بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد و هفت
وقال الشيخ (قدس سره) في الرسالة:
«المشهور بين الأصحاب أن المنتسب بالأم إلى هاشم يحرم عليه الخمس ويحل له الزكاة، لعدم دخوله في منصرف عنوان بني هاشم، ولا في حقيقة عنوان الهاشمي، فتحل له الصدقة بمقتضى ما دل من الأخبار الكثيرة على إناطة الحلية والحرمة بهذين العنوانين.
أما ما دل على الإناطة بأولهما فكثير جدا.
وأما ما دل على إناطة الحكم بالثاني: فقوله عليه السلام في موثقة زرارة بابن فضال: "لو كان عدل ما احتاج هاشمي، ولا مطلبي، إن الله تعالى جعل في كتابه لهم ما فيه سعتهم، ثم قال: إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له الميتة، والصدقة لا تحل لأحد منهم إلا أن لا يجد شيئا ويكون ممن تحل له الميتة ... الخبر".
ولا ينافي ذلك إناطة الحكم في بعض الأخبار بآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي بعضها بأهل بيته، وفي ثالث بقرابته (صلى الله عليه وآله)، لأن هذه العناوين - بعد تسليم صدقها على محل النزاع ثم انصرافها إلى ما يعهد - يجب أن يراد منها خصوص مصاديق العنوانين المتقدمين، مع اشتمال أكثر هذه الأخبار، على أن المراد بهذه العناوين: من تحرم عليه الصدقة.
عدم ابتناء المسألة على كون ولد البنت ولدا
ثم إن الظاهر عدم ابتناء المسألة على كون ولد البنت ولدا حقيقة كما زعمه في الحدائق حتى يلزم كل من قال بالحقيقة القول باستحقاقه للخمس حتى تخيل أن القائلين بالاستحقاق هنا كثير وإن لم ينسب إلا إلى السيد المرتضى، لما عرفت من أن المستفاد من الأخبار أن المناط الانتساب إلى هاشم والظاهر منه الوصول إليه بالأب.
انصراف لفظ بني هاشم إلى القبيلة
ولفظ بني هاشم منصرف إلى القبيلة المنتسبة إليه بهذا المعنى وإن سلمنا أنه حقيقة في الأعم، بدليل الاستعمال في قوله تعالى: "يا بني آدم" "يا بني إسرائيل"، فإن الظاهر أن بني هاشم عرفا مثل بني تميم بتبادر القبيلة المنتسبة إليه ، فالظاهر منه ما يرادف الهاشمي.
اختيار كثير ممن قال بإطلاق الولد على ولد البنت حقيقة عدم الاستحقاق
ولأجل ما ذكرنا - من عدم التلازم - ذهب كثير من القائلين في باب الوقف: بأن اسم الولد يقع حقيقة على ولد البنت، إلى عدم الاستحقاق، كالحلي فإنه قد تكرر في محكي عبارته في الميراث دعوى الاجماع وعدم الخلاف على الحقيقة، وموافقته للسيد في تقسيم أولاد البنت وأولاد الابن - للذكر مثل حظ الأنثيين- وقد خالف السيد هنا في الاستحقاق كما في المختلف.
نعم، في حاشية الشرائع نسب إليه الموافقة للسيد.
وكذا الشيخ في الخلاف حكي عنه القول بالحقيقة، مع أنه لم يحك هنا عن خلافه موافقة السيد.
وكذا الشهيد (قدس سره) في اللمعة قال: "لو وقف على الأولاد اشترك أولاد البنين والبنات"، وقد وافق المشهور.
وكذا ابن زهرة ، ذكر - في باب الوقف على أولاد الأولاد - إن الاجماع منعقد على أن ولد البنت ولد حقيقة، وذكر هنا: إن مستحق الخمس من الأصناف الثلاثة من ينسب إلى أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وعقيل وجعفر والعباس. والسر في موافقتهم هنا للمشهور مع القول بالحقيقة ما ذكرنا: من أن المناط هنا الانتساب، وهو لا يكون بواسطة الأم، ولذا صرح الشهيد في اللمعة بعد ما تقدم عنه - من دخول أولاد البنات- بأنه لو قال: هذا وقف على من انتسب إلي، لم يدخل أولاد البنات.
وقد حكي عن الشيخ في الخلاف أنه قد أجاب عن احتجاج من أنكر كون ابن البنت ابنا بقول :
بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا *** بنوهن أبناء الرجال الأباعد
- بأن مراد الشاعر هنا نفي الانتساب بمعنى أن أولاد البنات لا ينتسبون إلى أمهم وإنما ينسبون إلى أبيهم.
ونحوه حكي عن الحلي في رد هذا البيت.
وقد عرفت أن ابن زهرة مع دعواه الاجماع على الحقيقة خص المستحق هنا بمن ينتسب إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه وإخوته.
