بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد و يك
والحاصل:
ان اسناد الرفع الى جميع الفقرات اسناد حقيقي، وحسب ما مر ان المرفوع في الحديث هو بعض الاثار التي انطبقت عليه الموازين الثلاثة التي مر في كلام المحقق النائيني (قدس سره) وهي:
1 – ان يكون الأثر الذي يراد رفعه من الآثار الشرعية التي امر وصفها ورفعها بيد الشارع.
2 – ان يكون في رفعه منةً وتوسعة على العباد، فالأثر الذي يلزم من رفعه التضييق عليهم لا يندرج في عموم الحديث.
3 – ان يكون الأثر بحسب جعله الأولي مترتباً على الموضوع، لا بشرط عن طروا العناوين المذكورة في الحديث، اي لم يعتبر في موضوع الأثر عنوان الخطأ والنسيان ونحو ذلك، وإلا لم يكن مرفوعاً بحديث الرفع، فإن عنوان الموضوع يقتضي وضع الأثر لا رفعه، فلو فرض انه قد اخذ في موضوع بعض الآثار عنوان خصوص الاكراه او خصوص الاضطرار او غير ذلك من احد العناوين الخمسة، كان ذلك الأثر خارجاً عن عموم حديث الرفع.
الثاني: قد مر ان المرفوع بحديث الرفع بعض الاثار دون جميع الاثار، وذلك لأن المرفوع به الاثار الشرعية التي يكون في رفعها الامتنان على المكلف، وأما ما لا يلزم من رفعه الامتنان او ما يلزم من رفعه خلاف الامتنان فلا يكون مرفوعاً بحديث الرفع.
وأساس ذلك: ان حديث الرفع ورد مورد الامتنان، وإنما رفع الاثار الشرعية المرتبة على العناوين المذكورة فيها منة على العباد.
فهنا سؤال وهو: انه ما وجه ورود الحديث مورد الامتنان، فإن العمدة في الكلمات ان الاثار الشرعية المرتبة على العناوين المذكورة في الحديث كانت ثابتة للأمم السابقة، وإنما رفعه الشارع عن هذه الأمة منة عليهم، ولازم هذا القول ان الشارع يمكنه وضع هذه الاثار على هذه الأمة على روال وضعها للأمم السابقة، ولكنه لم يضعها بل رفعها عنهم، والقرينة على استظهار ذلك قوله (صلى الله عليه وآله): رفع عن امتي، الظاهر في رفعها عن خصوص هذه الأمة، وكذا يذكر ان معنى الرفع الامتناني عنها كون وضعها ثقيلاً موجباً للمشقة، ولا يرضى الشارع بهذه المشقة في خصوص هذه الأمة، فكل ما كان ثقيلاً عليهم رفع عنهم بمقتضى الحديث.
قال الشيخ (قدس سره):
«ومما يؤيد إرادة العموم: ظهور كون رفع كل واحد من التسعة من خواص أمة النبي (صلى الله عليه وآله)، إذ لو اختص الرفع بالمؤاخذة أشكل الأمر في كثير من تلك الأمور، من حيث إن العقل مستقل بقبح المؤاخذة عليها ، فلا اختصاص له بأمة النبي (صلى الله عليه وآله) على ما يظهر من الرواية.
والقول بأن الاختصاص باعتبار رفع المجموع وإن لم يكن رفع كل واحد من الخواص، شطط من الكلام.»[1]
وقال صاحب الكفاية(قدس سره):
«وقد انقدح بذلك، أن رفع التكليف المجهول كان منة على الأمة، حيث كان له تعالى وضعه بما هو قضيته من إيجاب الاحتياط، فرفعه، فافهم.»[2]
وأفاد المحقق الاصفهاني (قدس سره):
«ويمكن ان يقال ان الظاهر من الخبر ثبوت هذه الأحكام في الشريعة الإلهية سابقا فنسبة الرفع وهو العدم بعد الوجود بلحاظ أصل ثبوته حقيقية في الشريعة الإلهية فرفع عن هذه الأمة لا بملاحظة وجود المقتضى لفعليته في هذه الأمة حتى يكون متمحضا في الدفع والله العالم.»[3]
وأفاد سيدنا الأستاذ في المنتقى:
« تنبيه: تكرر في بعض الكلمات ورود هذا الحديث مورد الامتنان على الأمة الظاهر في الامتنان بحسب النوع، ومقتضى ذلك تحقق التعارض في بعض الموارد فيما إذا دار الامر بين ضررين على شخصين، بان كان جريان حديث الرفع مستلزما في حق أحد لضرر آخر، فيلتزم بعدم شمول حديث الرفع لمثل ذلك.
ولكن هذه الدعوى لا شاهد عليها، بل غاية ما يستفاد من الحديث هو وروده مورد التسهيل، وهو ظاهر في التسهيل الشخصي نظير رفع الحرج. وعليه، فلا مانع من شمول حديث الرفع للمثال المزبور إذ فيه تسهيل وارفاق بمن يجري في حقه بلا كلام.»[4]
[1] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، 30.
[2] . الآخوند الخراساني، كفاية الاصول، ص340.
[3] . الشيخ حسين الغروي الأصفهاني، نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج2، ص428-429.
[4] . الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج4، ص420.