بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سی و یکم
و یمکن ان یقال:
ان اساس ما حققه قدس سره فی المقام هو ان الحکم العقلی العملی مأخوذ من المقدمات المحمودة، و القضایا المشهورة، و مراده من المقدمات المحمودة، البدیهیات الست مثل الاولیات و المشاهدات و التجربیات و المتواترات و الحدسیات و الفطریات و من القضایا المشهورة هی المعدودۀ من الصناعات الخمس فی باب المیزان.
و قرر قدس سره ان العناوین المحکومۀ بالحسن و القبح بمعنی کون الفعل ممدوحا او مذموماً.
و صرح قدس سره بأن الحکم العقلی هو الحکم العقلائی بمدح فاعل بعض الافعال و ذم فاعل بعضها الآخر، لما فیه من المصلحۀ الموجبۀ لانحفاظ النظام، او المفسدۀ الموجبۀ لاختلال النظام و فساد النوع، و هی الموجبۀ لبناء العقلاء فی المدح والذم، لأنه اول موجبات حفظ النظام و موانع اختلاله.
و معنی ذلک: رجوع احکام العقل العملی الی آراء العقلاء، و هذا مبنی لا یلتزم به الا قلیل من اعلامنا الاصولیین.
و التزم المشهور بأن احکام العقل العملی غیر آراء العقلاء و بنائهم فی مقام حفظ نظامهم و المنع عن اختلاله.
و أساس رأیهم ان احکام العقل العملی و فی الحقیقة ادراکه یرجع الی امرین:
حسن العدل و قبح الظلم.
و المراد منه ان الحسن ذاتی للعدل و القبح ذاتی للظلم، و هو امر واقعی لا یمکن تصویر العدل من غیر تصور الحسن فی مورده، کما لا یمکن تصویر الظلم الا کونه بذاته قبیحاً، و هذا ثابت مع قطع النظر عن ای رأی، و أی نظر سواء کان للعقلاء او غیرهم.
و العقل و هو القدرۀ المدرکۀ فی الانسان انما یدرک هذا الأمر بواقعه ای انه کان فی الواقع له ثبوت و العقل یدرکه.
و ادراکه لحسن العدل و قبح الظلم یسمی بإدراک العقل العملی و هو یدرک جمیع ما صدر من الافعال بالإضافۀ الیهما، و کل ما ینطبق علیه عنوان العدل فهو حسن، و کل ما ینطبق علیه عنوان الظلم فهو قبیح، الا ان هذا الادراک بالنسبۀ الی غیر نفس العدل و غیر نفس الظلم من العناوین ادراک اقتضائی، بمعنی ان بالنسبۀ الی نفس العناوین فالحسن و القبح ذاتیان لا یقبلان التغیر و التبدل، و أما بالنسبۀ الی غیرهما فالحسن و القبح لیسا ذاتیین لهما بل اقتضایتان، فمثلاً ان الصدق حیث انه عدل فحسن، فالحسن لیس ذاتياً له، بل انما یکون محکوماً بالحسن کلما انطبق عنوان العدل علیه، و لو فرض انتفاء هذا الانطباق مثل ما اذا کان الصدق مضراً، فبما انه لا ینطبق علیه عنوان العدل لصار غیر محکوم بالحسن، بل محکوماً بنقيضه ای الظلم، و هذا معنی اقتضائیة الحسن و القبح فی غیر العدل و الظلم من العناوین.
اذا عرفت هذا:
فإن متعلق الحکم بالحسن و القبح و ان شئت قلت: ان متعلق هذا الادراک العقلی ذات الفعل، فإن الفعل یحاسب بأن هذا الفعل هل یصدق علیه و ینطبق علیه عنوان العدل فیدرک حسنه، او یصدق علیه عنوان الظلم فیدرک قبحه مع قطع النظر عن فاعله، و کذا قطع النظر عن داعی فاعلیة لفعله، لأن متعلق الادراک ذات الفعل و صدق احد العناونین علیه اما الحسن و اما القبح.
