بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بيست و هفت
قال صاحب العروة (قدس سره):
«فصل في قسمة الخمس ومستحقه.»
مسألة (1): يقَّسم الخمس ستة اسهم على الاصح: سهم لله سبحانه، وسهم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وسهم للإمام ( عليه السلام )،
وهذه الثلاثة الآن لصاحب الزمان أرواحنا له الفداء وعجل الله تعالى فرجه، وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل،
ويشترط في الثلاثة الأخيرة الإيمان. وفي الأيتام: الفقر،
وفي أبناء السبيل: الحاجة في بلد التسليم، وإن كان غنيا في بلده. ولا فرق بين أن يكون سفره في طاعة أو معصية.
ولا يعتبر في المستحقين العدالة وإن كان الأولى ملاحظة المرجحات، والأولى أن لا يعطى لمرتكبي الكبائر خصوصا مع التجاهر.
بل يقوى عدم الجواز إذا كان في الدفع إعانة على الإثم، وسيما إذا كان في المنع الردع عنه، ومستضعف كل فرقة ملحق بها.[1]
اما ما افاده من تقسيم الخمس الى اقسام ستة فهو المعروف والمشهور بين الطائفة ففي الانتصار والغنية: الاجماع عليه.
وعن مجمع البيان و كنز العرفان: انه مذهب اصحابنا.
وعن الامالي – للصدوق (قدس سره) – انه من دين الاماميّة.
وفي القبال نسب الى ابن الجنيد تقسيم الخمس الى اقسام خمسة بحذف سهم الله تعالى وربما يظهر من صاحب المدارك الميل اليه.
ولكن العلامة في المختلف حكى عن ابن الجنيد تقسيم الخمس الى اقسام ستة على ما هو المشهور بين اصحابنا.
وفي الشرايع والمسالك وغيره نسب ذلك الى: قيل، ولم يعرف قائله. وافاد الشيخ (قدس سره) في الرسالة بعد نقل قول المشهور ووجوهه:
«... خلافا للمحكي عن شاذ من أصحابنا فأسقط منهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا القائل غير معروف كما في المسالك، وإن حكى بعض استظهار كونه ابن الجنيد إلا أن المحكي عنه في المختلف: موافقة المشايخ الثلاثة وباقي علمائنا.»[2]
فظاهره اسناد حذف سهم الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولكن المذكور في الكتب كالجواهر نسبة حذف سهم الله دون سهم الرسول.
وسياتي تحقيق البحث فيه.
واستدل لما سلكه المشهور من تقسيم الخمس الى ستة اسهم بوجوه:
1 - قوله تعالى: {واعلموا انما غنمتم من شئٍ فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}[3].
بتقريب ان المصرح فيها الاسهم الستة في تقسيم الخمس بحسب صرفه من دون تفاوت بين ان يكون المراد من الغنيمة الفائدة كما مر تحقيقه او خصوص غنائم الحرب بعد تكفل ما دل على ثبوت الخمس في غيرها على ان المراد به الخمس المعهود المقرر في الشريعة المقدسة.
2 - الاخبار الواردة في المقام.
وعبر الشيخ (قدس سره) عنها بالمستفيضة وافاد السيد الخوئي (قدس سره):
«وتدل عليه طائفة من الروايات قد ادعي انها متواترة اجمالاً بحيث يقطع او يطمئن بصدور بعضها عن المعصوم (عليه السلام) وان كانت باجمعها غير نقية السند.»[4]
منها:
مارواه محمد بن الحسن باسناده عن سعد بن عبدالله عن محمد بن عبدالجبار عن صفوان بن يحيى عن عبدالله بن مسكان. عن زكريا بن مالك الجعفي عن ابي عبدالله (عليه السلام):
أنه سأله عن قول الله عز وجل: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)؟ فقال: أما خمس الله عز وجل فللرسول يضعه في سبيل الله، وأما خمس الرسول فلأقاربه وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه، واليتامى يتامى أهل بيته، فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم وأما المساكين وابن السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة ولا تحل لنا فهي للمساكين وأبناء السبيل.[5]
اما جهة الدلالة فيها:
فان المصرح فيها تقرير الاية الشريفة وتفسيرها في تقسيم الخمس بستة اسهم. وقد بيّن الامام (عليه السلام) بصرف الاقسام الاربعة وهي سهم الله و سهم الرسول وسهم ذي القربى وسهم اليتامى في اهل بيت النبي والقربى والسهمين الباقيين لغيرهم، وهما سهم المساكين وسههم ابناء السبيل.
اما جهة السند.
فان الرواية نقلها الصدوق (قدس سره) في الفقيه باسناده عن زكريا بن مالك الجعفي.
ونقله في الخصال عن محمد بن علي ما جيلويه عن محمد بن يحيى عن محمد بن احمد عن علي بن اسماعيل عن صفوان بن يحيى عن ابن مسكان عن ابي العباس عن زكريا بن مالك وليعلم ان في نقل صاحب الوسائل عن الشيخ في التهذيب: فجعل هذه الاربعة اسهم فيهم.
وفي النسخة الموجودة من التهذيب: فجعل هذه الاربعة اربعة اسهم.
وفي الفقيه والخصال: فجعل هذه الاربعة الاسهم فيهم
نعم، في المقنع: هذه الاربعة اسهم فيهم.
اما اسناد الشيخ (قدس سره)
فاسناده عن سعد بن عبدالله صحيح.
وسعد بن عبدالله بن ابي خلف الاشعري وثقه الشيخ في الفهرست وكذا العلامة وابن شهر آشوب، وهو من الطبقة الثامنة.
