر بنفس هذا الظاهر الذي كان المفروض عدم بناء العقلاء علي اتباعه ليس امراً باتباعه ـ اي اتباع نفسه ـ بالملازمة العرفية علي ما عرفت.
ومعه فإذا لم يكن لنا بناء من العقلاء علي اتباع هذا الظاهر، وكذا لا حكم من الشارع باتباعه ـ لا ابتداءً ولا امضاءً ـ فليس هنا رادع من بناء العقلاء علي العمل بالخبر، وكذا بناء العقلاء علي العمل بالحالة السابقة.
ونتيجته ان البناء تام الاقتضاء و العام غير تام الاقتضاء.
وأفاد (قدس سره) ان هذا هو ما حققناه في مباحث حجية الخبر.
ثم افاد بعنوان التحقيق:
ان عدم بناء العقلاء علي العمل بالعام الذي قام الخبر علي خلافه ليس من جهة قصور في العام، لأنه بما يتكفل النهي عن تبعية كل ظن ـ مثل العمومات الناهية عن العمل بالظن ـ كسائر العمومات في دلالته علي العموم والشمول.
كما انه ليس ايضاً من جهة ورود مخصص له من ناحية المولي حتي يقال: ان بناء العقلاء علي العمل بالعام الذي ليس في قبال خاص.
بل ان عدم بنائهم علي العمل بالعام في المقام:
انما كان لأجل ان المفروض ان بناءهم علي العمل بالخبر انما كان لأجل حكمة داعية لهم الي اتباعه، ومعه فلا يعقل البناء المنافي لهذا البناء لهم ـ بما هم عقلاءً ـ بلا فرق بين ان يكون لهذا البناء المنافي ـ اي علي العمل بالعام ـ ظهوراً عمومياً، او ظهور خصوصياً، بمقتضي تخصيصه بخاص ورد في قباله.
هذا مع:
انه لا مانع عن منع الشارع عن اتباع الخبر بخصوصه، وأنه مع ثبوته يقدم علي بنائهم علي العمل بالخبر.
وكما انه لا شبهة في ان العقلاء بما انهم منقادون للشريعة، انما يعتبرون هذا الردع من الشارع بلا فرق بين كون الردع بالعموم او الخصوص.
فإن تمام المناط ـ هنا ـ ان العقلاء بما يرون لزوم انقياد العبد لمولاه وتقبيحهم خروجه عن زي العبودية انما يحكمون بوجوب اتباع ما جعله المولي حجة علي عبده، حتي لو لم يكن ذلك حجة عندهم.
ولزوم الارتداع عن ردع الشارع عن اتباعه، وإن كان حجة عندهم.
وهذا جار عندهم بالنسبة الي جميع الموالي والعبيد بلا فرق بين كون دليل الردع عاماً او خاصاً.
وملاك الردع عن السيرة عندهم غير الملاك الجاري في العام والخاص من حيث التقدم والتأخر وغيره.
وعليه:
فإنه اذا كان العام مقارناً للسيرة او مقدماً عليها، فإنه لا تتم حجية السيرة لوجود ما يصلح للرادعية عنها، وإذا كان العام متأخراً والسيرة متقدمة عليه كما هو الحال في جميع موارد السيرة العقلائية لعدم اختصاصها بزمان دون زمان ونحلة وملة دون اخري: فإن ما هو ملاك حجية السيرة شرعاً وهو كونها ممضاة بعدم الردع عنها منه في فرض امكان الردع، محقق في السيرة، وعليه دار الأمر بين كون السيرة مخصصة للعام المتأخر، وأن كونها غير مردوعة بامضائها وتقريرها ذا مصلحة عند الشرع بقوله مطلق.
وبين كون العام المتأخر ناسخاً للسيرة لكون امضائها ذا مصلحة الي امد خاص ومدة معينة وهذا الأمد ينتهي بورود العام المتأخر.
وحيث انه شاع كثرة التخصيص وندرة النسخ فيرجح جانب التخصيص، واعتبار السيرة وعدم رادعية العام.
ومعه يمكن ادعاء ان السيرة تامة الاقتضاء من حيث الحجية دون العام، لعدم استقرار بناء العقلاء علي العمل بالعام اذا كان في قباله خاص.
وقد تقرر في محله تقديم الخاص علي العام لكون الخاص اقوي ملاكاً لا من جهة انه اقوي ظهوراً.
والنكتة هنا انه قد مر في بحث حجية الخبر ان تقديم السيرة علي العام انما يمكن اذا كان الردع ممكناً للشارع ولم يردعه.
واما عدم الردع في فرض عدم امكان الردع لا يجدي هذه النتيجة ولا يكشف عن كون السيرة ممضاة.
نعم: يمكن ان يقال:
بأن زمان نزول الآيات الناهية عن العمل بغير العلم هو اول زمان يمكن للشارع الردع عن مثل هذه السيرة ـ اي السيرة المستقرة في كل ملة ونحلة علي العمل بالخبر او غيره، والردع عن مثل هذه السيرة لا يخلو من صعوبة.
فإن قلت:
انه قد مر في بحث حجية الخبر ان السيرة متقومة بعدم ردع الشارع حدوثاً وبقاء، فهي وإن كان تامة الاقتضاء من حيث الحجية حدوثاً الا انها غير تامة الاقتضاء بقاءً، ومعه فلا تزاحم العام ويقدم العام المتأخر عليه.
قلت:
ان اعتبار السيرة ليس متقوماً بعدم ورود العام بذاته، بل انما يتقوم بعدم الردع الكاشف عن اختلاف مسلك الشارع مع العقلاء اي اختلاف مسلكه بما هو شارع عن مسلكه بما هو عاقل.
وحيث ان الردع في الواقع لا يكشف عن هذا الاختلاف في المسلك كان الكاشف هو الردع الواصل.
والعام المتأخر لا يصلح لأن يتكفل الكاشفية عن الردع الذي هو كاشف عن اختلاف المسلك.
وحيث نعلم ان الردع لم يصل من الشارع قبل ورود العام فلا محالة يحصل لنا القطع باتحاد المسلك، وإلا كان ناقضاً لغرضه.
وعليه فلا يبقي هنا الا احتمال امر العام المتأخر، وليس المقام باب الردع الكاشف من اختلاف المسلك.
وأفاد في نهاية كلامه، فتدبر فإنه حقيق به.
[1] . الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني، نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج 3، ص29-37.