و فی قباله ان للعقلاء آراء و بناءات لحفظ نظامهم العقلائی و عدم اختلاله، و المراد من نظامهم نظام معایشهم، و یترجع هذه الآراء الی المدح و الذم.
و أساس هذه الآراء هی المقدمات المحمودة و القضایا المشهورۀ، و هذه الآراء و ان ترجع الی ادراکاتهم الحتمية الا انها لیست من جنس الادراک، بل هی بناءات منهم بما هم عقلاء، و تدور هذه البناءات مدار نظام معایشهم فی مقام التحفظ علیه، و دفع ما یوجب الاختلال فیه.
و موضوع هذه الآراء و البناءات هو الاشخاص و الافراد بما صدر عنهم القابلۀ لتعلق المدح او الذم.
فهم یمدحون من صدر عنه ما یوجب حفظ نظامهم، و یذمون من صدر عنه ما یوجب الاختلال فی نظام معایشهم.
ولا شبهة في ان متعلق المدح والذم وآرائهم هو العنوان القصدي اي ما صدر عن فاعله باختيار وبعد لحاظ العنوان والجزم به وقصده، وليس متعلق هذه الآراء ذات الفعل وذات العنوان، ولذا يفترق متعلق الحسن والقبح في العقل العملي مع متعلق آرائهم بالمدح والذم في بعض الموارد، ولا ملازمة بين الحكم بالحسن والبناء علي مدح فاعله، وكذا بين الحكم بالقبح والبناء علي ذم قاعله.
فلو صدر عن فاعل قاصد للظلم ما يعنون خارجاً بعنوان العدل لحكم العقل بحسنه مع ان بنائهم علي ذمه وكذلك بالعكس.
فإن العنوان المتعلق لبنائهم بعد كون هو العنوان القصدي هو ما يتصف بالحسن الفاعلي او قبحه في التعبيرات، ولكنه غير الحسن والقبح الذاتيين في احكام العقل العملي.
ونتيجة ذلك:
التغاير الماهوي بين ادراك العقل العملي والبناءات العقلائية وآرائهم.
ومعه فإن كون متعلق الآراء العنوان القصدي، وهو لا يتحقق الا باللحاظ في وجدان العقل، وأنه لا وعاء له الا ذلك فلا يتطرق فيه الشك والابهام، انما يتم في الآراء العقلائية دون ما حكم به العقل من الحسن والقبح.
فبالنسبة الي آرائهم وحيث ان الشارع من العقلاء بل رئيسهم فلا محالة لا يتطرق الشك والابهام في موضوع حكمه بالثواب والعقاب بعين عدم تطرقه في الموضوع لآرائهم، وإن كان فيه بعض المحاذير في موارد عدم امضاء الشارع للسيرة العقلائية، الدالة علي عدم الملازمة بين آرائهم والاحكام الشرعية دائماً.
ولكن بالنسبة الي المقام حيث ان البحث في تطرق الشك في الاحكام الفعلية الكلية التي يكون مستندها حكم العقل بالحسن والقبح، لا ما يكون مستندها حكم العقل بالحسن والقبح، لا ما يكون مستندها الآراء العقلائية، وإن الموضوع والمعروض للحسن والقبح المدركين بإدراك العقل العملي هو ذات العنوان دون العنوان القصدي فلا محالة يرد ما افاده صاحب الكفاية (قدس سره) في جواب اشكال عدم جريان الاستصحاب في هذه الاحكام الشرعية، بأن الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع انما يكون في مقام الاثبات وما ادركه العقل فعلاً وفعليته دون مقام الثبوت والواقع الذي لو ادركه العقل لحكم به ولكن لا يحكم به فعلاً.
فالاشكال علي المحقق الاصفهاني (قدس سره) في المقام انما يكون في اساس المبني.