بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نود و هفت
قال المحقق الاصفهاني (قدس سره):
«... ومنها: إرادة الموضوع من الموصول فيما لا يعلمون كما في ساير الفقرات الا ان الموضوع ليس هو المايع المردد خارجا إذ متعلق الحكم وموضوعه ما يتقوم به الحكم في أفق الاعتبار لا الشئ الخارجي، كما بيناه في اجتماع الأمر والنهي بل الموضوع الكلى المقوم للحكم وجعل الموضوع بهذا المعنى بعين جعل الحكم.
فان البعث المطلق لا يوجد بنحو وجوده الاعتباري الا متعلقا بمتعلقه وموضوعه، فالموضوع الكلى المقوم للحكم موجود بعين الوجود الاعتباري المحقق للحكم، ووساطة الحكم لعروض الوجود للموضوع وساطة دقيقة برهانية كوساطة الوجود لموجودية الماهية مع أن صدق الموجود على الماهية المتحدة مع الوجود عرفا مما لا شك فيه بلا عناية ولا مسامحة.
ومنه يظهر ان رفع الموضوع الكلى تشريعا مساوق لرفع الحكم، كما أن وضعه بعين وضعه فالاسناد إلى الجميع اسناد إلى ما هو له عرفا مع انحفاظ وحدة السياق في الجميع وعليه فرفع الموضوع الكلى فيما لا يعلمون أعم من رفع الموضوع المجهول نفسا ومن المجهول تطبيقا، فشرب التتن المجهول كونه موضوعا مرفوع وشرب الخمر المجهول كونه موضوعا تطبيقا أيضا مرفوع.»[1]
ويمكن ان يقال:
ان متن الحديث الشريف في الخصال: رفع عن امتي تسعة اشياء، الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا اليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا بشفة.
وقد افاد سيدنا الاستاذ (قدس سره) ان في العناوين الثلاثة الاخيرة لم يذكر الموصول، كما في غيرها كي يقال: بأن اللفظ الواحد المتكرر ـ اي الموصول ـ اريد منه في مورد شيء وفي مورد آخر معنى اخر حتى يختل السياق كما افاده المحقق العراقي.
وهذا المعنى تام ولم يذكر فيها الموصول، ولكنه لم يذكر في عنواني الخطأ والنسيان الموصول ايضاً، بل لم يذكر الموصول الا في عناوين اربعة من العناوين التسعة المذكورة في الحديث: ما استكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا اليه، وعليه فإن اكثر العناوين المذكورة فيه غير مبتدأ بالموصول.
ولكن المهم هنا انه وقع الرفع عن كل هذه العناوين بقوله (صلي الله عليه وآله): رفع عن امتي تسعة اشياء، والشيء كما ينطبق على الموصول في العناوين الاربعة، كذا ينطبق على العناوين الخمسة، ومتعلق الشيء فيما يشتمل على الموصول هو الموصول، وأما في باقي العناوين فيلزم ان يكون متعلقه ما صدر عن المكلف، اذ لولا ما صدر عنه لما تحقق الموضوع للحكم حتى يرفع منةً، ولذا لم يشك احد بأن المرفوع في العناوين غير ما لا يعلمون الفعل، وقد افاد المحقق العراقي بأن المرفوع في الثلاثة الحكم والاعتبار الشرعي دون الفعل، كما قال بذلك غيره فيما لا يعلمون.
كما يحتمل ان يكون المرفوع فيها ما احسدوا في الحسد، وما وسوسوا في الوسوسة، وما تطيروا في الطيرة، كما هو الحال في الخطأ والنسيان حيث ان متعلق الرفع في الاول ما اخطأوا وفي الثاني ما نسوه، كما وقع التعبير عن الخطأ في صحيحة صفوان بن يحيى والبزنطي نقلاً عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام) بما اخطأوا، فإن فيه: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): وضع عن امتي ما اكرهوا عليه، وما لا يطيقون، وما اخطأوا، فإن التعبير عن الخطأ اصدق شاهد على ان متعلق الرفع فيها هو ما صدر عن المكلف، الذي عبر عنه بلسان الموصول في غيرها.
وعليه فإن القول بأن المرفوع في جميع الفقرات غير ما لا يعلمون هو الفعل ليس دعوى بلا شاهد.
كما ان ما افاده المحقق العراقي من ان المرفوع في الثلاثة الاخيرة هو الحكم دون الفعل قابل للتصوير وربما لا يخلو عن قوة، ومع الالتزام به يختل لا محالة دعوى وحدة السياق، اذ مع ظهور اربعة من الخمسة من الفقرات في ان المرفوع فيها الحكم دون الموضوع، كيف يمكن دعوى وحدة السياق في المقام.
هذا وأما ما افاده (قدس سره) تعريضاً على المحقق العراقي (قدس سره) من انها لم تقع فاصلة بين ما لا يعلمون وسائر الفقرات حتى لا يكون هناك ظهور في وحدة المراد من الموصول، بل جاءت هذه الالفاظ ـ المقصود منها الحسد والطيرة والوسوسة ـ في آخر الكلام، فلا تكون موجبة للاخلال بالظهور السياقي.
فيلاحظ عليه:
ان الظهور السياقي انما ينعقد بحسب مجموع الكلام الصادر عن المتكلم، المشتمل على جمل متعددة يحتمل في بعضها معنى غير محتمل في الاخر، والمراد منه انه لو كان هناك ظهور في اكثر جمل الكلام في معنى يحمل الجمل الاخرى الظاهرة في معنى آخر عليه، والمفروض وقوع جميع الجمل في كلام واحد، وعليه وقوع الفاصلة وعدم وقوعها بين الجملة ظاهرة في معنى اخر وبين غيرها، ليس له دخل في انعقاد الظهور السياقي وعدم انعقاده، لأنه انما يلاحظ باعتبار مجموع الكلام، كما لا دخل في انعقاده وعدم انعقاده وقوع ما ينافيه في آخر الكلام، ومدعى المحقق العراقي من ان اربعة من الفقرات التسعة ظاهرة في رفع الحكم، ومعه فإن ظهور الخمسة الباقية في رفع الفعل والموضوع لا يوجب انعقاد ظهور في سياق الكلام يمنع عن ظهور الاربعة فيما كانت ظاهرة فيه، وهذا كسابقه يكون قابلاً للتصوير.
وما افاده (قدس سره) نقلاً عن المحقق الاصفهاني تام ويرجع الى ما مر سابقاً في دفع الاشكال الاول، وبه يدفع الاشكال من اصله.
الأمر الخامس:
اذا اكره المكلف على ترك واجب او اضطر اليه او نسى الفعل، فهل يشمل حديث الرفع، الرفع في العناوين المذكورة في الحديث مثلها في جهة الترك المتعلق بواجب، كما يشمل الرفع فيها بالنسبة الى الفعل، او ان الحديث يختص برفع خصوص الفعل في موردها. وإن شئت قلت: هل يعم الحديث رفع العناوين المذكورة فيها لموارد الفعل والترك او يختص بخصوص موارد الفعل.
ذهب المحقق النائيني (قدس سره) الى عدم شمول الحديث لموارد الاكراه والاضطرار المتعلق بالترك. وإنما يختص بالاكراه والاضطرار على الفعل.
[1]. الشيخ حسين الغروي الأصفهاني، نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج2، ص438-439.