وهو رواه عن محمد بن عبدالجبار وثقه الشيخ في الرجال والعلامة وهو من الطبقة السابعة.
وهو رواه عن صفوان بن يحيى وهو من اعلام الثقات وغني عن توثيق غيره، وقد صرح فيه الشيخ في الرجال: اوثق اهل زمانه عنه اصحاب الحديث، وهو من الطبقة السادسة.
ورواه عن عبدالله بن مسكان. وثقه النجاشي وقال الكشي: أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه. ووثقه العلامة وابن شهر آشوب. وهو من الطبقة الخامسة.
وهو رواه عن زكريا بن مالك الجعفي. ولا تنصيص على وثاقته..
واما اسناد الصدوق في الخصال:
فرواه عن محمد بن علي بن ماجيلويه القمي وهو من مشايخ الصدوق لا تنصيص على وثاقته في كتب الرجال. الا انه قال المحقق الاردبيلي في جامع الرواة:
«ويفهم من العلامة توثيقه اذ صحح طريق الصدوق الى اسماعيل بن رباح وهو فيه وكذلك طريق الحسين بن زيد وغير ذلك.»[6] وهو من الطبقةالتاسعة.
وهو رواه عن محمد بن يحيى العطار القمي، وثقه النجاشي والعلامة. وهو من الطبقة الثامنة.
وهو رواه عن محمد بن احمد بن يحيى الاشعري القمي، قال النجاشي فيه: ثقة في الحديث ووثقه العلامة. وهو من الطبقة السابقة.
وهو رواه عن صفوان بن يحيى المتقدم عن عبدالله بن مسكان، ولكنه لم يروه عن زكريا بن مالك بلا واسطة، بل بوساطة ابي العباس عنه.
والظاهر ان المراد بعه ابوالعباس البقباق. فضل بن عبدالملك الكوفي بقرينة نقل عبدالله بن مسكان عنه، وهو المنطبق عليه في طريق زكريا بن مالك في جامع الرواة.
وقال النجاشي فيه: ثقة عين روى عن ابي عبدالله (عليه السلام)، ووثقه العلامة (قدس سره) وغير وهو من الطبقة الخامسة.
وهو رواه عن زكريا بن مالك.
واما اسناد الصدوق في الفقيه، فالمذكور فيه نقل الرواية باسناده عن زكريا بن مالك الجعفي، وقال المحقق الاردبيلي:
«... – اسناد الفقيه – الى زكريا بن مالك الجعفي فيه الحسين بن احمد بن ادريس (رضي الله عنه) وهو غير مذكور»[7]
واسناد الصدوق (قدس سره) اليه يشتمل على حسين بن احمد بن ادريس رحمه الله عن ابيه عن محمد بن احمد عن علي بن اسماعيل عن صفوان بن يحيى عن عبدالله بن مسكان عن ابي العباس الفضل بن عبدالملك عن زكريا بن مالك الجعفي.
ولا اشكال في هذا الاسناد سوى ان حسين بن احمد بن ادريس لا تنصيص على وثاقته فانه هو الحسين بن احمد بن ادريس القمي الاشعري يكنى ابا عبدالله روي عنه الصدوق والتلعكبري ومحمد بن احمد بن داود. فهو من مشايخ الصدوق وترحم له (قدس سره)
وللصدوق رضوان الله عليه طريق اخر الى زكريا، ولكن بعنوان زكريا النقاض، وافاد السيد الخوئي (قدس سره) في معجمه باتحاد الرجلين اي زكريا بن مالك الجعفي وزكريا النقاض.
والطريق اليه فيه ابوه – علي بن بابويه عن محمد بن يحيى عن محمد بن احمد عن علي بن اسماعيل ولا كلام فيه الا بالنسبة الى علي بن اسماعيل. حيث افاد السيد الخوئي (قدس سره) بانه علي بن اسماعيل بن عيسى ولم يرد فيه توثيق في كتب الرجال.
واختار الوحيد البهبهاني (قدس سره) اتحاد الرجل مع علي بن السندي – اي علي بن اسماعيل بن سندي من جهة الاتحاد في الراوي والمروي عنه في موارد.
وعلي بن اسماعيل السند ثقة بناءً على شهادة نصر بن الصباح من اعلام مشايخ الكشي حيث قال: علي بن اسماعيل ثقة وهو علي بن السندي فلقب اسماعيل بالسندي حسب نقل الكشي في رجاله.
وعليه فانه بناءً على اتحاد الرجلين فثم وثاقة علي بن اسماعيل وبه تصحيح طريق الصدوق الى زكريا المذكور.
اذا عرفت هذا. فان جميع الطرق في الحديث ينتهي الى زكريا بن مالك الجعفي، واحسن الطرق واصحه طريق الشيخ اليه في التهذيب. وزكريا المذكور لا تنصيص على وثاقته الا انه روى عنه صفوان بن يحيى بالطريق الصحيح. وكلا طريقي الصدوق لا يخلو عن وجه الصحة حسب ما عرفت. ولذا عبر السيد الحكيم عن الرواية بالصحيحة.
.[1] العروة الوثقي، ج4، ص305-306.
.[2] الشيخ الانصاري، كتاب الخمس، ص288.
.[3] سورة الانفال، الآية41.
.[4] السيد الخوئي، كتاب الخمس، ص306.
.[5] وسائل الشيعة، ج9، الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، ص509، الحديث12600/1.
.[6] محمدعلي الاردبيلي، جامع الرواة، ج2، ص157.
.[7] محمدعلي الاردبيلي، جامع الرواة، ج2، ص 634.