بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بيست
( مسألة 81 ):
قد مر أن مصارف الحج الواجب إذا استطاع في عام الربح وتمكن من المسير من مؤنة تلك السنة وكذا مصارف الحج المندوب والزيارات، والظاهر أن المدار على وقت إنشاء السفر فإن كان إنشاؤه في عام الربح فمصارفه من مؤنته ذهابا وإيابا، وإن تم الحول في أثناء السفر فلا يجب إخراج خمس ما صرفه في العام الآخر في الإياب أو مع المقصد وبعض الذهاب[1].
قد مر ان مصارف الحج من المؤونة وعليه:
لا شبهة في انه اذا اتى بالحج في عام الاستطاعة يحسب جميع مصارفه فيه من المؤن . كما ان الاظهر حسب ما مر انه اذا لم يتمكن من اتيانه في عام الاستطاعة واتى به في العام المتاخر اوالاعوام المتاخرة يحاسب مصارفه من مؤونة عام الاستطاعة لما عرفت من ان المراد بالمؤونة المؤونة الفعلية، وهي ما يخرج من الربح ويصرف فيها، واذا كانت مصارف الحج من المؤونة ففي عام المصرف فيه من مؤونته واذا كانت مصارف الحج من المؤونة، ففي عام المصرف فيه تعد من مؤونة سنة المصرف دون عام الاستطاعة.
واما اذا اتى بالحج في اواخر السنة بحيث انها تمت في اثناء سفره وانتهى السفر في العام القابل، فانه يمكن تصوير محاسبة مصارفه من مؤونة العام الاول، وهو العام الذي ابتدأ بسفره فيه، لان غالب الناس لا يبادرون بهذا السفر الا بعد تأمين مصارفه بكاملها وحيث ان ما في يده هو ربح السنة الاولى فلا محالة يخرج مصارف سفره منه، فكل ما صرف خارجاً في سفره يعد من مؤونة السنة.
واختار السيد الماتن هذا القول وافاد بان الظاهر ان المدار على وقت انشاء السفر، فان كانت انشأوه في عام الربح فمصارفه من مؤونته ذهاباً واياباً. وتعبيره (قدس سره) بالانشاء كما يصدق على الابتداء بالسفر في عام الربح كذلك يمكن صدقه على تدارك لوازم السفر قبل الابتداء وعنه عزمه بذلك، لان تامين مصارف السفر عند غالب الناس يتحقق قبل الشروع فيه.
ويمكن ان يقال:
ان من كان له ربح مستمر من ايجار ونحوه بحيث يتمكن من بذل مصارف الحج في وقته في اي زمان كان، فلا مانع من اخراج مؤونة الحج من سنة اتيانه نظير من يستطيع، ولم يتمكن من الاتيان بالحج في عام الاستطاعة، و اتي به في العام القابل، او في السنوات المتأخرة، فانه لا مانع من اخراج مؤونة الاتيان به عن مؤونة سنة الاتيان وهذا الاشبهة فيه.
ويلحق به من كان عازماً للحج في اواخر عام الاستطاعة، و وقع بعض سفره وايابه في العام القابل، فحيث ان كل ما صرفه في مؤونته ومن جملته مصارف الحج مستثنى من الخمس، فيمكن له اخراج بعض مصارفه الواقعة في عام الاستطاعة من مؤونته، واخراج ما بقي من المصارف من مؤونة العام القابل، من غير ان يتعلق الخمس بما صرفه في حجه في العام القابل.
هذا، ولكن غالب الناس ليس كذلك، فانه ليس لهم ربح مستمر حتى في حال عدم حضورهم وكونهم في السفر، فانه لو دخل السفر في السنة اللاحقة فلا يمكن لاكثر الناس تحصيل ربح جديد ليخرجوا نفقة السفر منه، بل الغالب بينهم اخراج مصارف السفر من ارباح سنة انشاء السفر، ولو لا تهيّئهم من هذه الجهة لا يبادرون بالسفر، وعليه يشكل تصوير احتساب المصارف التدريجية كالمأكول واجور المساكن والاياب – عند تمام الحول في الاثناء – من مصارف السنة القابلة كما افاده السيد الخوئي (قدس سره) في القسم الثالث من اقسام مصروفات الحج في كلامه.
نعم يمكن تصويره بالنسبة الى بعض الناس كما مر، ولكن غالب الناس يحاسبون مصارف السفر ويخرجونها من الربح قبل الاقدام بالسفر من دون انتظار لتحصيلها في ضمن السفر، لانها في مظان عدم الحصول، وكيف يبادر العاقل بالسفر الى مكان بعيد من دون تهيئة لاسبابه ولوازمه قبل الشروع فيه.
والدليل على محاسبته من مؤونة سنة انشاء السفر صدق مؤونتها على مصروفاته، ولو تصرف فعليته في العام القابل، وقد مر تفصيلاً انه كما تصدق المؤونة على ما يصرف فعلاً وخارجاً في السنة، كذلك يصدق عرفاً على ما يلزم اخراجه من الربح، وان يصرف فيما بعد السنة، اذ لم يتمكن من اخراجها في سنة صرفه، نظير ما يتعارف في زماننا من وضع مبلغ في حساب في البنوك ليتمكن من اتيان الحج في السنوات المتأخرة بحسب القرعة او الترتيب بين القاصدين له. فانه يطلق عليه المؤونة عرفاً، وان لم يصرف خارجاً في مقصوده فعلاً.
وكذا من يستطيع للحج في عامه ولا يتمكن من الاتيان بالحج في عام الاستطاعة كما في زماننا، بل يتأخر اتيانه بالحج الى سنوات، ولا يتمكن من اخراج مصارفه في وقت الاتيان، وانه لو لم يخرج مصارفه من ارباح عام الاستطاعة وعزلها منها لا يقدر على اتيان الحج في سنته، فانه يلزمه اخراجها من مؤونة عام الاستطاعة لئلا يفوت الحج عنه في سنة اتيانه.
ومن هذا القبيل من يحتاج لاخراج مصارف جهاز بناته تدريجاً او اخراج مصارف شراء البيت تدريجاً وفي كل سنة، فان عزل مقدار من ربح كل سنة لهذه الاغراض يعد من المؤونة عرفاً، ومصارف الحج من هذا القبيل.
ثم ان عبارة صاحب العروة في المتن – في النسخ الموجودة عندنا - «فلا يجب اخراج خمس ما صرفه في العام الاخر الاّ في الاياب او مع المقصد او بعض الذهاب» والظاهر انه يلزم حذف الاّ كما في بعض النسخ المصححة، فتكون العبارة «فلا يحب اخراج خمس ما صرفه في العام الاخر في الاياب او مع المقصد او بعض الذهاب» لانه بعد ما كان المدار في المحاسبة على وقت انشاء السفر، لكان مصارفه في هذه الامور من مؤونة عام الانشاء وهي ليست موضوعة لوجوب الخمس.
[1] العروة الوثقى (المحشي)، ج4، ص302.