بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه چهل و نه
وأورد عليه السيد الاستاذ (قدس سره) بوجوه:
الاول:
فإن بالنسبة الى ما افاده لتصحيح تعلق التكليف بالاعم من الحكم والفعل: (انه لا يمكن ارادة الفعل والحكم من الموصول اذا اريد ارادة الخصوصيات المزبورة من شخص الموصول، وأما بناءً على استعمال الموصول في معناه الكلي العام وارادة الخصوصيات المزبورة من دوال اخر خارجية فلا يتوجه محذور لا من طرف الموصول ولا في لفظ الايتاء ولا من جهة تعلق الفعل بالموصول...).
ففيه: « انه بعد أن كانت نسبة التكليف إلى الحكم في الواقع نسبة المفعول المطلق، ونسبته إلى الفعل في الواقع نسبة المفعول به، فخصوصية الحكم والفعل ان استفيدت من قرينة خارجية بحيث تتعدد النسب الكلامية بتعدد القرائن الحافة بالكلام فلا محذور فيه، إذ لا مانع من تعدد نسبة إلى الفعل الواحد إلى غيره كنسبته في كلام واحد إلى الفاعل والمفعول به، فإذا فرض تعدد الدال على المفعول به والمفعول المطلق في الكلام كانت النسبة الكلامية متعددة لتعدد أطرافها ولا مانع منه. إلا أنه على هذا لا معنى لما ذكره من الرجوع إلى اطلاق الموصول في استفادة العموم، إذ مع وجود الدال على كل من الحكم والفعل أي حاجة تبقى للتمسك بالاطلاق.»[1]وبعبارة اخرى: ان الدال حينئذٍ القرينة الحافة وهي توجب انصراف الموصول اليه، ولا يمكن حينئذٍ تصوير الموصول مجرداً عن القرائن الحافة به، ولحاظ الاطلاق فيه.
الثاني:
ان ما افاده في الوجه الثاني في تقريب ارادة العموم من الموصول (... ان ارادة الحكم من الموصول انما يقتضي كونه المفعول المطلق لو كان المراد من التكليف في الآية ايضاً الحكم والا ففي فرض كونه بمعناه اللغوي اعني الكلفة والمشقة، فلا يتعين ذلك فإنه من الممكن حينئذٍ جعل الموصول عبارة عن المفعول به او المفعول النشوي المعبر عنه في كلام بعض بالمفعول منه وارجاع النسبتين الى نسبة واحدة، اذ بذلك يتم الاستدلال بالآية على المطلوب).
ففيه: «انه خلاف الظاهر من لفظ التكليف، فإنه يساوي الحكم ولا ظهور له في المعنى اللغوي.»[2]
الثالث:
بالنسبة الى ما ذكره من المحذور على تقدير ارادة الحكم من التكليف: (.. انه لا مجال لجعل الموصول عبارة عن المفعول المطلق ولو على تقدير كون التكليف في الآية بمعناه الاصطلاحي – وهو الحكم – فضلاً عن كونه بمعناه اللغوي اعني الكلفة والمشقة، وذلك لما يلزمه على الاول من محذور اختصاص التكاليف الواقعية بالعالمين بها)
ففيه: « بأنه إن لم يقم دليل قطعي على بطلان تقييد الأحكام الواقعية بالعالمين بها، فلا مانع من الالتزام بما هو ظاهر الآية الشريفة من تقييد الأحكام الواقعية بالعالمين بها . وإن قام دليل على ذلك نرفع اليد عن ظهور الآية في ذلك ونلتزم بنفي التكليف ظاهرا، نظير حديث الرفع . ولا يسوغ ذلك لرفع اليد عن ظهور لفظ التكليف وصرفه إلى معنى آخر.»[3]
ثم انه افاد بالنسبة الى ما اورد المحقق العراقي على دلالة الآية على البرائة بوجوه ثلاثة:
«وأما ايراده الأول على الاستدلال بالآية - بعد تقريب دلالتها على العموم -، وهو عدم جواز التمسك بالاطلاق لوجود القدر المتيقن في مقام التخاطب . فهو ايراد مبنائي، وقد تقدم الحديث عن مانعية القدر المتيقن في مقام التخاطب عن التمسك بالاطلاق فراجع.
