بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بيست و هشت
هذا مضافاً الى ان مع فرض كونهما من الموضوعات الخارجية، فالشبهة فيهما فيما كان الاشتباه لعدم الدليل على احدهما كانت حكمية، ولا مرجع لرفعها الا الشارع، وما كانت كذلك ليست الا حكمية.
والمهم في هذا المقام بيان وجه حصر الاصول العملية المبحوث عنها في المقام بهذه الاربعة، اي البرائة والاشتغال والاستصحاب والتخيير.
والمشكل لا يختص بقاعدة الطهارة بل يجري في قاعدة الحلية وإصالة الصحة وقاعدة التجاوز وغيرها، وإن يظهر من الشيخ (قدس سره) كونها مشخصة لحكم الشبهة في الموضوع حيث افاد:
«وأما الاصول المشخصة لحكم الشبهة في الموضوع كاصالة الصحة واصالة الوقوع فيما شك فيه بعد تجاوز المحل فلا يقع الكلام فيها الا لمناسبة يقتضيها المقام»[1].
وهذا ما سبق دفعه من صاحب الكفاية بأن الطهارة والحلية وكذا امثالها كالصحة احكام شرعية الا انها احكام وضعية، ولا فرق بينهما من جهة التشريع.
ويمكن ان يكون وجه نظر الشيخ ما قرره في الاحكام الوضعية من عدم كونها مجعولة من ناحية الشارع بل هي تنتزع من الاحكام التكليفية المجعولة.
وعليه فيقوى القول عنده بأن المبحوث عنه في المقام الاصول الجارية في الاحكام التكليفية المفروض كونها مجعولة من ناحية الشارع، ولكنها لا يتم على جميع المباني، لأن بناء على كون الاحكام الوضعية مجعولة كالاحكام التكليفية فلا فرق بينهما من هذه الجهة.
كما انه لا يتم ما افاده صاحب الكفاية (قدس سره) لاخراج غير الاربعة عن موضوع البحث، بأن مثل اصالة الطهارة او الحلية لا تجري الا في بعض ابواب الفقه دون جميعها.
لانتقاضه ببعض المباحث الموضوعة للبحث في اصول الفقه مع عدم جريانها في جميع ابواب الفقه كاقتضاء النهي للفساد في العبادات وامثاله.
نعم ان ما افاده اولاً مع كون هذه الاصول غير الاصول العملية الاربعة ثابتة بلا كلام من دون حاجة الى النقض والابرام، ربما يمكن المساعدة عليه بأن مثل قاعدة الطهارة او الحلية يمكن للمقلد اجرائها عند الحاجة ولا يختص اجرائها بالمجتهد.
لكنه يشكل ايضاً من جهة ان كثيراً من هذه القواعد تحتاج الى البحث نقضاً وابراماً كقاعدة التجاوز والفراغ واصالة الصحة وامثالها مما يصعب معه اجرائها بيد غير المجتهد.
كما ربما يظهر من الشيخ ارجاع مثل قاعدة الطهارة وامثالها الى اصالة البرائة.
والبحث في هذا المقام يرجع الى البحث في ضابط المسألة الاصلية والفارق بينهما وبين القواعد الفقهية، وفيه بحث طويل الذيل.
قال المحقق النائيني:
«نتيجة المسألة الأصولية إنما تنفع المجتهد ولا حظ للمقلد فيها، ومن هنا ليس للمجتهد الفتوى بمضمون النتيجة، ولا يجوز له أن يفتي في الرسائل العملية بحجية الخبر الواحد القائم على الأحكام الشرعية مثلا، لان تطبيق النتيجة على الخارجيات ليس بيد المقلد بل هو من وظيفة المجتهد . وأما النتيجة في القاعدة الفقهية فهي تنفع المقلد، ويجوز للمجتهد الفتوى بها، ويكون أمر تطبيقها بيد المقلد، كما يفتي بقاعدة التجاوز والفراغ والضرر والحرج ومالا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده وبالعكس، وغير ذلك من القواعد الفقهية .»[2]
هذا ما نقله المحقق الكاظمي في فوائد الاصول.
وهو راجع الى ما افاده الشيخ (قدس سره) من ان المسائل الاصولية لما مهدت للاجتهاد و استنباط الاحكام من ادلة اختص التكلم فيها بالمستنبط.
وقد افاد بعد ذلك في الفوائد:
« أن النتيجة في المسألة الأصولية إنما تكون كلية ولا يمكن أن تكون جزئية، وهذا بخلاف النتيجة في القاعدة الفقهية فإنها تكون جزئية، ولو فرض أنه في مورد كانت النتيجة كلية ففي مورد آخر تكون جزئية . فالمايز بين المسألة الأصولية والقاعدة الفقهية، هو أن النتيجة في المسألة الأصولية دائما تكون حكما كليا لا يتعلق بعمل آحاد المكلفين إلا بعد التطبيق الخارجي، وأما النتيجة في القاعدة الفقهية فقد تكون جزئية لا تحتاج في تعلقها بعمل الآحاد إلى التطبيق، بل غالبا تكون كذلك .»[3]
والمستفاد من كلامه وجود ضابطين في مقام التفريق بين المسائل الاصولية والقواعد الفقهية.
1 – اختصاص البحث في المسألة الاصولية بالمجتهد وأن تطبيق النتيجة فيها بيده خاصاً دون المقلد.
2 – كلية النتيجة في المسألة الاصولية وجزئيتها، ولو في بعض الموارد في المسألة الفقهية، وما افاده من الضابط في الموردين وإن كان تاماً بالنسبة الى كثير من الموارد الا انهما ليساً ضابطاً جامعاً من جميع الجهات، وقد اعترف بذلك في الاخير بأنه يكون غالباً كذلك، لأن تطبيق النتيجة في كثير من القواعد الفقهية مما لا يمكن الا للمجتهد لصعوبة تحديد حدودها وكيفية انتاجها.
[1] . فرائد الاصول، ج2، ص14.
[2] . المحقق الكاظمي، فوائد الاصول، ج4، ص309-310.
[3] . المحقق الكاظمي، فوائد الاصول، ج4، ص309.