فعلم من ذلك أن منعهم عن الاستحقاق هنا من جهة عدم تحقق الانتساب. مضافا إلى أن ظاهر القائلين بكون ولد الولد ولدا حقيقة أن نظرهم إلى عنوان ولد الولد حتى لو كان ابن الابن، والمنكرون -أيضا- ينكرون ذلك مع إجماعهم هنا على استحقاق ولد الابن، فعلم من ذلك أن خلافهم في تلك المسألة في أنه هل تقدح الواسطة في إضافة الولد إلى الشخص سواء كما ذكرا أم كان أنثى أم لا ؟
والخلاف هنا في أن الانتساب كما أنه يحصل بالاتصال بالأب ولو بوسائط فهل يحصل بالاتصال بالأم، أم لا؟
فإثبات جواز إضافة الولد إلى الشخص بالواسطة لا يوجب جواز الانتساب إليه، كما عرفت من اعتراف الجماعة بالأول، وإنكار الثاني، كما أن نفي جواز الإضافة مع الواسطة لا يوجب نفي الانتساب كما في ابن الابن ولو بوسائط.
رد اعتراض المحقق الخوانساري
فظهر -أيضا- ما في اعتراض جمال الدين الخوانساري (رحمه الله) في الحاشية على الشهيد بثبوت التنافي بين حكمه بدخول أولاد الأولاد في الوقف على الأولاد، وخروج أولاد البنات لو وقف على من انتسب إليه، وكأنه زعم أن كونه ولد حقيقة يستلزم الانتساب إليه بالطريق الأولى كما ذكره في المسالك دليلا لدخول أولاد البنات في من انتسب إليه الذي هو المناط المستفاد من الأخبار وضعا في بعضها وانصرافا في آخر وتقييدا في ثالث.»[1]
وقد تعرض (قدس سره) في كلامه الى ما افاده صاحب الحدائق من اسناد الخلاف الى جمع كثير وفقاً لسيدنا المرتضى(قدس سره).
كما ان الشيخ (قدس سره) قد بين تفصيلاً موضوع البحث في مسألة الخمس وانه مغاير مع نقطة البحث في المواريث والاوقاف.
وافاد السيد البروجردي (قدس سره):
مسئلة: و هي انه هل يعتبر في الأصناف الثلاثة أعني اليتامى و المساكين و ابن السبيل ان يكونوا منتسبين الى هاشم من طرف الأب فلا يكفى انتسابهم اليه من طرف الام فقط أم يكفي الانتساب اليه من طرفها فقط و الأول هو الحق و عليه اتفاق أصحابنا الإمامية نعم حكى ثاني القولين
عن السيد المرتضى قده زعما منه ان هذه المسئلة انما هي من فروع الاختلاف الواقع بين أئمتنا عليهم السّلام و مخالفيهم إذ كانوا هم عليهم السّلام يدّعون انتسابهم الى الرسول صلّى اللّه عليه و آله و انهم أبنائه و أولاده و كانوا يفتخرون بذلك و كانت الخلفاء و اتباعهم ينكرون عليهم ذلك أشد النكير فلم يرضوا بنسبتهم أنفسهم إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) بدعوى ان نسبتهم الى الرسول (صلّى اللّه عليه وآله) انما كان من طرف أمهم فاطمة (سلام اللّه عليها) و هذا لا يصحح انتسابهم الى الرسول صلّى اللّه عليه و آله بعنوان الأبناء و الأولاد فهم (عليه السلام) أبناء علىّ و أولاده فقط و ليسوا بأبناء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فغصبوا حقهم منذ قبض رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) و بالغوا في عنادهم حدا لم يرضوا بانتسابهم الى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) بكونهم أبنائه و لكن الأئمة عليهم السّلام و أصحابهم احتجوا على مخالفيهم في ذلك و أقاموا الحجة عليهم من الكتاب تارة و من السنة أخرى بحيث أفحموا مخالفيهم و الجئوهم فلم يبق لهم مجال للإنكار فليطلب تلك الاحتجاجات من مواضعها و غاية ما تمسك به أهل العناد انما هو قول شاعر.
بنونا بنو أبنائنا و بناتنا
|
***
|
بنوهن أبناء الرجال الأباعد
|
و هل يمكن التمسك بقول شاعر مجهول هويته فيردّ به على كتاب اللّه و سنة رسوله (صلّى اللّه عليه وآله) و هل هذا الا كدفع ما حكم به العقل السليم بتخيلاة شعرية و كيف كان فلا اشكال عندنا في ان أبناء فاطمة (سلام اللّه عليها) هم أبناء رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) و انهم ولده حقيقة و لم يختلف في ذلك منا أحد فلو كان مسئلة استحقاق من كان منتسبا الى الرسول (صلّى اللّه عليه وآله) أو الى الهاشم أو الى عبد المطلب بالأم فقط للخمس متفرعا على صحة انتسابه إليهم بعنوان الابن و الولد و استحقاق إطلاق مفهوم ابن الرسول عليه لكان الحق مع السيد المرتضى قده بل ما كان يخالفه في ذلك أحد من أصحابنا الإمامية قطعا الا ان المسئلتين ليستا من باب واحد و لم يرتضعا من ثدي واحد فلم يتفرع إحديهما على الأخرى فيجب مطالبة حكم الخمس في الفرض من الاخبار الواردة»[2]
[1] . الشيخ الانصاري، كتاب الخمس، ص300-304.
[2] . السيد عباس ابوترابي، زبدة المقال في خمس الرسول و الآل تقرير البحث السيد البروجردي، ص134- 136.