نعم ايراده الثاني وجيه، وهو ايضاح ما أشار إليه الشيخ من انه لو تمت دلالة الآيات كان مورودة لدليل الاحتياط لو تم، لتعليق الحكم فيها على عدم البيان. وأما إيراده الثالث: فمدفوع: بان الايتاء في الآية الكريمة كما هو منسوب إلى الله سبحانه منسوب إلى العباد . ومن الواضح أن مجرد إبلاغ الرسل بالحكم لبعض الناس لا يوجب صدق إعلام الآخرين به.
نعم يصدق الاعلام بقول مطلق، لا إعلام هذا الجاهل، لكنه لا ينفع فيما نحن فيه بلحاظ مدلول الآية، فما دام الشخص لم يعلم بالحكم يكون مشمولا للآية الشريفة وإن كان قد أبلغ الحكم لبعض الناس الآخرين. وشاهدنا على ذلك الذي لا يقبل الترديد، هو انه لو هيئت لشخص أسباب الرزق وكسب المال وتقاعس ولم يندفع في هذا السبيل، فهل يلزم بالانفاق مع فقره بلحاظ ان إيتاء المال المألوف من قبل الله سبحانه قد تحقق؟. إذن فمجرد الايتاء من قبل الله سبحانه لا ينفع في تحقق التكليف ما لم يعلم المكلف بالحكم نفسه، إذ بدون العلم لا يصدق إيتاء الله المكلف وإن صدق إيتاء الله سبحانه، فالايراد ناشئ عن قصر النظر على نسبة الايتاء إلى الله سبحانه وقطع النظر عن نسبة ايتائه إلى المكلف.
والذي يتحصل: ان إشكال استعمال اللفظ في أكثر من معنى وارد على الاستدلال بالآية. وعلى أي حال، فظاهر الآية إرادة المال من الموصول لظهورها في كون المراد من الموصول فيها نفس المراد من قوله: ( فلينفق مما آتاه الله ). ومن الواضح إرادة المال من الموصول هنا. هذا مع أن إرادة مطلق الفعل تتوقف على تقدير القدرة عليه لأنها هي المعطاة، أو أخذ الايتاء كناية عن الاقدار، وكل منهما خلاف الظاهر، فان معنى الايتاء هو الاعطاء. هذا مع أن رفع التكليف في صورة الجهل ظاهري ورفعه في صورة العجز واقعي . والجمع بينهما في انشاء واحد لعله منشأ إشكال، ولو أمكن تصحيح فهو مؤونة زائدة لا تثبت بالاطلاق، بل هي مانعة عن التمسك به كما لا يخفى. وعليه، فلا دلالة للآية على المدعى.»[4]
ويمكن ان يقال:
انه لا شبهة في ان مورد الآية ايتاء المال لأن الآية الشريفة (لينفقَ ذو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ومن قُدِر عليه رزقُهُ فَلُينْفِق مما آتهُ الله، لا يكلف الله نفساً الا ما اتها سيجعل الله بعد عسرٍ يُسيرا).[5]
وقبل هذه الآية... اَسكنوهُنَّ من حيث سَكَنتم مِنْ وُجْدِكم ولا تُضارّوهُنَّ لتضيقّوا عليهنّ، وان كُنَّ اولاتُ حَمْلٍ فَاَنفقوا عليهنّ حتي يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَاِن ارضعْنَ لكم فتأتون اُجورهُنَّ واَتْمِروا بينكم بمعروف وان تعاسَزتم فَسَتُرْضِعُ لَهُ اُخرى.
