بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هجده
وبالجملة ان وجه عدم اعتبار الظن المطلق في هذا القسم – القسم الثاني وهو ما يجب الاعتقاد به اذا حصل العلم به – عدم ثبوت التكليف، فلو ثبت بعلم او بالظن الاطميناني او المفيد للوثوق – مع القول بتغايرها – وجب الاعتقاد به، ويثبت بمقتضاه التكليف بوجوب التدين. واما في الفرض ثبوت التكليف فلا ننسى ما افاده الشيخ (قدس سره) في الامر الاول من التنبيهات الذي ذكره بعد تقريره مقدمات الانسداد قال:
« وكيف كان : فيكفي في رد الاستدلال، احتمال عدم نصب الطريق الخاص للأحكام وإرجاع امتثالها إلى ما يحكم به العقلاء وجرى عليه ديدنهم في امتثال أحكام الملوك والموالي مع العلم بعدم نصب الطريق الخاص: من الرجوع إلى العلم الحاصل من تواتر النقل عن صاحب الحكم أو باجتماع جماعة من أصحابه على عمل خاص، أو الرجوع إلى الظن الاطمئناني الذي يسكن إليه النفس ويطلق عليه العلم عرفا ولو تسامحا في إلقاء احتمال الخلاف، وهو الذي يحتمل حمل كلام السيد عليه، حيث ادعى انفتاح باب العلم.
هذا حال المجتهد، وأما المقلد: فلا كلام في نصب الطريق الخاص له وهي فتوى مجتهده، مع احتمال عدم النصب في حقه أيضا، فيكون رجوعه إلى المجتهد من باب الرجوع إلى أهل الخبرة المركوز في أذهان جميع العقلاء، ويكون بعض ما ورد من الشارع في هذا الباب تقريرا لهم، لا تأسيسا.
وبالجملة : فمن المحتمل قريبا إحالة الشارع للعباد في طريق امتثال الأحكام إلى ما هو المتعارف بينهم في امتثال أحكامهم العرفية : من الرجوع إلى العلم أو الظن الاطمئناني، فإذا فقدا تعين الرجوع أيضا بحكم العقلاء إلى الظن الغير الاطمئناني، كما أنه لو فقد - والعياذ بالله - تعين الامتثال بأخذ أحد طرفي الاحتمال، فرارا عن المخالفة القطعية والإعراض عن التكاليف الإلهية الواقعية .
فظهر مما ذكرنا : اندفاع ما يقال : من أن منع نصب الطريق لا يجامع القول ببقاء الأحكام الواقعية، إذ بقاء التكليف من دون نصب طريق إليها ظاهر البطلان.
توضيح الاندفاع : أن التكليف إنما يقبح مع عدم ثبوت الطريق رأسا ولو بحكم العقل الحاكم بالعمل بالظن مع عدم الطريق الخاص، أو مع ثبوته وعدم رضا الشارع بسلوكه، وإلا فلا يقبح التكليف مع عدم الطريق الخاص وحكم العقل بمطلق الظن ورضا الشارع به.»[1]
و ما حققه الشيخ (قدس سره) وان ذكره بعنوان الاحتمال الا انه لم يدفعه، و لم يناقش فيه و هو صريح امكان احالة الشارع امتثال احكامه الى ما يحكم به العقلاء و جرى ديدنهم فيها، ومن المعلوم ان وجوب التدين بامر او وجوب الاعتقاد به حكم تكليفي يتبعه العقاب عند مخالفته وذمه المكلف مشغولة به لامحالة ما دام لم يتحقق منه الامتثال، والتقريب الذي احتمله الشيخ ويترائى ميله اليه لما مر جار في جميع الاحكام التي تتميز بلزوم تفريغ الذمة من ناحية المكلف ومن جملتها وجوب الاعتقاد و لا وجه معه للتفريق بين الأحكام الفرعية، والاحكام المرتبطة باعتقاد المكلف. هذا كله بالنسبة الى ما ثبت فيه وجوب الاعتقاد كما ياتي في القسم الاول، واما في هذا القسم المبحوث عنه وهو القسم الثاني الذي يجب الاعتقاد به اذا حصل العلم به، فان العلم او الظن الاطميناني لايحصل للمكلف بدواً و ابتداءً، بل المعرفة تحصل تدريجاً ولاشبهة في انها اذا بلغت حد العلم، أو بلغت حد الوثوق والاطمينان يجب التدين بها، واما دون ذلك، فهل للمكلف وظيفة وتكليف بالنسبة اليه، وهل يمكن تحديد حد في ذلك بحسب رجحان الاحتمال ام لا؟
لا شبهة في ان الاحتمال الراجح وان لم يبلغ حد الظن الاطمئناني فيكون موضوعاً للاثر في هذا المقام، ومن جملة هذه الاثار حصول العلم او الاطمئناني بضمه الى غيره من الظنون.
صرح الشيخ (قدس سره) في توجيه عدم عمل كثير بالظنون الحاصلة من ظواهر الكتاب والخبر المتواتر في اصول الدين بمنع وجوب التدين بما ثبت بها:
«ومما ذكرنا يظهر الكلام في العمل بظاهر الكتاب والخبر المتواتر في أصول الدين، فإنه قد لا يأبى دليل حجية الظواهر عن وجوب التدين بما تدل عليه من المسائل الأصولية التي لم يثبت التكليف بمعرفتها، لكن ظاهر كلمات كثير عدم العمل بها في ذلك . ولعل الوجه في ذلك: أن وجوب التدين المذكور إنما هو من آثار العلم بالمسألة الأصولية لا من آثار نفسها، واعتبار الظن مطلقا أو الظن الخاص - سواء كان من الظواهر أو غيرها - معناه: ترتيب الآثار المتفرعة على نفس الأمر المظنون لا على العلم به.
وأما ما يتراءى من التمسك بها أحيانا لبعض العقائد، فلاعتضاد مدلولها بتعدد الظواهر وغيرها من القرائن، وإفادة كل منها الظن، فيحصل من المجموع القطع بالمسألة، وليس استنادهم في تلك المسألة إلى مجرد أصالة الحقيقة التي قد لا تفيد الظن بإرادة الظاهر، فضلا عن العلم.»[2]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] فرائد الاصول، ج1، ص439-442.
[2] فرائد الاصول، ج1، ص568.