بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه چهارده
قال الشيخ (قدس سره):
« ثم، إن الفرق بين القسمين المذكورين، وتمييز ما يجب تحصيل العلم به عما لا يجب في غاية الإشكال. وقد ذكر العلامة (قدس سره ) في الباب الحادي عشر - فيما يجب معرفته على كل مكلف من تفاصيل التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد - أمورا لا دليل على وجوبها كذلك، مدعيا أن الجاهل بها عن نظر واستدلال خارج عن ربقة الإيمان مستحق للعذاب الدائم. وهو في غاية الإشكال .
نعم، يمكن أن يقال:
إن مقتضى عموم وجوب المعرفة - مثل قوله تعالى: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)[1] أي ليعرفون، وقوله (صلى الله عليه وآله): "ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس"[2]، بناء على أن الأفضلية من الواجب خصوصا مثل الصلاة تستلزم الوجوب-، وكذا عمومات وجوب التفقه في الدين الشامل للمعارف، بقرينة استشهاد الإمام (عليه السلام) بها لوجوب النفر لمعرفة الإمام بعد موت الإمام السابق (عليه السلام)، وعمومات طلب العلم، هو وجوب معرفة الله جل ذكره ومعرفة النبي (صلى الله عليه وآله) ومعرفة الإمام (عليه السلام) ومعرفة ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) على كل قادر يتمكن من تحصيل العلم، فيجب الفحص حتى يحصل اليأس، فإن حصل العلم بشئ من هذه التفاصيل اعتقد وتدين، وإلا توقف ولم يتدين بالظن لو حصل له.»[3]
فافاد صاحب الكفاية (قدس سره) ان الامور التي لم يرد دليل على وجوب معرفتها لاعقلاً ولا شرعاً، لم يتم الالتزام بلزوم المعرفة فيها بعد جريان البراءة عن وجوب المعرفة في هذه الامور.
اما ما استدل به الشيخ (قدس سره) من تصوير وجوب المعرفة في هذه الامور تأييداً للعلامة (قدس سره) لا وجه له.
اما ما استدل به من قوله تعالى: {وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون}.
ففيه: ان المراد من (ليعبدون) هو خصوص عبادة الله ومعرفته.
واما النبوي (ما اعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس.) فانما كان في مقام بيان فضيلة الصلوات الخمس، وليس في مقام بيان حكم المعرفة، وليس فيه اطلاق يشمل المعرفة.
واما آية النفر فانما كانت في مقام بيان الطريق الذي يتوصل به الى الواجب من التفقّه من الحضور عند النبي (صلى الله عليه وآله) وليس في مقام بيان ما يجب فهمه ومعرفته.
وما دل على وجوب طلب العلم انما كان في مقام الحث على طلب العلم دون بيان ما يجب معرفته و تحصيل العلم به.
وبالجملة انه لا دليل على لزوم المعرفة فيما لم يقم دليل من العقل او الشرع على وجوب العلم به ولزوم معرفته.
ثم افاد (قدس سره)، بانه لا يجوز الاكتفاء بالظن في الامور الاعتقادية التي يجب فيها تحصيل العلم، وذلك لان المعرفة الظنية ليست بمعرفة قطعاً.
فاذا امكن تحصيل العلم فيها لزم تحصيله مهما امكن، وفي فرض العجز عن تحصيل العلم، لا يلزم تحصيل الظن مقامه، بل يكون معذوراً، فاذا لم يحصل له العلم لاي جهة كالقصور للغفلة، او غموض المطلب مع قلة الاستعداد كما هوالمشاهد في كثير من الناس، كان معذوراً.
نعم، لو فرض عدم حصول العلم له عن تقصير في الاجتهاد، بلا فرق في الموجب لهذا التقصير سواء كان ذلك حب الآباء والاجداد، واتباع طريقة السلف وسيرتهم، وعبر عنه بانه (كالجبلي للخلف وقلّما عنه تخلف)
وبالجملة:
ان المعرفة هي المعرفة العلمية ولا تصدق على غيرها، فلا تكفي المعرفة الظنية، فلو تمكن من تحصيل العلم وجب عليه تحصيله، واذا لم يتمكن فهو معذور بلا فرق بين ان يكون القصور ناشئاً عن عدم المقتضي كقلة الاستعداد او وجود المانع كالغفلة.
[1]. سورة الذاريات، الآية 56. .
[2]. الكافي، ج3، س264؛ وسائل الشيعة(آل البيت)، ج4، الباب 10 من أبواب أعداد الفرائض، ص38، الحديث4453/1..
[3]. فرائد الاصول، ج1، ص559-560. .