فالانفاق الموضوع للكلام هو الانفاق للاسترضاع، ولْيُنْفِقَ ذو سَعَة من سَعَتِهِ وجوب الانفاق لذي سعة، ومورد لا يكلف الله نفساً الا ما اتها، هو انه لا يحكم الله بوجوب الانفاق في هذا المقام الا من كان ذا مال وسعة. وعليه فالمراد من التكليف هو معناه المصطلح وهو الحكم، وأما الموصول فيما اتاها، ما هو متعلق التكليف بالوجوب، فإنه امر بوجوب الانفاق للاسترضاع ومتعلق هذا الوجوب الانفاق. الا ان تعلقه بالتكليف بوجوب ارجاع الامر لكبرى كليّة في مقام تعلق التكاليف الجارية في المقام وغير المقام، فإنه وإن كان المورد له القدرة على انفاق المال خاصة لفرض الاسترضاع، الا انه لا احد يقيدها بخصوص الانفاق او خصوص الاسترضاع، بل المراد التمكن من الاتيان بالتكليف وهو لا ينحصر في القدرة فقط، بل يجري في جميع شرائط التكليف فيكون المعنى ان الله لا يكلف العبد الا اذا اجتمع فيه جميع شرائط التكليف. فإن من له القدرة على الاعطاء ولم يكن عالماً بتعلق وجوبه عليه لا يكون متعلقاً للتكليف. او ان من كان قادراً عليه وليس عاقلاً، فلا يكلفه الله ايضاً في نفس المورد. فيرجع الموصول الى التمكن من الاتيان بالتكليف وهو معنى عام في نفسه يراد بها من جمع فيه شرائط التكليف.
وهو وإن كان راجعاً في مقام الى التمكن من الاتياء الا انه من مصاديق التمكن المطلق الراجع الى الشرائط العامة، فقوله تعالى: لا يكلف الله تعليل لوجوب الانفاق على القادرين عليه، وهذا التعليل كبرى كليّة وترجع الى التمكن من التكليف الذي هو الاساس والبناء في مقام تكليفه على العباد. نعم هنا اشكال قد افاده الشيخ (قدس سره) وهو ان الاتيان بمحتمل التكليف من الوجوب او الحرمة ليس من غير المقدور للمكلف، بل من الممكن ان الشارع كلف العباد بإتيان يحتمل الوجوب او ترك يحتمل الحرمة، ولا محذور فيه وهذا هو الذي ادعاه الاخباري في الشبهات التحريميّة. ويمكن ان يجاب عنه بأن البحث في المقام انما يكون في التكليف اي جعل المولى على عهدة العبد بلزوم الاتيان او لزوم الترك. وهذا اللزوم المجعول من قبل المولى انما ينشأ عن حكم العقل بلزوم الاطاعة، وبما ان العقل لا يرى صحة المؤاخذه على ترك التكليف عند الجهل به، والمفروض كون الحاكم في باب الاطاعة العقل، وعليه فإن العلم بالتكليف يكون من شروط تكليف المولى وجعله على عهدة المكلف بحيث صحت العقوبة على مخالفته، وفي الآية الشريفة التنبيه على ان المولى لا يكلف العبد الا اذا تبين حكمه وغرضه، فإذا لم يتبين فلا يوأخذ عليه. والاتيان بالمحتمل وإن كان مقدوراً للعبد عقلاً، الا ان تركه لا يصحح المؤاخذة بجهته اي جهة كونه مقدوراً، فالالزام في مقام التكليف لا يصح عقلاً.
[1] . السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقريرات البحث السيد الروحاني، ج4، ص380.
[2] . السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقريرات البحث السيد الروحاني، ج4، ص380.
[3] . السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقريرات البحث السيد الروحاني، ج4، ص381.
[4] . السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقريرات البحث السيد الروحاني، ج4، ص381-382.
[5] . سورة الطلاق، الآية 7.