بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه چهل و ششم
ثم افاد بعنوان التحقيق:
ان عدم بناء العقلاء علي العمل بالعام الذي قام الخبر علي خلافه ليس من جهة قصور في العام، لأنه بما يتكفل النهي عن تبعية كل ظن ـ مثل العمومات الناهية عن العمل بالظن ـ كسائر العمومات في دلالته علي العموم والشمول.
كما انه ليس ايضاً من جهة ورود مخصص له من ناحية المولي حتي يقال: ان بناء العقلاء علي العمل بالعام الذي ليس في قبال خاص.
بل ان عدم بنائهم علي العمل بالعام في المقام:
انما كان لأجل ان المفروض ان بناءهم علي العمل بالخبر انما كان لأجل حكمة داعية لهم الي اتباعه، ومعه فلا يعقل البناء المنافي لهذا البناء لهم ـ بما هم عقلاءً ـ بلا فرق بين ان يكون لهذا البناء المنافي ـ اي علي العمل بالعام ـ ظهوراً عمومياً، او ظهور خصوصياً، بمقتضي تخصيصه بخاص ورد في قباله.
هذا مع:
انه لا مانع عن منع الشارع عن اتباع الخبر بخصوصه، وأنه مع ثبوته يقدم علي بنائهم علي العمل بالخبر.
وكما انه لا شبهة في ان العقلاء بما انهم منقادون للشريعة، انما يعتبرون هذا الردع من الشارع بلا فرق بين كون الردع بالعموم او الخصوص.
فإن تمام المناط ـ هنا ـ ان العقلاء بما يرون لزوم انقياد العبد لمولاه وتقبيحهم خروجه عن زي العبودية انما يحكمون بوجوب اتباع ما جعله المولي حجة علي عبده، حتي لو لم يكن ذلك حجة عندهم.
ولزوم الارتداع عن ردع الشارع عن اتباعه، وإن كان حجة عندهم.
وهذا جار عندهم بالنسبة الي جميع الموالي والعبيد بلا فرق بين كون دليل الردع عاماً او خاصاً.
وملاك الردع عن السيرة عندهم غير الملاك الجاري في العام والخاص من حيث التقدم والتأخر وغيره.
وعليه:
فإنه اذا كان العام مقارناً للسيرة او مقدماً عليها، فإنه لا تتم حجية السيرة لوجود ما يصلح للرادعية عنها، وإذا كان العام متأخراً والسيرة متقدمة عليه كما هو الحال في جميع موارد السيرة العقلائية لعدم اختصاصها بزمان دون زمان ونحلة وملة دون اخري: فإن ما هو ملاك حجية السيرة شرعاً وهو كونها ممضاة بعدم الردع عنها منه في فرض امكان الردع، محقق في السيرة، وعليه دار الأمر بين كون السيرة مخصصة للعام المتأخر، وأن كونها غير مردوعة بامضائها وتقريرها ذا مصلحة عند الشرع بقوله مطلق.
وبين كون العام المتأخر ناسخاً للسيرة لكون امضائها ذا مصلحة الي امد خاص ومدة معينة وهذا الأمد ينتهي بورود العام المتأخر.
وحيث انه شاع كثرة التخصيص وندرة النسخ فيرجح جانب التخصيص، واعتبار السيرة وعدم رادعية العام.
ومعه يمكن ادعاء ان السيرة تامة الاقتضاء من حيث الحجية دون العام، لعدم استقرار بناء العقلاء علي العمل بالعام اذا كان في قباله خاص.
وقد تقرر في محله تقديم الخاص علي العام لكون الخاص اقوي ملاكاً لا من جهة انه اقوي ظهوراً.
والنكتة هنا انه قد مر في بحث حجية الخبر ان تقديم السيرة علي العام انما يمكن اذا كان الردع ممكناً للشارع ولم يردعه.
واما عدم الردع في فرض عدم امكان الردع لا يجدي هذه النتيجة ولا يكشف عن كون السيرة ممضاة.
نعم: يمكن ان يقال:
بأن زمان نزول الآيات الناهية عن العمل بغير العلم هو اول زمان يمكن للشارع الردع عن مثل هذه السيرة ـ اي السيرة المستقرة في كل ملة ونحلة علي العمل بالخبر او غيره، والردع عن مثل هذه السيرة لا يخلو من صعوبة.
فإن قلت:
انه قد مر في بحث حجية الخبر ان السيرة متقومة بعدم ردع الشارع حدوثاً وبقاء، فهي وإن كان تامة الاقتضاء من حيث الحجية حدوثاً الا انها غير تامة الاقتضاء بقاءً، ومعه فلا تزاحم العام ويقدم العام المتأخر عليه.
قلت:
ان اعتبار السيرة ليس متقوماً بعدم ورود العام بذاته، بل انما يتقوم بعدم الردع الكاشف عن اختلاف مسلك الشارع مع العقلاء اي اختلاف مسلكه بما هو شارع عن مسلكه بما هو عاقل.
وحيث ان الردع في الواقع لا يكشف عن هذا الاختلاف في المسلك كان الكاشف هو الردع الواصل.
والعام المتأخر لا يصلح لأن يتكفل الكاشفية عن الردع الذي هو كاشف عن اختلاف المسلك.
وحيث نعلم ان الردع لم يصل من الشارع قبل ورود العام فلا محالة يحصل لنا القطع باتحاد المسلك، وإلا كان ناقضاً لغرضه.
وعليه فلا يبقي هنا الا احتمال امر العام المتأخر، وليس المقام باب الردع الكاشف من اختلاف المسلك.
وأفاد في نهاية كلامه، فتدبر فإنه حقيق به.
ثم افاد:
انه يؤيد تقديم السيرة علي العمومات ويؤكده:
ان لسان ما ورد من النهي عن اتباع الظن، ليس لسان التعبد بأمر علي خلاف طريقة العقلاء.
بل لسانه ايكال الأمر الي عقل المكلف، وأن الظن بما هو ظن ليس قابلاً للاعتماد والركون اليه.
فلا نظر فيه الي ما استقرت عليه سيرتهم ـ بما هو عقلاء علي اعتبار خبر الثقة، واتباع الظن من حيث كونه خبر ثقة.
ولذلك كان الرواة يسئلون عن وثاقة الراوي في مثل قوله:
العمري وابنه ثقتان آخذ عنهما معالم ديني؟
ويعلم منه ان لزوم اتباع خبر الثقة كان مفروغاً عنه عندهم، وكذلك في اخبار الاستصحاب للسان لا تنقض اليقين بالشك، حيث انه ورد فيها لا ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك، فإن الظاهر تعليله بأمر مرتكز في اذهان العقلاء، وهذا ما يكشف عن ان العمل علي وفق الحالة السابقة كالعمل بخبر الثقة، كان مرتكزاً في اذهانهم بما هم عقلاء.
وقد افاد المحقق الشيخ عبدالكريم الحائري في درره:
ان لسان ما ورد من النهي عن اتباع غير العلم بحسب ظاهره النهي بما هو غير علم عندهم.
والمستفاد مما افاده (قدس سره) انطباق مفهوم العلم علي الظن الخبري بالنظر العرفي.
ولكن مقتضي التحقيق عندنا:
ان النظر في هذه النواهي الي النهي عن الظن بما هو ظن، وايكال الأمر الي العقل الحاكم بأن الظن بما هو ظن لا يعني من الحق شيئاً.
فالمدعي لنا: خروج ما استقرت عليه سيرة العقلاء علي نحو التخصص.
هذا ما افاده المحقق الاصفهاني (قدس سره) في المقام.